الانتخابات التشريعية الهولندية: مرآة لسبر قوة اليمين المتطرف الفرنسي!

الانتخابات التشريعية الهولندية: مرآة لسبر قوة اليمين المتطرف الفرنسي!

14 مارس 2017
اليمين الفرنسي ينتظر تتويجاً قوياً لفيلدرز (Getty)
+ الخط -
في ظل تراجع عام لليسار الأوروبي، وتنام مضطرد لليمين المتطرف والشعبوي، تصبح كل الانتخابات في أي بلد أوروبي تحت مجهر البلدان الأخرى، وقبل أسابيع كانت الأنظار متجهة إلى النمسا، حيث فاز المرشح الإيديولوجي، المدعوم من قبل أحزاب سياسية قوية، ضد مرشح اليمين المتطرف.

 ليس من دون قلق، ولكن هذا الاستحقاق الانتخابي كشف أن وصول مرشح اليمين المتطرف للرئاسة ليس سوى مسألة وقت فقط، خصوصا أنه نجح في عقد تحالفات مع معظم الأحزاب السياسية الكبرى لإدارة شؤون كثير من المناطق.

 ويتذكر مراقبون كيف أن حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي المتطرف، كان يراهن على فوز مرشح اليمين المتطرف النمساوي حتى يمنحه دفعة نفسية قوية في فرنسا، ويمنح لرؤية الحزب فيما يقول إنه دفاعٌ عن الشعب معنى ما.

وفيما يخص الانتخابات الهولندية، التي تنظم غدا الأربعاء، 15 مارس/آذار، في ظل الشعبية المتزايدة التي يحظى بها الزعيم المتطرف خيرت فيلدرز، فإنّ اليمين المتطرف الفرنسي لا يخفي جذله بما يحصل، وينتظر تتويجا قويا لفيلدرز، وخصوصا أن البرامج السياسية متقاربة، في كثير من القضايا، من بينها الهوية والأجانب واللاجئين والإسلام.



والنقطة التي كانت مثار خلاف بين "الجبهة الوطنية" من جهة ونظيراتها من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وكانت تحُول دون عقد تحالف بينها في البرلمان الأوروبي، في الطريق إلى الحل، وهي المتعلقة بإسرائيل وبمعاداة السامية، بعد حصول تقارب كبير بين الحزب الفرنسي وإسرائيل، والتبرؤ العلني لمارين لوبان من كل انزلاقات ومبالغات واستفزازات والدها جان-ماري لوبان.

وليس غريبا أن هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة تتبادل الخبرات فيما بينها، ويستفيد كل واحد منها باختراقات الآخر، إذ لا يتوقف فيلدرز عن الإشادة بالمكانة التي تحظى بها مارين لوبان، التي تمنحها كل استطلاعات الرأي الفرنسية، لحد الآن، مكانا مضمونا في الدورة الثانية، ومقاعد تتجاوز المقعَدَين البرلمانيين، اللذين تمتلكهما، لحد الآن.

ويبدو كما لو أن فرنسا وهولندا متقاربتان، فحين رفضت فرنسا، في 29 مايو/أيار 2005، بواسطة استفتاء معاهدة ماستريخت، وجدت هولندا إلى جانبها، بتاريخ 1 يونيو/حزيران 2005، كما أن ثمة تشابها في كثير من القضايا، خاصة ما يتعلق بالموقف الواجب اتباعه تجاه الأجانب، وتحوّل هذا الموضوع إلى حدث انتخابي رئيس، خلافا للعديد من الدول الأوروبية.

 ولا نعثُرُ إلا في فرنسا وهولندا على مرشحين رئاسيين يجاهرون بمواقف صادمة، تتجاوز مسألة حرية التعبير، فالزعيم الهولندي المتطرف لا يتورع عن سؤال الهولنديين إن كان بلدهم سيكون أفضل من دون المغاربة.

 وفي فرنسا ليس الأمر أفضل، حين نقرأ طروحات مارين لوبان وبرنامجها الانتخابي الجديد من الأجانب واللاجئين والإسلام، أو التلميح بوجود خمسة إلى ثمانية ملايين مسلم، في الوقت الذي يوجد أكثر من 3 ملايين ونصف مليون عاطل عن العمل.

ولمعرفةٍ أكثرَ بالشأن الهولندي، على عتبة هذا الاستحقاق الانتخابي المهم، توجَّهَ "العربي الجديد" ببعض الأسئلة إلى الإعلامي والمحلل السياسي الهولندي محمد أمزيان، عن طبيعة المخاوف التي يمثلها حزب فيلدرز، فأجاب: "ثمة مخاوف حقيقية من صعود اليمين المتطرف لسدة الحكم، لاسيما أن اليمين التقليدي بدأ فعلا في تنفيذ خطط اليمين الشعبوي، فيما يخص الهجرة واللاجئين، ومراقبة المساجد ومتابعة المقاتلين العائدين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط".

وأضاف أن ذلك" يسمح بمقارنة الأمر في فرنسا، حين نرى مرشح "الجمهوريون"، وقد ارتدى ثياب نيكولا ساركوزي، وهو يتلفظ ببرامج وتصريحات قاسية، فيما يخص مواضيع كالمهاجرين والأجانب والإسلام وغيرها، لا تختلف كثيرا عن مواقف مارين لوبان"، ولكن المحلل السياسي الهولندي يستدرك، ويقول: "لكن التخوّف من سيطرة اليمين الشعبوي في هولندا ليس بحجم فرنسا".



ويذهب بنا أمزيان، في مقارنة سريعة بين فرنسا وهولندا، وهو يحلل سبب انتشار صدى لهذه الأفكار المتطرفة، فيقول: "لقد أصبحت الإسلاموفوبيا ظاهرة عامَّةً في أوروبا، وتتخذ منحى متشددا في هولندا بسبب خيرت فيلدرز، زعيم الحزب من أجل الحرية، الذي يخاطب الناس مباشرة، ويعرف كيف يدغدغ مشاعرهم"، موضحاً القول "ولا ننسى أن التفجيرات الإرهابية في أوروبا، والمخاوف من عودة المقاتلين الشباب من سورية والعراق وليبيا تعزز هذه المخاوف، كما أن انتشار السلفية القتالية أصبحت تخيف المواطنين الهولنديين، حتى من ذوي الأصول الإسلامية".

وعن دخول الاستفتاء التركي على خط الانتخابات الفرنسية والهولندية، والصدى الإعلامي الذي يكتسيه، وهل سيؤثر على طريقة تصويت الهولنديين، يقول أمزيان: "لم يظهر تأثيرٌ للأزمة التركية الهولندية، بشكل مباشر، على الانتخابات، ذلك أن استطلاعات الرأي تبين تقدما طفيفا للحزب الحاكم، مقابل تراجع خفيف للحزب الشعبوي".

وإذا كانت الجاليات العربية الإسلامية، في العديد من الدول الأوروبية تحس بقلق من كل التمييز والوصم، فإن المحلل محمد أمزيان يعترف بوجود هذا القلق الفعلي، لكنه يضيف: "يوجد قلق في هولندا، ولكن ليس بالمستوى الذي يظهر في وسائل الإعلام العربية، فهنا توجد مؤسسات تحمي الجميع، وخاصة الأقليات، دون اعتبار الأصل والديانة واللون".


ويبدو أن التشابه بين فرنسا وهولندا، موجود، أيضا، فيما يخص المكانة غير المريحة لقوى اليسار في كلا البلدين، وهو ما يدفع بعض قوى اليسار إلى أن تتحالف مع أحزاب أخرى يمينية لتوليف حكومة مشتركة، لأن الأفكار اليسارية لم تعد تغري ناخبين كثيرين، حيث يبين المحللل السياسي أن " انهيار اليسار، ظاهرةٌ أوروبية عامة، وأعتقد أن اليسار لم يبلور خطابا مفهوما وسهل الولوج من قبل طبقة العمال، لا سيما أن الطبقة العاملة تطورت وتغيرت دون أن يواكب ذلك خطاب يساري متجدد، وفي السياسة من يتحمل المسؤولية في التسيير يتحمل تبعات الفشل".

لن يصل اليمين الشعبوي إلى السلطة في هولندا، هذه المرة، كما يرى التحالف الحاكم في هولندا، الرافض لأي شكل من التحالف معه، وإن كانت مخاوف ازدياد شعبيته واردة، أما في فرنسا، فيبدو أن المخاوف من وصول اليمين المتطرف للسلطة، جدية، وهذا ما يحذر منه الساسة من كل الاتجاهات، بمن فيهم رئيس الجمهورية الفرنسية نفسه. من يسبق إذن؟ ​

 

المساهمون