تسريبات "نداء تونس" حول الشاهد: مقدمات لسحب الغطاء السياسي؟

تسريبات "نداء تونس" حول الشاهد: مقدمات لسحب الغطاء السياسي؟

11 مارس 2017
هل تتجه الأمور لسحب الثقة من الشاهد؟(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تكشف التسريبات الصوتية لمسؤولي حزب "نداء تونس" عن هشاشة العلاقة التي تربط الحزب برئيس الحكومة يوسف الشاهد، مع أنه أحد قياديّي الحزب وهو الذي رشحه لتولي مسؤولية الحكومة.
وعلى الرغم من أن المواقف التي كشفها التسجيل لا تشكل موقفاً عاماً في الحزب، إلا أنها تحمل كثيراً من الخطورة لأنها جاءت على لسان نواب في البرلمان بالإضافة إلى المسؤول الأول فيه، حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، علاوة على ما تضمنته التسجيلات من معطيات لا تتعلق بالشاهد وحسب، إنما أيضاً ببقية أحزاب الائتلاف الحاكم، لا سيما حركة "النهضة".

هذه التسريبات، التي نشرها موقع "الشارع المغاربي"، كشفت عن غضب حافظ قائد السبسي من التعديل الوزاري الأخير، بسبب عدم استشارته من قبل الشاهد. ويؤكد السبسي الابن، بحسب ما ورد في التسريبات، أنه اتصل بمدير الديوان الرئاسي، سليم العزابي، وطلب منه تأجيل التعديل الوزاري أو تجميده، غير أنّ الأخير أعلمه بأنّ الأمر ليس ممكناً، معتبراً أن عدم استشارته كانت مقصودة وهدفها تجاهل الحزب. وكان الشاهد قرر في 25 فبراير/شباط الماضي إجراء تعديل وزاري جزئي، تم بمقتضاه تعيين أحمد عظوم وزيراً للشؤون الدينية، وخليل الغرياني وزيراً للوظيفة العمومية والحوكمة، وعبداللطيف حمام كاتب دولة مكلفاً بالتجارة. ويعتبر الغرياني من أبرز الوجوه المعروفة في "منظمة رجال الأعمال" في تونس، وهو الأمر الذي أثار انتقادات نقابية ضد تعيينه في الحكومة.

وتضمنت التسريبات تساؤلاً لافتاً للسبسي الابن، إذ قال "هل عينّا الشاهد في الحكومة ليدير لنا ظهره"؟ كما كشفت التسريبات عن أن مواقف بقية الأشخاص في الاجتماع الحزبي تعبر عن نفس وجهة النظر حيال الشاهد، بالإضافة إلى نوع من الندم بسبب إقالة رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، و"إهانته" كما جاء على لسان نائب في البرلمان. وتحدث مسؤولو الحزب عن قيام الشاهد بتعيين مستشارين له في الحكومة من دون استشارة أحد (في الحزب)، معتبرين أن من تم تعيينهم غير جديرين بالموقع، وفق ما ورد في التسريبات التي تشير إلى وجود استياء حزبي من الشاهد الذي تمت مطالبته بالتعجيل باستبعاد الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب، إياد الدهماني، من منصبه كمتحدث رسمي باسم الحكومة، غير أنه تجاهل ذلك.


 وعلى الرغم من هذا التداخل بين الحزب والدولة، وهو ليس بالأمر الجديد في تونس، إلا أن الخطورة تكمن في أن الشاهد قد يفقد آخر غطاء سياسي له، وهو الذي تحاصره الانتقادات من كل مكان وحتى من داعميه المفترضين. والتحدي لن يكون سهلاً لأن ملامح سحب الغطاء عن الشاهد تتزامن مع مواجهات يخوضها بوجه "الاتحاد العام التونسي للشغل"، ومع القضاة، وأحزاب المعارضة في تونس.

وعلى الرغم من أن معظم المتابعين يعرفون أن أبعاد المواقف التي كشفت عنها التسجيلات، تبقى محدودة نسبياً، لأن حقيقة القرار في حزب "النداء" لا تزال بيد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي لا يتفق دائماً مع مواقف نجله، لكن ما حدث يعيد للأذهان مشهد بداية الخلاف مع رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، عندما انهالت عليه انتقادات الحزب لدفعه إلى الاستقالة وصولاً إلى جلسة البرلمان لسحب الثقة منه. ولذلك يطرح السؤال عما إذا كان الشاهد سيلقى نفس مصير سلفه، لا سيما إذا كان مضمون التسريبات يعكس بداية تجريده من الغطاء السياسي.

وعلى غرار السؤال الذي طرح خلال أزمة الصيد، عما إذا كان "يدفع ثمن استقلاليته"، يبقى التساؤل مشروعاً بشأن الشاهد اليوم. وكما كان الصيد يحاول أن يتنصل من الأحزاب، ومن بينها حزب "النداء"، في إطار مشروع سياسي خاص، فإن الشاهد يسير على نفس الخطى، إذ رفض في السابق أن يتولى إدارة "النداء"، خوفاً من تصدير أزمات الحزب إلى الحكومة. ولكنه قد يعيد التفكير في الأمر بعد كل الذي بيّنته التسجيلات. بيد أن الأمر سيكون أكثر صعوبة بسبب ما كشفته هذه التسريبات حول القطيعة بينه وبين أهم قيادات الحزب وعلى رأسها حافظ قائد السبسي، ما يعني أنه قد يعاني من نفس "اليتم السياسي والحزبي" الذي دفع الصيد ثمنه غالياً في أزمته الأخيرة ووجد نفسه أمام البرلمان "عارياً" سياسياً.

وبعيداً عن هذه العلاقة المتأزمة بين الشاهد وحزبه ونجل السبسي، فقد كشفت التسريبات أيضاً عن قلق واضح داخل حزب "النداء" حول قضايا عدة، ومن بينها العلاقات مع بقية الأحزاب، مثل حزب "آفاق تونس"، الشريك في الائتلاف الحكومي. ووجّه الحاضرون في الاجتماع الذي تم تسريب مضمون المحادثات فيه، سهام نقدهم لوزيرة الصحة، المنتمية لهذا الحزب، سميرة مرعي، ولوزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، سمير الطيب، الذي ينتمي لحزب "المسار" اليساري، والذي اتهم بالفشل. لكن الانتقادات شملت أيضاً حركة "النهضة"، والأمين العام للحركة، راشد الغنوشي، ووزير التجارة زياد العذاري، المنتمي لـ"النهضة". وجاء أكبر انتقاد من حافظ السبسي الذي تساءل عن طبيعة العلاقة بين الحزبين واصفاً إياها بـ"النفاق"، مؤكداً أن كلا الحزبين له مشروع مغاير للثاني، وأن كل حزب يترصد أخطاء الآخر.

وتثير هذه التصريحات نوعاً من الاستغراب، لا سيما أن "النهضة" اتُهمت مرات عديدة بأنها تدعم حافظ السبسي على حساب منافسيه في الحزب، في بداية أزمته. ولكنها تكشف في الواقع عن حقيقة هذه العلاقة في جوهرها، وهشاشتها وظرفيتها القائمة على المصالح المتقاطعة في مرحلة زمنية محدودة ستنتهي بالضرورة مع أول تصادم حقيقي.

وأثار نجل السبسي في نفس الاجتماع سؤالاً حول طبيعة النظام السياسي، واستحالة المواصلة على أساسه، داعياً إلى القيام بمبادرة تشريعية لتغييره. والمقصود هنا توسيع الصلاحيات الرئاسية، على الرغم من أن الموضوع ليس جديداً ويمثل أيضاً مطلبا لقيادات من أحزاب أخرى.

ولم يرد الشاهد ولا وزراؤه، الذين استهدفهم القصف "الندائيّ"، لا سيما المتحدث باسم الحكومة، الوزير الدهماني، والوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، المهدي بن غربية. لكن حافظ قائد السبسي عقَّب على تسريب الاجتماع، معتبراً أنّ "الخطير في موضوع التسريب ليس المضمون أو المواقف التي تداولت في الاجتماع بل الخطير هو التجسّس على حرمة اجتماع مغلق ونشر التسجيل لاستهداف الحزب ولتشويه بعض القيادات بالذات لزرع الفتنة والبلبلة عند الرأي العام"، بحسب تعبيره. وتساءل عن المستفيد والمقصود من ذلك.

ويبدو أن هذه التسريبات ستليها تسريبات أخرى ما يعكس وضع حزب "نداء تونس" من الداخل، الذي وصلت فيه الأمور إلى حد أن يعمد أحد قيادييه الحاضرين في الاجتماع إلى تسجيل اجتماع داخلي للحزب وتسريبه لوسائل الإعلام، ما قد يشكّل ضربة قاصمة، قد تكون آخر مسمار في نعش هذا الحزب الذي لا يزال الأول في كل استطلاعات الرأي على الرغم من المشاكل التي تعصف به