طيف احتجاجات 2011 يلوح في الأفق الأردني

طيف احتجاجات 2011 يلوح في الأفق الأردني

21 فبراير 2017
تطوّرت الاحتجاجات الأخيرة في الأردن (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -

أضرم موظف في بلدية المفرق (شمال شرقي الأردن)، النار في جسده، أمس الاثنين، تعبيراً عن احتجاجه على رفض طلب قدمه أكثر من مرة لنقله من وظيفته إلى أخرى، أملاً في حصوله على زيادة محدودة في دخله، وإتاحة الفرصة أمامه لعمل إضافي يساعده في تحسين ظروف عيشه. وسكب الرجل الثلاثيني، الذي باتت حالته "حرجة"، وفقاً لمصادر صحية، مادة سريعة الاشتعال على جسده، وأضرم النار بنفسه دخل مقر عمله، في رسالة احتجاجية قوية، تسببت مثيلتها في تونس في عام 2010 بإشعال انتفاضات العالم العربي.

وجاءت الحادثة في وقت بدأ تململ الشارع الأردني منذ أيام، على وقع عودة الاحتجاجات الشعبية بفعل إجراءات اقتصادية خانقة أقرّتها الحكومة وتكفلت بارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات، بشكل أثر على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، على الرغم من كل التطمينات الرسمية بأن "تلك الإجراءات لن تمسّ الفقراء ومحدودي الدخل". وذكرت مصادر محلية أن "الموظف هو رب أسرة يعيش فقراً مدقعاً، وقد تقدم بأكثر من طلب لنقله من وظيفة مراسل إلى وظيفة حارس، طمعاً في زيادة محدودة على دخله، والاستفادة من طبيعة دوام وظيفة الحارس للعمل في وظيفة ثانية، تساعده على تأمين ما يكفي لإعالة أسرته". وأضافت أنه "في كل مرة كان يرفض طلبه، ليقدم على ما أقدم عليه".

من جهته، أشار الناشط العمالي محمد السنيد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الموظف أقدم على الاحتجاج بإحراق نفسه، وهو دليل على فشل النهج الاقتصادي في البلاد. إن السياسات الاقتصادية هي التي أوصلته إلى إحراق نفسه". وأضاف أن "الأوضاع باتت مهيأة لعودة الاحتجاجات أكثر مما كانت عليه في عام 2011، لأن التضييق ازداد والمعاناة تتفاقم". وشدّد السنيد على أن "الأردنيين حريصون على وطنهم، والأمن والأمان يتحقق برحيل الفاسدين الذين تسببوا بالأزمات الاقتصادية للبلاد، ونرفض الاستمرار بوضع الناس أمام خيارين: إما استمرار الفساد أو الفوضى، نقول لهم سنناضل ضد الفاسدين ونمنعهم من تخريب بلدنا والاستخفاف بعيشنا". وسبق أن شارك السنيد، المعروف بأنه أحد رموز الحركة الاحتجاجية الشعبية في البلاد، مساء الأحد الماضي، باعتصام في بلدة ذيبان، التابعة لمحافظة مأدبا (جنوب عمّان)، في مسيرة للمطالبة بإسقاط حكومة رئيس الوزراء هاني الملقي، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.

وبلدة ذيبان هي معقل الحركة الاحتجاجية التي شهدها الأردن مطلع عام 2011 والتي أدت بعد أسابيع من اندلاعها رفضاً للسياسات الاقتصادية إلى إقالة حكومة رئيس الوزراء سمير الرفاعي، قبل أن تأخذ الاحتجاجات التي عمت البلاد لسنتين تأثراً بالانتفاضات العربية منحى سياسياً.



إضافة لذيبان، خرجت الأحد الماضي، مسيرات احتجاجية في مدينتي السلط (غرب عمّان)، والطفيلة (جنوب المملكة)، تحت شعار "إسقاط الحكومة ورفض السياسات الاقتصادية"، فيما أعلنت العديد من المدن الأردنية عزمها تنظيم مسيرات تحت الشعار نفسه، يوم الجمعة المقبل، وكذلك أعلنت جماعة الإخوان المسلمين، وائتلاف الأحزاب القومية واليسارية (ستة أحزاب)، عن تنظيم مسيرات وسط العاصمة، لحمل الحكومة على التراجع عن قراراتها الاقتصادية.

لكن شرارة الاحتجاجات انطلقت هذه المرة من مدينة الكرك الجنوبية، عندما قاد النائب في البرلمان، صداح الحباشنة، اعتصاماً حاشداً للمطالبة بإسقاط رئيس الوزراء، حمّل خلاله "الحكومات المتعاقبة المسؤولية عن الفساد"، قائلاً "نحن ندفع ثمن فسادهم". وأكد الحباشنة، الذي أثار سلوكه انزعاج مرجعيات في مراكز صنع القرار، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الاعتصام "هو تعبير عن غضب المواطنين الذين لم يعودوا يحتملون المزيد من رفع الأسعار".

إجراءات الحكومة الاقتصادية، التي جاءت استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي، وتمثلت برفع ضريبة المبيعات على السلع والخدمات، وفرض ضريبة إضافية على المحروقات ورفع رسوم المعاملات الرسمية، تطمح من خلالها إلى تحصيل 450 مليون دينار (634 مليون دولار)، هي مقدار الزيادة في إيرادات الخزينة في الموازنة العامة للدولة للعام 2017، والتي وأقرها مجلس الأمة في يناير/ كانون الثاني الماضي. لكن خبراء اقتصاديين وأعضاء في مجلس النواب، أبدوا اعتقادهم بأن "مجموع ما ستحصّله الحكومة من خلال إجراءاتها الاقتصادية، يفوق بكثير ما تتضمنه الموازنة، وأنها تمادت كثيراً".

ومع عودة شعار "إسقاط الحكومة" إلى الواجهة، فإنه إضافة للقبضة الأمنية والإحالات إلى محكمة أمن الدولة العسكرية، فقد ساهم انقسام القوى الأردنية تجاه القضية السورية في التعجيل في إنهاء الحراك الاحتجاجي الأردني. كما نجحت الحكومة بإثارة مخاوف الناس من الاحتجاج عندما ربطت مستقبل البلاد في ظل استمرار الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، بالفوضى على غرار ما شهدته سورية.

بدوره، أكد الناشط في حراك الطفيلة قيصر المحيسن، أن "حجم الرفض في الشارع إلى ازدياد، ومن لم يكن يتكلم سابقاً في عام 2011 بات ينزل اليوم إلى الشارع، ويتحدث بصوت عالٍ". وأفرج عن المحيسن في 7 فبراير/ شباط الحالي، بعد اعتقال دام أكثر من ثلاثة أسابيع على خلفية انتقاده قرارات رفع الأسعار ودعوته للعودة للاحتجاجات الشعبية. ولفت إلى أن "إصلاح الاقتصاد لا يكون بالتضييق على الفقراء بل بمحاربة الفساد واسترداد المال العام المنهوب"، مشيراً إلى أن "الربط بين الاحتجاج السلمي وخراب البلد لم يعد ممكناً. نحن ضد أي خراب، لم تعتدِ المسيرات المطالبة بالعدالة الاجتماعية على مؤسسات الدولة، ولم تعتدِ على رجال الأمن. نحن مع الصالح العام للمواطنين".

وشهد الأردن في الآونة الأخيرة أشكالاً احتجاجية قوية، حيث سبق إضرام موظف البلدية النار بنفسه، بأيام، قيام سائق بإضرام النار بحافلة عمومية متوسطة يعمل عليها، اعتراضاً على مخالفة حررها بحقه رجال السير. ورغم إعلان الأمن أن السائق من أصحاب السوابق وأن مخالفته قانونية، إلا أنه وجد تضامناً كبيراً، خصوصاً أن نقاشاً كبيراً يثار حول عدم عدالة مخالفات السير التي توصف بـ"الجباية". وتكرّرت منذ مطلع العام حالات الانتحار، التي يتم إرجاعها للأوضاع المعيشية للمنتحر، من دون تأكيد من مصادر مستقلة، فيما سجل العام الماضي رقماً قياسياً بـ177 حالة انتحار. وجاءت الاحتجاجات قبل شهر ونيّف من انعقاد القمة العربية في البلاد.


المساهمون