إدارة ترامب ودول القرن الأفريقي: لا تغيير دراماتيكياً متوقعاً

إدارة ترامب ودول القرن الأفريقي: لا تغيير دراماتيكياً متوقعاً

24 فبراير 2017
المارينز أثناء تدريبات عسكرية بخليج تاجورة بجيبوتي(سيمون مينا/فرانس برس)
+ الخط -
ستشكل دول القرن الأفريقي (إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال، والبعض يصنّف السودان وجنوبه في خانتها)، أحد الملفات التي يتوقع أن تكون محور اهتمام الفريق المحيط بالرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب. غير أن هذه المنطقة قد تكون من بين الملفات الأقل عرضة للتغيير في عهد ترامب لناحية السياسة المتبعة تجاهها مقارنةً مع ما سلكته إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما. وتشكل المنطقة، تاريخياً وعسكرياً وجيوسياسياً، أهمية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة منذ عُقود طويلة، باعتبار أن جميع دولها ـ باستثناء إثيوبيا ـ تطل على البحر الأحمر، وأهم ممرات التجارة العالمية عبر مضيق "باب المندب"، المدخل الجنوبي للبحر، وصولاً إلى قناة السويس مدخلها للبحر الأبيض المتوسط.

كما أن هذه الدول تعتبر عُمقاً استراتيجياً وجغرافياً يحمي ظهر دول مجلس التعاون الخليجي، المصدر الأهم والأكبر للنفط. كما أنها، أي دول القرن الأفريقي، تتوسط منطقة ترزح تحت وطأة التوتر والنزاعات والصراعات التي تهدد الإقليم برمته، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إنشاء قاعدة عسكرية في دولة جيبوتي، المطلة على مضيق باب المندب مباشرة، والمقابلة للشواطئ اليمنية.

ومن الطبيعي أن يكون لأميركا وجود قوي في هذه المنطقة، إنْ عن طريق أساطيلها الموجودة على طول البحر الأحمر من باب المندب، إلى مخرج خليج السويس، أو بقواتها الموجودة في قاعدتها العسكرية بجيبوتي. كما أن علاقة الولايات المتحدة ببقية دول القرن الأفريقي لا تقل أهمية عن تلك التي تربطها بجيبوتي. وإثيوبيا تعتبر من أهم حليفاتها باعتبارها أكثر الدول استقراراً في الإقليم المضطرب، فضلاً عن كونها قوة اقتصادية صاعدة. أما السودان، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وضعته منذ عهد الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، على قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وطبقت عليها حصاراً اقتصادياً طويلاً لأكثر من 20 عاماً، إلا أن إدارة الرئيس أوباما اتخذت قراراً، في خطوة مفاجئة قبل أيام من تسليم الحكم لترامب، رفعت بموجبه الحظر الاقتصادي عن السودان لمدة ستة أشهر. واعتبرت إدارة أوباما ذلك كفترة "اختبار" لجدية نظام الخرطوم في تحسين سلوكه في مجالات حقوق الإنسان، وعلاقاته مع جارته دولة جنوب السودان التي تمزقها حرب أهلية منذ استقلالها، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق الصراع بين حكومة عمر البشير و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي تخوض معها نزاعاً مسلحاً في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة لإقليم دارفور المضطرب. ومن المؤكد أن إدارة الرئيس ترامب ستقيّم منفردة التزام الخرطوم بالشروط التي وضعتها إدارة أوباما، لرفع الحظر نهائياً، ولشطب اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وهو ما يمكن أن يؤدي تالياً إلى تطوير مستوى العلاقات بين البلدين وتجاوز مرحلة القطيعة الطويلة.


وبالنسبة لدولة الصومال، من المؤكد أن العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة سوف تشهد تحسناً في حال نجح الرئيس الصومالي الجديد، محمد عبد الله فرماجو، في وضع حد للحرب الأهلية التي تعاني منها الدولة منذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري. وتحسّن العلاقات مرهون أيضاً بنجاح الحكومة الصومالية في بناء مؤسسات راسخة تدير أمور الدولة، وفي إعادة ترميم البنية التحتية التي تدهورت وتحطمت خلال سني الحرب الطويلة. ولعل المفارقة الأكبر والمثيرة للانتباه تتمثل في أن الرئيس الجديد فرماجو، يحمل الجنسية الأميركية، وظل يعمل أستاذاً في جامعاتها لسنوات طويلة، قبل أن يدخل إلى عالم السياسة في عهد الرئيس الأسبق، شيخ شريف أحمد، الذي عمل معه فرماجو رئيساً للوزراء بين أعوام 2009 و2011، شهدت خلالها الصومال استقراراً وهدوءاً نسبياً. وتمكن فرماجو بقيادته للدولة كرئيس تنفيذي، من أن يرسخ الأمن في أجزاء واسعة من الدولة، ومن ترميم الطرق والمستشفيات، وإعادة هيكلة كثير من الدواوين والمؤسسات الحكومية. كما نجح في إعادة تنظيم قوات الشرطة والجيش ومدها بالمعدات العسكرية لحفظ الأمن والاستقرار، إضافة لنجاحه في صرف رواتب العاملين في الدولة في تاريخها المحدد آخر كل شهر، وهو ما كان يؤدي لشل الحياة في دواوين الدولة قبل ترؤسه للوزارة.

هذه المعطيات جعلت إدارة الرئيس ترامب من أوائل المرحبين باختيار الرئيس فرماجو في الانتخابات الرئاسية التي أجريت قبل أقل من أسبوعين، وهو ما يُرجح فرضية "دعم" ترامب وحكومته للرئيس الصومالي الجديد. غير أن عقبة ستواجه قرار ترامب بمنع مواطني دولة الصومال من دخول أراضي الولايات المتحدة. والحظر يشمل الرئيس فرماجو، مع أنه رئيس دولة ويحمل الجنسية الأميركية. وسيتسبب قرار ترامب بحرج ومأزق لإدارته، إلا إذا حصل تطور جديد وغيّر حسابات صناع القرار في البيت الأبيض، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع ترامب عن قراره الملتبس والمربك.

أما بالنسبة لدولة إريتريا، فقد كان الرئيس، أسياس أفورقي، من أوائل الذين رحبوا بفوز ترامب، وبدأ في "مغازلة" إدارته منذ اليوم الأول لانطلاق عملها. غير أن عقبة ستقف أيضاً في طريق أفورقي، وتعكر صفو طموحاته لإقامة علاقات طبيعية وودية مع أميركا، تتمثل في أن هذا البلد يعتبر إثيوبيا حليفته الأقوى والأوثق في منطقة القرن الأفريقي، لاعتبارات ومؤهلات لا تملكها إريتريا، ولا يستطيع أفورقي توفيرها للولايات المتحدة، نظراً لإمكانيات دولته الضعيفة التي يحكمها منذ ما يزيد عن العقدين.

وبالنسبة لجيبوتي، يبدو أمر العلاقات معها محسوماً سلفاً، نظراً لوجود القاعدة الأميركية فيها، وما يلي ذلك من ضمان حفظ أمن البحر الأحمر، وشل تحركات قراصنة البحر الصوماليين الذين يهددون التجارة الدولية باعتدائهم على السُفن التجارية العابرة للبحر الأحمر، وخليج عدن وبحر العرب. وتبقى جيبوتي، الصغيرة في الحجم والكبيرة في الأهمية، تشكل محور اهتمام الولايات المتحدة التي تراقب من شواطئها وموانئها الحركة التجارية في الممر الحيوي، كما تراقب منها "بعين الصقر الأميركي" أمن دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما أمن المملكة السعودية، الحليف الأهم والأكبر للإدارات الأميركية على مر السنوات.

المساهمون