البصرة على فوهة بركان: استنفار مليشيوي وغياب الجيش والشرطة

البصرة على فوهة بركان: استنفار مليشيوي وغياب الجيش والشرطة

15 فبراير 2017
تشييع قتيل من الحشد في البصرة(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

للأسبوع الثاني على التوالي تأخذ قوات الشرطة والجيش العراقي دور المتفرج في محافظة البصرة، المطلة على مياه الخليج العربي، جنوب العراق، مع عمليات تحشيد عسكري واستعراض قوة لأفراد فصائل مسلحة تابعة لمليشيات "الحشد الشعبي"، المنتشرة في عموم مدن المحافظة، التي تعد شريان العراق الاقتصادي الوحيد، إذ إنها تضم موانئ تصدير النفط واستيراد المواد الأساسية اليومية للعراقيين.

وما يزيد من خطورة الوضع هو دعم إيران لبعض تلك المليشيات على حساب أخرى، فضلاً عن وجود المعادلة نفسها لدى حكومة البصرة المحلية ومحافظها، التي تنحاز إلى مليشيات دون أخرى، رغم اختلاف الدوافع الإيرانية عن دوافع حكومة البصرة أو قوات الأمن العراقية في انحيازها لمليشيات دون أخرى. فالإيرانيون الذين يدعمون مليشيات "الخراساني" و"حزب الله" و"العصائب" في البصرة، بسبب تبنيها لولاية الفقيه وإشراف ضباط "الحرس الثوري" عليها، يحرصون على بقاء كفة تلك المليشيات راجحة على كفة مليشيات أخرى، مثل "السلام"، التابعة لمقتدى الصدر، أو "جنود المرجعية" التي تتبنى مرجعية علي السيستاني، رغم عدم تقاطعها مع "الحرس الثوري" الذي يعد الأب الراعي لجميع تلك المليشيات. الحكومة المحلية وقوات الأمن لديها معادلتها الخاصة، فبعض المليشيات تمتلك ممثلين عنها في مجلس المحافظة، أو ينتمي قادتها إلى عشائر كبيرة وقوية، وأخرى تسيطر على مناطق حيوية تعد بوابة تهريب النفط العراقي واستقبال المخدرات، عبر شط العرب والخليج العربي، إلى إيران، لحساب مافيات مدعومة من ضباط كبار فاسدين في "الحرس الثوري" الإيراني.

معادلات صعبة ومختلفة اتفقت جميعاً على تهديد أمن البصرة وجعلها عرضة لحريق جديد، لا يختلف عن حريق عام 2008، الذي اندلعت خلاله معارك عنيفة وطويلة استمرت أسابيع عدة، بين قوات تابعة لرئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، ومليشيات الصدر، خلفت مئات القتلى والجرحى. ويتفق القادة العراقيون على ضرورة احتواء الموقف في البصرة، وبشكل سريع، وإقناع المليشيات بالانسحاب من الشوارع ووقف حرب التصفيات بين بعضها البعض. وتؤكد مصادر أمنية عراقية ارتفاع عدد القيادات المليشياوية التي تم اغتيالها في شهرين فقط إلى سبعة، كان آخرها الأمين العام لمليشيا "حزب الله" باسم الصافي، فيما تقول حكومة المحافظة إن 40 عبوة ناسفة ولاصقة انفجرت خلال أقل من شهر، تم تصنيفها على أنها غير إرهابية، في إشارة إلى عدم تورط تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بها، بل تصنف جميعها في خانة عمليات التصفية بين المليشيات.
ووفقاً لمصادر أمنية عراقية في البصرة، فإن "قوات الجيش وأفواج الطوارئ والشرطة لم تتدخل حتى الآن لمواجهة انتشار المليشيات، بالأسلحة المتوسطة والخفيفة، في مناطق عدة، واستعراض بعضها في شوارع المدينة، وترديدها هتافات تحمل تهديدات مبطنة لفصائل مسلحة أخرى". وقال رئيس لجنة الأمن والدفاع في محافظة البصرة، جبار الساعدي، في مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، إن "اجتماعاً ضم الحكومة المحلية والمحافظ وقادة الأمن لتشخيص أسباب التردي الأمني"، مشدداً على "ضرورة الإسراع بوضع الخطط اللازمة للخروج من هذا المأزق الأمني".


وتشير تقارير محلية عراقية من البصرة إلى وجود أكثر من 20 حزباً في المدينة، يمتلك معظمها أجنحة مسلحة، انضوت جميعها أخيراً ضمن "الحشد الشعبي". وقال رئيس مجلس البصرة (الحكومة المحلية)، صباح البزوني، إن "نحو 40 عبوة ناسفة استهدفت البصرة خلال شهر واحد، من دون أن تقدم الشرطة أو الجيش تقريراً واحداً عن تلك التفجيرات ومن يقف خلفها". ويقول العقيد في شرطة البصرة، فاضل عبد النبي الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، إن تفجيرات متبادلة طاولت منازل عناصر المليشيات، كما طاولت تفجيرات أخرى، نعتقد أن من بات يطلق عليهم اليوم في البصرة "دواعش الشيعة"، يقفون خلفها، صالات قمار وبلياردو ومحلات بيع خمور وكازينوهات ومكاتب تنظيم الحفلات وغيرها. وأشار الفتلاوي إلى أن القوات التي أرسلها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى البصرة، لا تكفي، وهي بواقع 120 مدرعة وأقل من 500 جندي.

ويقول ضابط في الشرطة، تحفّظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن "أوامر القبض التي يصدرها القضاء لا تنفذ، فأفراد الأمن يخشون تنفيذ أي أمر اعتقال يصدر بحق عضو في مليشيا"، مضيفاً "سيقع كل من يشارك في تنفيذ المذكرة القضائية تحت طائلة المليشيا أو العشيرة. لذلك لدينا أربعة آلاف مذكرة اعتقال قضائية، يخشى الجميع، الشرطة والجيش، تنفيذها". وأطلق مسلحون مجهولون النار على الأمين العام لمليشيا "حزب الله" العراقية، باسم الصافي، لدى مروره بسيارته وسط البصرة، ما أدى إلى مقتله وإصابة مرافقه. وعقب الإعلان عن مقتل الصافي، شهدت المحافظة عمليات تفجير وإطلاق نار وهجمات طاولت منازل ومقرات أحزاب ومليشيات مختلفة، لتكون ردة الفعل من خلال الظهور العلني لتلك المليشيات بكامل أسلحتها، بما فيها الثقيلة.

ولا يجد سكان البصرة في مثل هذه الأوضاع ملاذاً سوى البقاء في منازلهم، وفقاً لوصف أحد السكان في حديث لـ"العربي الجديد". ويقول أحمد عبد الله البصري، من سكان مدينة أم قصر الحدودية مع الكويت، لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات الاغتيال والخطف والسرقة والسطو المسلح والتفجيرات، التي تقع هنا وهناك، بشكل يومي، مصدرها الجماعات المسلحة". ويضيف "الحكومة لا تفعل أي شيء، وقواتها ليست فاعلة على الأرض، ونحن تحت رحمة المليشيات بشكل فعلي، فالأسلحة التي لديها أكبر وأضخم من أسلحة قوات الجيش والشرطة"، مبيناً أن "أهالي البصرة الأصليين بدأوا بالنزوح إلى أماكن أخرى للتخلص من هذا المستنقع".
الخبير في شؤون البصرة، أحمد الوائلي، أوضح لـ"العربي الجديد"، أن "التقاطعات موجودة في البصرة، بدءاً من محافظها، ماجد النصراوي، الذي ينتمي إلى المجلس الأعلى، ورئيس المجلس الذي ينتمي إلى حزب الدعوة، وقائد الشرطة الموالي للصدريين، وانتهاء بمن يحملون السلاح في الشارع، وهم مختلفون أيضاً"، لافتاً إلى أن "الوضع في المحافظة سيئ للغاية، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث". وأضاف "بغداد عاجزة عن فعل شيء للبصرة، لكن طهران بالتأكيد أعلم وأكثر دراية كيف تعيد الهدوء إليها".