الموصل تكشف جرائم "داعش": ست مقابر جماعية والآتي أعظم

الموصل تكشف جرائم "داعش": ست مقابر جماعية والآتي أعظم

13 مارس 2017
القوات العراقية سيطرت على 65%من غرب الموصل(آريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -
ست مقابر جماعية حتى الآن هو مجموع ما عثرت عليه القوات العراقية المشتركة خلال عمليات التمشيط التي تجريها بالأحياء المحررة من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ساحل الموصل الغربي. مقابر في الحدائق العامة والمتنزهات وساحات كرة القدم وباحات المدارس، بواقع مقبرة جماعية واحدة لكل ثلاثة أحياء من التي تم تحريرها حتى الآن. ويقدر عدد من دفن فيها بأكثر من 800 ضحية قتلهم التنظيم بشكل جماعي وأهال عليهم التراب بواسطة الجرافات بعد إحداثها حفرة عميقة تكفي لأعداد أكبر.

يقول جنود في الجيش العراقي لـ"العربي الجديد"، إنهم يفضلون تمضية وقت استراحتهم في الخطوط الأمامية على أن يجلسوا بمحيط المقابر، إذ إن "الرائحة المنبعثة من جثث الضحايا مؤلمة للغاية"، وفق تعبير أحد الجنود. كما أن سقوط صاروخ في إحدى المقابر أدى إلى تناثر أجزاء من جثث الضحايا. وترفض وزارة الدفاع العراقية انتشال الجثث تحت ذريعة أنها تحتاج إلى خبراء من وزارة الصحة، بحسب قول العقيد في قوات الجيش، سعيد نافع. ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "الجثث يجب أن تؤخذ منها عينات لفحص الحمض النووي (DNA) وتسليم كل جثة لذويها وإعلان وفاة صاحبها رسمياً". ويبين أن جهاز فحص الـ"DNA" لا يتوفر الآن، وقد تكون عملية رفع الجثث من تلك المقابر آخر مرحلة بعد الانتهاء من رفع الألغام والعبوات، بحسب توضيحه.

ويقول عضو مجلس قضاء الموصل (الحكومة المحلية)، أحمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن "في هذه الحفر أرواح غالية على أهلها قتلت بدون حق"، على حد وصفه. ويضيف أن الأمر يتعلق بـ"إرث ثقيل تركه تنظيم داعش في المناطق التي كان يسيطر عليها، ليثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان يحكم هذه المناطق وفق سياسة البطش تحت عناوين إقامة الحدود وتحكيم شرع الله"، على حد تعبير الحمداني.

وعثرت القوات العراقية، أمس الأحد، على واحدة من هذه المقابر على بعد 15 كيلومتراً غربي الموصل، في منطقة بادوش، وتضم جثثاً لأكثر من 90 شخصاً بين مدنيين وعناصر في قوات الأمن والجيش قتلهم "داعش" عام 2014، لتكون المقبرة السادسة التي يعثر عليها خلال أسبوعين بعد مقابر حمام العليل وتل الرمان والخسفة والجوسق والبو يوسف. ويذكر قائد عمليات نينوى، اللواء نجم الجبوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مقبرة جماعية واحدة تضم حوالي 400 جثة وغالبيتهم من رجال الأمن والجيش والأقليات الدينية الذين اعتقلهم التنظيم خلال سيطرته على المدينة، وقد جرى إعدامهم بفترات زمنية مختلفة".

ويبدو المشهد مفجعاً للعراقيين الذين فقدوا أقارب لهم منذ عام 2014. ويقف المواطن أسامة الجحيشي، على أبواب مقر للقوات العراقية في جنوب غرب الموصل، منذ ساعات الصباح الأولى لعله يحصل على إذن للدخول ومرافقة القوات الأمنية إلى منطقة بادوش حيث عثر على إحدى المقابر، بهدف البحث عن رفات أخيه الذي اعتقله تنظيم "داعش" بسبب عمله كشرطي في مدينة الموصل. لكنه لم يحصل على الموافقة بعدما تم رفض دخوله إلى مناطق غرب الموصل، إذ أخبره ضابط في الجيش العراقي أن "المنطقة لا تزال خطيرة". ويقول الجحيشي لـ"العربي الجديد"، إن شقيقه "اعتقله تنظيم داعش بعدما فرض سيطرته على الموصل بأيام بسبب عمله كشرطي على الرغم من إعلانه عن تركه للعمل والتخلي عن الوظيفة وبقائه في الموصل". ويتابع أنه منذ ذلك الحين لم يسمع أي خبر عن أخيه المعتقل، إلا أن أحد أفراد "داعش" أخبر العائلة بعد عام تقريباً، بأنه تم إعدامه في سجن بادوش.


وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أن مسلحي "داعش" قاموا على نحو منهجي بعمليات إعدام مختلفة في الموصل، من بينها إعدام نحو 600 من السجناء الذكور في سجن بادوش في 10 يونيو/ حزيران من ذلك العام.

ويؤكد عضو مجلس محافظة نينوى، حسام الدين العبار، لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات المحلية في مدينة الموصل لديها أدلة على وجود المزيد من المقابر الجماعية سواء بالمناطق المحررة أو التي لم تحرر بعد". ويقول إن "الإحصائيات التي تملكها السلطات المحلية تفيد بأن تنظيم داعش أعدم أكثر من 2500 شخص من سكان الموصل بتهمة العمل مع الأجهزة الأمنية أو الخيانة والاتصال بالقوات الأمنية"، وفق تأكيده. ويتابع أن "المقابر الجماعية المكتشفة تحتاج إلى وقت من أجل فتحها وإخراج وفرز جثث الضحايا للتعرف على هوياتهم"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر يتطلب من العراق الحصول على مساعدات دولية من جهات دولية متخصصة".

تقدم ميداني
وعلى مستوى المعارك الجارية، واصلت القوات العراقية توغلها في مناطق غرب الموصل (الساحل الأيمن)، بدعم من طيران "التحالف الدولي". كما تضاعفت أعداد النازحين من سكان الموصل الفارين من مناطق غرب الموصل التي تشهد معارك عنيفة مع تنظيم "داعش".

وأعلنت قوات "جهاز مكافحة الإرهاب" العراقي أنها تمكنت من اقتحام أحياء الأغوات والموصل الجديدة بعدما فرضت سيطرتها على أحياء العامل الأولى والثانية. وفي بيان بثه تلفزيون "العراقية"، ذكر قائد الحملة العسكرية لتحرير الموصل، الفريق الركن عبدالأمير رشيد يارالله، أن "قوات مكافحة الإرهاب تمكنت من تحرير حي الأغوات" في الموصل القديمة، بحسب ما أوردت وكالة "الأناضول".

وواصلت قوات "الشرطة الاتحادية" وقوات "الرد السريع" توغلها في أحياء الموصل القديمة، وتمكنت خلال المعارك التي خاضتها على مدى يومين من اقتحام مناطق باب الطوب وشارع حلب المجاورة. وقال الرائد علي حربي، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الشرطة الاتحادية دخلت إلى منطقة باب الطوب الواقع في مركز الجانب الغربي لمدينة الموصل، بعدما سيطرت على شارع حلب المجاور". واقتربت الشرطة من الجسر القديم، وهو واحد من خمسة جسور ثابتة تربط جانبي الموصل بعضهما ببعض، لكنها خرجت من الخدمة بفعل القصف الجوي لـ"التحالف الدولي". وأعلن مصدر عسكري في قيادة عمليات نينوى لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الجيش العراقي واصلت تقدمها في منطقة بادوش، شمال الموصل، وتمكنت من تحرير قرية حميدات، بالإضافة إلى السيطرة على منشأة جابر بن حيان ومشروع ماء يغذي الجانب الأيسر من مدينة الموصل"، وفق تأكيده.

وأكدت قيادة العمليات المشتركة التابعة لوزارة الدفاع العراقية، أمس الأحد، أن القوات المهاجمة سيطرت حتى الآن على 65 بالمائة من الجانب الغربي للموصل، بحسب ما أوردت وكالة "الأناضول" نقلاً عن المتحدث الرسمي باسم هذه القيادة، العميد يحيى رسول. كذلك، قال مصدر أمني عراقي إن تسعة مسلحين من تنظيم "داعش" قتلوا، فيما قتل ثلاثة عناصر من القوات العراقية إثر مواجهات عنيفة اندلعت في المحور الجنوبي من الجانب الغربي للموصل، فضلاً عن مقتل 11 مدنياً بقصف جوي على هذه المنطقة، بحسب ما أوردت "الأناضول".

تزايد عدد النازحين
على الصعيد الإنساني، أعلنت وزارة الهجرة العراقية، في بيان لها، عن تزايد أعداد نازحي غرب الموصل إلى نحو 89 ألف شخص، خلال ثلاثة أسابيع، مرجحة "ارتفاع أعدادهم مع استمرار المعارك في مناطق غرب الموصل". وواصلت آلاف الأسر من سكان هذه المناطق نزوحها نحو مواقع سيطرة القوات العراقية في جنوب غرب الموصل. وأعلن مصدر في "الشرطة الاتحادية" لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الشرطة استقبلت خلال اليومين الماضيين أكثر من ثمانية آلاف نازح من مناطق العمال الأولى والثانية والدواسة والمنصور". وقال إن معظم النازحين يتم نقلهم بعربات عسكرية خصصتها القوات الأمنية لنقلهم إلى مخيمات حمام العليل والقيارة. وتفيد التقارير المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان بأن النازحين من مدينة الموصل يعيشون أوضاعاً إنسانية قاسية نتيجة انعدام الخدمات الأساسية المقدمة لهم، فضلاً عن عدم قدرة المخيمات التي أقيمت في جنوب الموصل على استيعاب أعدادهم المتزايدة.