معركة الباب بمراحلها الأخيرة: خط فاصل يرسم حدود السيطرة

معركة الباب بمراحلها الأخيرة: خط فاصل يرسم حدود السيطرة

12 فبراير 2017
حرب شوارع تدور داخل مدينة الباب (محمد نور/الأناضول)
+ الخط -


تضغط فصائل عسكرية تابعة للمعارضة السورية مدعومة من الجيش التركي لحسم المعارك المستعرة داخل مدينة الباب من أجل انتزاع السيطرة عليها من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وفتح باب واسع يتيح لها التوغّل أكثر في الجغرافيا السورية التي لا تزال تقع تحت سيطرة التنظيم، وقطع الطريق أمام قوات النظام للعودة مرة أخرى إلى مدينة تكتسب أهمية استثنائية في شمال سورية. وتحوّلت مدينة الباب وما حولها إلى ميدان صراع بين مختلف الأطراف في محاولة للحصول على نصر إعلامي وعسكري يساعد في تغيير معادلات سياسية ترسم ليس مستقبل مدينة فحسب، بل ربما مستقبل سورية برمته.
وأطلقت قوات المعارضة التي تساندها قوات تركية قبل أيام عمليات داخل مدينة الباب لطرد من تبقّى من مقاتلي تنظيم "داعش" في المدينة الاستراتيجية الواقعة شمال شرقي حلب بنحو 30 كيلومتراً، وظلت على مدى الشهور الأخيرة محط اهتمام واسع، في ظل تعثّر مساعٍ متلاحقة من قوات المعارضة لانتزاع السيطرة عليها.
وبالتوازي مع المتغيرات الميدانية في الباب، برز تطور جديد مع مواصلة قوات النظام والمليشيات المساندة لها، خلال الأيام القليلة الماضية، تقدّمها البطيء في الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة الباب، ووصولها إلى قرية تادف. ويبدو أن "ترسيماً" لحدود مواقع السيطرة في محيط مدينة الباب المتُنازع عليها بين أطراف عدة قد تم، إذ إن القيادة العسكرية الروسية، التي تراقب أدنى تفاصيل تغيير مواقع السيطرة في محيط المدينة، أعلنت، عصر أمس السبت، أنه و"بعد سيطرة الجيش السوري على بلدة تادف تم الاتفاق مع أنقرة على خط فاصل مع الجيش الحر". وفي حين أن قوات النظام تقدّمت في الأيام القليلة الماضية، من جهة قرية أبو طنطل نحو أطراف قرية تادف التي تبعد أقل من كيلومترين عن الأطراف الجنوبية لمدينة الباب، غير أنها لم تسيطر فعلياً على القرية المذكورة حتى اللحظة. إلا أن إعلان وزارة الدفاع الروسي، يؤكد أن موسكو ومن خلال "ترسيم" الحد الفاصل بين مناطق تقدم قوات "درع الفرات" التي دخلت بالفعل بعض أحياء المدينة، وقوات النظام المرابطة حالياً على بعد مئات الأمتار من الباب، سعت مبكرة لتجنّب أي تصعيدٍ قتالي بين الطرفين، التي تحارب مع أحدهما بشكل مباشر (النظام السوري)، وتتحالف مع الداعم التركي للطرف الآخر (درع الفرات).
وانطلاقاً من إعلان وزارة الدفاع الروسية هذا، وكذلك من واقع خارطة السيطرة الميدانية، يبدو من شبه المؤكد، أن آمال النظام لدخول مدينة الباب قد انتهت حالياً، وستكتفي قواته بالوصول إلى قرية تادف، فيما سيتوقف تقدّم نفوذ قوات "درع الفرات" عند حدود مدينة الباب، من دون أن يتجاوزها جنوباً، نحو مناطق سيطرة النظام.
وفي السياق نفسه، أمل نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان كورتولموش، في مقابلة تلفزيونية أمس السبت، "أن تنتهي عملية السيطرة على مدينة الباب في وقت قريب، وليس علينا أن نحدد يوماً لانتهاء العملية"، مضيفاً: "بالنظر إلى أهميتها في حماية حدودنا هي عملية صعبة، كانت قوات العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي يتسللون عبر هذه الحدود، بينما كان مقاتلو داعش يستمرون بإلقاء القنابل علينا، إنها عملية أقيمت لتدمير المجموعات الإرهابية في شمال سورية". وشدد كوتولموش على أن مدينة الرقة بحد ذاتها ليست تهديداً للأمن القومي التركي إلا إذا تم استخدام قوات "الاتحاد الديمقراطي" في عملية السيطرة عليها، موضحاً أن "عملية درع الفرات تنتهي بالسيطرة على مدينة الباب، وستكون بذلك وصلت إلى هدفها، أما عن مدينة الرقة فهذا أمر آخر، وهي ليست أمراً يهدد الحدود التركية، إن تم استخدام قوات الاتحاد الديمقراطي في الأمر، عندها ستتحول إلى قضية أمنية بالنسبة لتركيا، وأظن أن النظام السوري سيستعيد رشده".
وبدأت قوات "درع الفرات"، ظهر أمس السبت، عملية اقتحام واسعة في مدينة الباب، وسيطرت على مناطق في المدينة بعد معارك عنيفة مع تنظيم "داعش". وقال القيادي الميداني في "الجيش السوري الحر"، أبو الوليد العزّي، لـ"العربي الجديد"، إنّهم بدأوا عملية اقتحام واسعة بهدف السيطرة على المدينة الباب. وسيطرت قوات "الجيش السوري الحر" بدعم تركي بعد بدء العملية مباشرة على مواقع الصوامع والنادي الرياضي وجامع الزهراء ومبنى الحزب وكامل شارع زمزم في الجبهتين الشمالية والجنوبية الغربية من مدينة الباب، حيث بدأت فرق الهندسة في قوات "درع الفرات" بالعمل على كشف الألغام التي زرعها التنظيم في المناطق السابقة.
وذكر ناشطون مواكبون لمجرى المعارك في المدينة أن "حرب شوارع" تدور داخلها، إثر وصول قوات المعارضة إلى داخل المدينة قبل أيام، إذ سيطرت "قوات الجيش السوري الحر (يوم الجمعة) على مستشفى الحكمة وشارع زمزم في الجهة الغربية من مدينة الباب بعد اشتباكات عنيفة مع تنظيم "داعش". وكانت هذه القوات نجحت قبل ذلك بيومين، بالسيطرة على جبل الشيخ عقيل، والمستشفى الوطني، والدوار الغربي، ومنطقة السكن الشبابي، في أول مرة يتمكنون فيها من اقتحام أسوار المدينة.


وتوقّع قيادي في إحدى الفصائل المشاركة في المعارك، أن تستغرق عملية تمشيط المدينة أياماً عدة، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أنها كبيرة جغرافياً، ويوجد داخلها عشرات آلاف المدنيين وتحاول القوات المهاجمة تجنيبهم الأذى. وكانت المعارضة السورية بدأت منذ أشهر عدة العمليات العسكرية لانتزاع السيطرة على مدينة الباب في إطار عملية "درع الفرات" التي بدأت أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، وحققت نجاحات كبرى تمثلت باستعادة مساحات هائلة على طول الحدود السورية التركية، قبل أن تقف على تخوم مدينة الباب نتيجة المقاومة غير المسبوقة من "داعش" دفاعاً عن المدينة الاستراتيجية. كما أدى وجود أكثر من سبعين ألف مدني داخل المدينة دوراً محورياً في تأخير الحسم العسكري، إضافة إلى أنفاق وخنادق وحقول ألغام حول المدينة، علاوة على استخدام التنظيم لسلاح "الانتحاريين" الذي أنهك قوات المعارضة والقوات التركية وتسبب بمقتل وإصابة العشرات منهم على مدى الشهرين الأخيرين.
وتُعدّ مدينة الباب باباً أمام جميع الأطراف الباحثة عن موطئ قدم راسخة في الجغرافيا السورية، وعن مكاسب عسكرية تعزز مواقفها على طاولة التفاوض. وتسعى المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا لأن تكون مدينة الباب بوابة لها للعودة إلى مدينة تل رفعت شمال حلب التي سيطرت عليها الوحدات الكردية تحت غطاء ناري روسي في فبراير/شباط من العام الماضي إبان الخلاف التركي الروسي. كما تسعى أنقرة من خلال السيطرة على مدينة الباب التي لا تبعد عن حدودها الجنوبية سوى 30 كيلومتراً، إلى تأكيد دورها في إطار محاربة الإرهاب، ومن دون السيطرة على الباب لن تستطيع التوجّه شرقاً حيث معاقل تنظيم "داعش" الأبرز في محافظة الرقة.
كما لا تغيب عن الحسابات التركية مسألة تحويل الشمال السوري الواقع إلى الغرب من نهر الفرات إلى منطقة نفوذ اقتصادي وثقافي، يساعد الاستقرار فيها على إقناع ملايين السوريين الموجودين في تركيا بالعودة إلى هذه المنطقة، وهو ما يسهم في تخفيف التبعات السلبية على الدولة التركية جراء استقبالها عدداً كبيراً من اللاجئين. ورأى قيادي في الجيش السوري الحر، مشارك في معارك السيطرة على الباب، أن من يفوز بهذه المدينة يفرض نفسه بقوة في معارك استعادة محافظة الرقة، ويصبح لاعباً محورياً في الصراع على "التركة السورية"، معتبراً انهيار التنظيم في الباب "بداية انهيار أوسع يطاول البنية العسكرية والتنظيمية لداعش في سورية"، مشيراً إلى أن "كل الأطراف تسعى للحصول على السبق في مسألة القضاء على التنظيم". ورأى القيادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الخرائط الجديدة "تُرسم في سياق التفاهمات الدولية، لذا كل طرف من أطراف الصراع على سورية يحاول تعزيز مواقعه ضمن هذه التفاهمات"، مؤكداً أن النظام حاول إطالة عمر "داعش" في مدينة الباب للحد من التوغل التركي في شمال البلاد، من خلال إتاحة الفرصة لمقاتلي التنظيم بالعودة إلى مدينة تدمر منذ أشهر والاستيلاء على مستودعات سلاح تحوي مضادات دروع أدت دوراً حاسماً في صد قوات المعارضة والقوات التركية المساندة لها في الفترة السابقة عن مدينة الباب.

وأشار القيادي إلى أن النظام السوري والإيرانيين حاولوا قطع الطريق على قوات المعارضة والقوات التركية من خلال توغلهم باتجاه الباب، للحصول على نصر إعلامي، مؤكداً أن مليشيا الوحدات الكردية أصبحت "خارج اللعبة الآن" بما يخص مصير مدينة الباب. 
وتتمركز قوات تابعة للوحدات الكردية على بعد نحو 15 كيلومتراً شرقي المدينة، ونحو 10 كيلومترات غربها، وهي كانت حاولت التقدّم نحوها، ولكنها جوبهت بصد من قوات المعارضة. واستشرس تنظيم "داعش" في الدفاع عن آخر معاقله في شمال شرقي حلب، معتبراً مدينة الباب خط الدفاع الأول عن معاقله في شرقي سورية، فهو يدرك فداحة خسارته في حال تراجعه، وهو ما حاول تجنبه طيلة شهور، مستخدماً كل قدراته للصمود. كما اتّبع التنظيم تكتيك الانسحاب أمام قوات النظام من عشرات القرى في محاولة منه لخلق تصادم بينها وبين قوات المعارضة.

ورأى المحلل العسكري السوري العقيد الطيار، مصطفى بكور، أنه "جرى تضخيم معركة الباب إعلامياً، في إطار الحرب النفسية التي تُشن ضد تنظيم داعش من مختلف الأطراف"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن أحد أسباب تأخير الحسم في المدينة محاولات إقليمية ودولية لتجنيب قوات "درع الفرات" وقوات النظام الصدام المباشر في شمال شرقي حلب.