المعارضة السورية تستعد للمرحلة الأصعب: محاولات فرض الوصاية ممنوعة

المعارضة السورية تستعد للمرحلة الأصعب: محاولات فرض الوصاية ممنوعة

03 فبراير 2017
الهيئة العليا مستاءة من تصريحات دي ميستورا(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -



تتكثّف التحركات قبيل مفاوضات جنيف السورية المقررة في 20 الحالي، إذ تشهد أستانة في السادس من الشهر الحالي اجتماعاً لبحث وقف إطلاق النار، في وقت شرعت فيه المعارضة السورية في استعدادات للمرحلة الأصعب في مسار القضية السورية، مع توجّه الهيئة العليا للمفاوضات لعقد اجتماع في 10 الحالي في الرياض لمناقشة كل القضايا المتعلقة بالمفاوضات، في ما تشهد الرياض حالياً ورشة عمل لإعداد كل الأوراق قبل المفاوضات.
تأتي هذه التطورات في ظل مساعٍ روسية حثيثة لزرع شخصيات و"منصات" في وفد المعارضة تتماهى مع النظام وحلفائه، لـ"تمييع" القضية السورية، وتغليب مبدأ تقاسم السلطة مع النظام على حساب انتقال سياسي حقيقي وجوهري تدعو إليه قرارات دولية، ويشكّل حداً أدنى من مطالب الثورة السورية. ولا تنكر مصادر في المعارضة أنها تواجه "تحديات وجودية"، تستهدف طعن شرعية الهيئة العليا للمفاوضات، مشيرة في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه لا خيار أمامها إلا المواجهة، مؤكدة أن اجتماعات ستعقد في الرياض بعد أيام ستكون حاسمة في تحديد الأولويات، والرد على محاولات "فرض الوصاية" على السوريين.
ويترافق ذلك مع ضغوط أممية بدأها المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، على المعارضة، بتلويحه بتشكيل وفد المعارضة في حال عجزت المعارضة عن تشكيل وفد موحّد، ليلاقيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الذي حذر من إمكانية تحديد ممثلي وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف، في حال لم تتمكن الأخيرة من ذلك. وأكد غوتيريس للصحافيين الأربعاء أنه "من الواضح أن هناك إمكانية لاستخدام هذا الاحتمال". وأضاف "ما نريده هو نجاح مؤتمر جنيف، وهذا الأمر يتطلب تمثيلاً جدياً للمعارضة السورية في جنيف"، معلناً "أننا سنبذل قصارى جهدنا لضمان هذا الأمر".
وتقدّمت الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة السورية، والتي شاركت في مؤتمر أستانة، خطوة كبيرة لفرض نفسها لاعباً في أية مفاوضات مقبلة، وأعلنت مساء الأربعاء أنّه "لا يمكن التقدّم بأية خطوة نحو الحل السياسي العادل، ما لم ينفّذ وقف إطلاق النار، وتوضع آليات مهنية دقيقة لمراقبته". وأوضحت الفصائل، في بيان وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، أنّ "الفصائل التي وقّعت على اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، وحضرت مفاوضات أستانة، تطالب بوقف إطلاق النار، واستكمال الإجراءات الإنسانية في القرار 2254، ولا سيما الإفراج عن المعتقلين، وبالأخص النساء والأطفال". وحمّلت الفصائل الطرف الضامن، مسؤولية الوفاء بالتزاماته التي أخذ على عاتقه الالتزام بها وضمانها، معتبرةً أنّ "عدم الالتزام بها سيؤدي إلى فشل الاتفاق، ونسف كل الجهود الرامية إلى الوصول إلى وقف هدر دماء الشعب". وانتقدت تلويح دي ميستورا بتشكيل وفد المعارضة، مشيرة إلى أنه "لا يمكن لأطراف خارجية اختيار من يمثل المعارضة في المفاوضات".
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية في كازاخستان في بيان أمس، الخميس، أن روسيا وإيران وتركيا ستجري محادثات بشأن كيفية تطبيق وقف إطلاق النار في سورية، في أستانة يوم السادس من الشهر الحالي. من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية في بيان إن "اللقاء الفني" في أستانة، "سيُكرس لبحث سبل الفصل بين المعارضة السورية المعتدلة وتنظيم جبهة النصرة".


تأتي هذه التطورات قبيل أيام من مفاوضات جنيف، وكشف المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا، رياض نعسان آغا، لـ"العربي الجديد"، أن الهيئة ستعقد اجتماعات في مقرها بالرياض في العاشر من الشهر الحالي "لمناقشة كل القضايا المتعلقة بالمفاوضات، بما فيها تشكيل وفد مفاوض".
كذلك علمت "العربي الجديد" من مصادر أن أعضاء بارزين في الهيئة العليا يعقدون منذ أيام "دورة مكثفة" لإعداد كل الوثائق المتعلقة بالمفاوضات مع النظام، في جولة جنيف الرابعة. وكانت الهيئة قد أعدت "استراتيجية تفاوض" تستند إلى بيان جنيف 1، وقرارات دولية ذات صلة تؤكد على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تقود مرحلة انتقالية من دون الأسد تنتهي بانتخابات وفق وستور جديد. ومن المرجح أن تُدخل تعديلات "ليست جوهرية" على رؤيتها تراعي التطورات السياسية والعسكرية منذ تعليق مفاوضات جنيف 3 في أبريل/نيسان من العام الماضي.
وأكد مصدر يشارك في "ورشة الرياض" لـ"العربي الجديد" أن الورشة تُحضّر أوراقاً تفاوضية تتعلق بالنظام الداخلي لهيئة الحكم الانتقالي، والعقد الاجتماعي، ومبادئ فوق دستورية، إضافة إلى وثيقة قدّمها الاتحاد الأوروبي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تتضمن رؤية لـ"سورية المستقبل"، عُرفت لاحقاً بـ"ورقة موغريني" في إشارة إلى مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني. وتدعو الرؤية الأوروبية إلى "اللامركزية" في الحكم، وبناء نظام سياسي يخضع للمساءلة، وتعديل الدستور، والانتقال السياسي وفق القرار 2254، إضافة إلى أفكار تتعلق بالمصالحة، وإعادة الإعمار، وتؤكد الرؤية على وحدة البلاد.
ولا تزال تصريحات دي ميستورا حول وفد المعارضة المفاوض تولّد ردود فعل مستغربَة ومستنكرة، وأشارت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات إلى أن هناك استياء كبيراً لدى أعضاء الهيئة من تصريحات دي ميستورا، مشيرة إلى أنها "تدخّل سافر في شأن لا يعنيه"، ومحاولة لـ "فرض وصاية على السوريين". وأضافت: "تصريحات دي ميستورا ليست أقل سوءاً من محاولات روسيا فرض دستور على السوريين".
وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" أن الموفد الأممي والمنظمة الأممية برمتها "عجزت عن إدخال مساعدات إنسانية لأطفال ونساء محاصرين، وكانت شاهدة زور على تهجير السوريين"، مشيرة إلى أن تصريحات دي ميستورا "تُعدّ فضيحة، لأنها مخالفة للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي". وشددت على أن الهيئة ستواجه كل الضغوط الهادفة إلى "تمييع" الوفد تحت ذريعة تمثيل كل المنصات، مضيفة: "لا خيار أمامنا إلا مواجهة هذه الضغوط، ولن نسمح بالتلاعب بمستقبل سورية من قبل دي ميستورا وغيره". وأشارت المصادر إلى أن رئيس تيار "بناء الدولة"، لؤي حسين، الذي تدعو موسكو لضمه إلى الوفد، "يحرص على بقاء الأسد في السلطة"، ومنصة القاهرة لا ترى مانعاً من دخول الأسد في أية انتخابات رئاسية مقبلة، فيما حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي الذي يتزعمه صالح مسلم لا يخفي ميوله الانفصالية، ومتهم من قبل منظمات دولية بارتكاب عمليات تهجير واسعة. وأشارت المصادر إلى أن قدري جميل، الذي تضغط موسكو لضمه إلى الوفد "يُعد رجل روسيا في سورية"، متسائلة: كيف يمكن أن تكون هذه المنصات، والشخصيات ضمن وفد يمثّل المعارضة؟".
وأكدت المصادر أن الهيئة لا تمانع في وجود هذه المنصات في حال إعلانها الالتزام ببيان الرياض، الذي يمثل قوى الثورة والمعارضة، مشيرة إلى أن الهيئة التي تضم الائتلاف الوطني السوري، وهيئة التنسيق، والفصائل العسكرية هي الممثل الشرعي للمعارضة السورية، والمظلة التي اتفق السوريون على أنها المخوّلة بالتفاوض مع النظام، للتوصل لتسوية تحقق الحد الأدنى من مطالبهم.