ميّة الجريبي

ميّة الجريبي

05 فبراير 2017
مية الجريبي جنوبي تونس العاصمة في 2014 (نيكولا فوكو/Getty)
+ الخط -
تعرف الساحة التونسية، السياسية والمدنية والثقافية عدداً من النساء البارزات بمواقفهن ومسيرتهن التي ألهمت التونسيين منذ بسطت علّيسة جلد ثورها على قرطاج قادمة من صور، كما تردد الأسطورة. ولكن ميّة الجريبي تبقى استثناء حقيقياً في هذا الطور الحديث من حياة تونس، فهي أول امرأة تونسية، وربما عربية، تقود حزباً كبيراً في تونس كان مدرسة تخرجت منه أجيال من السياسيين التونسين. ولم ترأس ميّة حزبها "الجمهوري" بعد الثورة، عندما أصبح العمل السياسي متاحا لكل التونسيين وفاق عدد أحزابها المائتين، ولكنها قادته في زمن الجمر، عندما كان النضال الحقيقي مقتصراً على بضع عشرات اختاروا مواجهة القمع بصدور عارية، ودفعوا في ذلك ثمناً باهظاً جداً، بينما كنّا في الغالب نخاف ونجبن. ميّة الجريبي، اعتصمت وناضلت وأضربت عن الطعام، وصدحت بكلمة الحق، وهي النحيفة الصغيرة التي منحت شبابها لثورة آمنت بها إلى أن تحققت، ثم دخلت المجلس التأسيسي لتسهم في كتابة دستور تونس الجديدة، ولكن كل هذا أنهكها وأضعف قواها الى أن نال منها المرض. ورغم ذلك، لم تترجل ولم تتراجع وبقيت صامدة صاعدة بمواقفها السياسية كلما كان الأمر ضرورياً.

وعندما دخلت ميّة الى قاعة مؤتمر حزبها، الجمهوري، احتضنها الحاضرون من أبناء وبنات حزبها، ومنافسوه، بإكبار استثنائي لمسيرة امرأة استثنائية، وهي التي استطاعت باستقامتها السياسية ومواقفها الثابتة في الدفاع عن الديمقراطية أن تجلب احترام كل مكونات الساحة السياسية التونسية على اختلافها الشديد. وعندما سألتها مراسلة "العربي الجديد" لماذا خيرت الانسحاب من ادارة الحزب، أجابت ميّة: "إن التداول هو عماد من أعمدة الديمقراطية، وقد دافعنا من أجله في عهد بن علي ودفعنا من أجله الكثير... ولا يمكن أن تستوي الديمقرطية من دون تداول على المناصب، خاصة القيادية منها".

ميّة الجريبي التي احترمها منافسوها قبل أصدقائها، تبتعد اليوم عن ساحة ملتهبة لا تعترف كثيراً بهذه "النقاوة السياسية"، وهذا العمل الأخلاقي الذي يعتبر السياسة قيما ومبادئ لا تخضع بالضرورة لمنطق الغاية التي تبرر كل التنازلات والحسابات، وإن كانت على حساب ما ناضل كثيرون من أجله.

المساهمون