اليمن وجنوب السودان... الأزمات القاتلة

اليمن وجنوب السودان... الأزمات القاتلة

19 مارس 2017
الحرب تسبب موجات نزوح داخلي وأزمات إنسانية باليمن(عبدالناصر الصديق/الأناضول)
+ الخط -
بات لليمن وجنوب السودان، قواسم مشتركة تجمعهما، أكثر من أي بلدين في العالم. إنهما يشكلان اليوم النموذج الأكثر وضوحاً لكيف تصنع الحروب أزمات إنسانية قاتلة. ثلاثية الموت تحضر في البلدين بكافة تفاصيلها. حروب طاحنة بين أبناء البلد الواحد، يسقط فيها مئات القتلى يومياً حتى أصبح تعدادهم أمراً اعتيادياً. موجات نزوح داخلي، ولجوء إلى دول الجوار لا تنتهي. لكن الأخطر يتمثل في مجاعة باتت تهدد من نجا من الحرب والقذائف بالموت جوعاً.
شهادات العاملين في المجال الإغاثي مرعبة. يتحدثون عن أطفال ماتوا لأنهم لم يجدوا من يوصل إليهم فتات الطعام. عن أم أجبرت على "دفن" أطفالها بالتراب علّها تقيهم شدة البرد بعدما فقدت المأوى ولم تجد من يغيثها. عن عجائز ورجال ونساء وأطفال قطعوا مسافات طويلة مشياً على الأقدام للنجاة بأرواحهم فوصلوا وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة.

أما أرقام الأمم المتحدة، فإطلاق وصف صادم عليها، يبدو أقل ما يمكن للدلالة على حجم الكارثة الإنسانية في البلدين. 1.6 مليون لاجئ من جنوب السودان إلى دول الجوار، بمعدل يتراوح بين 5 و6 آلاف شخص في اليوم. وتقديرات تفيد بمعاناة 4.9 ملايين شخص في هذا البلد من انعدام الأمن الغذائي بين فبراير/شباط وإبريل/نيسان على أن يرتفع هذا الرقم إلى 5.55 ملايين شخص في يوليو/تموز بعدما أعلنت المجاعة في عدد من ولاياته.

أما في اليمن، فلا يبدو الوضع أفضل. انعدام الأمن الغذائي الحاد بات يهدد أكثر من 17 مليون شخص. أكثر من ثلثي سكان البلاد يواجهون خطر الجوع ويحتاجون بشكل عاجل إلى مساعدات لإنقاذ أرواحهم والحفاظ على سبل معيشتهم. 20 محافظة من أصل 22 في اليمن، باتت مصنفة في مرحلة "الطوارئ" أو "الأزمة" من مراحل انعدام الأمن الغذائي، ما يضعها على بعد خطوات ضئيلة من المجاعة.

لكن على الرغم من ذلك، فإن في كلا البلدين السلاح أوْلى من الخبز. صفقات شراء أسلحة لا تنتهي في جنوب السودان الذي يصرف نحو نصف مداخيله المقدرة بنحو 243 مليون دولار على شراء الأسلحة، ومسلحون يجدون يومياً من يمدهم بطلقات المدافع والصواريخ والرصاص في اليمن. وحكومات لا تجد ضرورة لصرف رواتب موظفيها بل من يمدها بالسلاح.

وبينهم مئات آلاف المدنيين يقتلون، ويعانون من دون أن يسأل أحد عنهم لا في الداخل ولا حتى في الخارج، سوى عبر بيانات تحذيرية تطلق وأصوات تطالب بوقف الحروب وتأمين التمويل لتلبية الاحتياجات الإغاثية من دون أن تجد الصدى الذي تفرضه خطورة هذه الأزمات. أما "الرأي العام العالمي" فغائب. هو في الأصل بالكاد سمع عن هذه الدول. وليس استطلاع الرأي الذي نشر في بريطانيا، وأشار إلى أن أكثر من نصف الشعب البريطاني يجهل أن في اليمن حربا دائرة منذ أكثر من عامين ومدنيين يقتلون من دون أي ذنب سوى مثال صارخ عن مدنيين يعانون ويموتون من دون أن يتلفت أحد إليهم.