سلوك ترامب يفاقم تآكل ما تبقى من صدقية عهده

سلوك ترامب يفاقم تآكل ما تبقى من صدقية عهده

18 مارس 2017
أعلن ترامب أنه لا يعتذر أبداً (جو رايدل/Getty)
+ الخط -
سجّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في غضون دقائق قليلة على هامش استقباله البارد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في البيت الأبيض، يوم الجمعة، موقفين اثنين من شأنهما زيادة الكلام عن "خطر" تسبُّب الرجل بأزمة صدقية واحترام لإدارته، خصوصاً في المحافل الخارجية. الموقف الأول جاء على شاكلة سلوك غير دبلوماسي وربما يكون نادراً في "عدائيته" عندما رفض ترامب، مراراً، مصافحة ميركل أمام كاميرات المصورين.

أما الموقف الثاني، فجاء في رده على سؤال لمراسل ألماني، أثناء المؤتمر الصحافي، وقال فيه ترامب إن ما ذكره محلل قانوني في شبكة "فوكس نيوز" عن قيام الاستخبارات البريطانية بالتنصت عليه خلال الحملة الانتخابية لصالح الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما وبرعايته، لا رأي له فيه، وعلى المهتم الاستفسار من صاحب الخبر، الذي نوه ترامب "بكفاءته المهنية". لكنه لمّح إلى أنه لم يتراجع عما قاله في "تغريدة" قبل أسبوع، إذ زعم بأن سلفه قد أمر بالتنصّت عليه.

ومنذ أسبوع وواشنطن في حالة ذهول جرّاء تهمته الخطيرة. فلو صحت يكون أوباما قد ارتكب جناية يعاقب عليها القانون. ولكونها بهذه الخطورة، تحركت كافة الجهات المعنية للاستقصاء عن مدى صحتها، وعما إذا كانت قنبلة صوتية أم حقيقة قد تطيح برؤوس كبيرة، ذلك أنه في الحالة الثانية ستطاول الرئيس السابق ومن تعاون معه لتنفيذ عملية بمنزلة فضيحة قانونية. من البداية والشكوك تحوم حول صحة كلامه. فلو كان زعمه يقف على أرضية صلبة، لكان على ترامب، من البداية، دعم تهمته بقرائن توفرها الجهات المعنية بناء على طلبه. بدلاً من ذلك، اعتمد على تقارير صحافية لمحطات وشبكات إعلامية تقف معه بالمطلق، وتتولى دور محامي الدفاع عن كافة طروحاته وسياساته، مثل "فوكس نيوز" وموقع "بريتبارت"، الذي كان يترأسه مستشاره الاستراتيجي، ستيف بانون. ومن هنا كان منشأ الارتياب. فعلى الرئيس قانونياً سلوك طريق تفويض تسلسلي، إذا أراد تنفيذ عملية لا يقوى على إصدار أمر مباشر بشأنها. ففي أي عملية تنصّت داخلي، على الرئيس إبلاغ وزارة العدل لتقوم بالتماس الموافقة من القاضي المختص، قبل التنفيذ. وهذا لا دليل على حصوله. ثم إن الجهات الأمنية والاستخباراتية، المفترض أن تكون على دراية بالموضوع، سارعت إلى استبعاد جدية الرواية. ونسب إلى مدير مكتب التحقيقات الفدرالية (أف بي أيه)، جيمس كومي قوله إن على الجهات العدلية عدم الأخذ بها.

أيضاً المدير السابق للاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، الذي يطّلع بحكم موقعه، على كافة عمليات التجسس التي تقوم بها الوكالات الـ 16 المعنية بهذا الأمر، نفى حصولها. وتقاطعت مع هذا النفي الخلاصات الأولية التي توصّلت إليها لجان الكونغرس المعنية بشؤون التجسس، في مجلسي الشيوخ والنواب والتي يرأسها جمهوريون، والتي ذكرت أنها لم تضع يدها حتى الآن على دليل بشأن هذا الأمر. الأمر الذي حمل النائب الجمهوري، توم كول، على مطالبة ترامب علناً "إما بتقديم الدليل وإما بالاعتذار من أوباما". ويعكس كلامه تزايد التململ من ترامب وممارساته، حتى في صفوف الحزب المحسوب عليه.

مع ذلك، بقي ترامب مصراً على اتهاماته، من دون تقديم أي دليل. وكل ما صدر عن المسؤولين لم يخرج عن حدود الوعود بتوفير المستندات الكفيلة بتثبيت التهمة. وكان على المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، أن يكافح، في كل لقاء صحافي لتبرير التغريدة، مع محاولة تأويل الرئيس ما لم يقله وبصورة تضع تهمته في إطار نقله لمعلومات صحافية، إلى أن جاءته النجدة من "فوكس نيوز"، التي أشار خبيرها القانوني، أندرو نابوليتانو، بطريقة مبطنة، إلى أن أوباما استعان بالاستخبارات البريطانية للتنصت على ترامب، الذي كان مرشحاً للرئاسة وقتها، فسارعت لندن إلى إصدار نفي حازم وبلهجة ناقمة، تبعه صدور نوع من الاعتذار عن البيت الأبيض، ولو مداورة. لكن المسألة ما زالت عالقة بين التشبث وبين غياب البرهان. والرئيس لم يقرّ بالأمر بل يؤكد عليه. وطبعاً لم يعتذر. فهو كما قال مرة لا يعتذر "أبداً"، ولا يتراجع عن موقفه حتى لو بقي وحده. أصر كثيراً على أن أوباما غير مولود في أميركا، لكنه اضطر، أثناء الحملة الانتخابية، للتراجع عن ادعائه، بعد أن أبرز أوباما شهادة ميلاد رسمية من ولاية هاواي. لكنه لم يعتذر للرئيس آنذاك. نفس السيناريو يتكرر الآن، فهو يحاول تغيير مجرى الحديث عن القضايا التي أثارت الكثير من الجدل، وانعكست سلباً على رصيده، الذي هبط إلى ما دون الـ 40 في المائة. الخشية لدى العديد من الأوساط، خصوصاً التي تهتم بالشؤون الخارجية، أن تتسبب مثل هذه الممارسة بالمزيد من التآكل في "صدقية" الولايات المتحدة، ليس فقط لدى الخصوم بل أيضاً لدى الحلفاء والأصدقاء الذين يراقبون المشهد الترامبي "بالكثير من الدهشة والريبة" على ما يتردد كثيراً هذه الأيام في واشنطن.