هل شارك التحالف في تحديد مصير صالح؟

هل شارك التحالف في تحديد مصير صالح؟

09 ديسمبر 2017
لم يستهدف التحالف إمدادات الحوثيين إلى صنعاء (محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -
في 2 ديسمبر/كانون الأول 2017 تحول علي عبد الله صالح، من خصم للتحالف العسكري العربي، بقيادة السعودية، إلى حليف، بعد قرابة ثلاث سنوات من حرب التحالف ضده وضد حلفائه الحوثيين (خصومه لاحقاً)، لكن التحالف لم يدم طويلاً بعد قتله من قبل الحوثيين بعد يومين أي في 4 ديسمبر. على الرغم من ذلك يبقى التساؤل حول ما الذي دفع التحالف إلى التقاط رسالة صالح للتصالح معه بتلك السرعة، وفي الوقت ذاته إعلانه الحرب ضد حلفائه من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)؟

في ذروة الاشتباكات بين صالح والحوثيين، قبل مقتله بيومين، وخلال لقاء بين القائد العسكري الحوثي، رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية، أبو علي الحاكم، وبين حشود قبلية من محيط صنعاء، أعلن الحاكم أن لدى جماعته الأدلة الكافية على وجود تواصل بين صالح والجنرال علي محسن الأحمر ودول التحالف، هدفه الانقلاب على الحوثيين، وأن صالح رفض الخروج من المشهد السياسي والتحول إلى مواطن عادي، لتضمن له جماعة "أنصار الله" الأمن وعدم التعرض له، في لقاءات تمت بينه وبين الحاكم نفسه، كما قال الرجل أمام الحشد القبلي.

خطاب صالح الذي أعلن فيه الحرب على حلفائه الحوثيين، صباح الثاني من ديسمبر، كان مختلفاً تماماً عن خطاب سبقه بأربعة أيام فقط، والذي أكد فيه أن المجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة في صنعاء) هو السلطة الشرعية، وأن لا شرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي. ورغم عرضه فيه السلام مع السعودية، إلا أنه جاء في إطار تحالفه مع الحوثيين، داعياً إلى تهدئة الخطاب الإعلامي معهم حفاظاً على وحدة الصف الداخلي.
بمجرد بث خطاب صالح الداعي لمواجهة الحوثيين في 2 ديسمبر، صدرت إشارات من التحالف، الذي تقوده الرياض، للتنسيق معه ضد الحوثيين، وأيضاً من قبل نائب الرئيس، علي محسن الأحمر، الذي انتقل من مقره في الرياض إلى مأرب. واعتبر التحالف مناطق سيطرة حزب المؤتمر خلال اشتباكاته مع الحوثيين بصنعاء مناطق آمنة من القصف الجوي لطائراته، لكن القصف حدث بشكل محدود على مناطق خارج الاشتباكات، لأن المعارك كانت في مناطق مأهولة بالسكان لا يمكن للطيران التدخل فيها، وكل ما تم هو قصف منازل أقارب صالح بعد سقوطها في أيدي الحوثيين.

خاض صالح معركته المفاجئة مع الحوثيين بثقة كبيرة، وارتفعت حدة التسريبات عن إسقاط التحالف أسلحة وأجهزة اتصالات لقواته جنوب العاصمة. وروج الحوثيون للرجل باعتباره خائناً وعميلاً للسعودية، بعد أن كان حليفاً لهم لسنوات. واضطر صالح إلى إصدار توضيحات تؤكد استمرار مواجهته للتحالف، وفي الوقت ذاته مواجهة الحوثيين خوفاً من تراجع شعبيته في أوساط أنصاره التي بناها أخيراً باعتباره يواجه "العدوان السعودي". لكن مؤشرات موقف السعودية على الأرض كانت مختلفة تماماً، ففي اليوم الثاني من المواجهات بين الحوثيين وصالح، وإعلان الأخير البدء بتطهير صنعاء من خصومه بلغة المنتصر والمدافع عن الجمهورية والوحدة، استطاع الحوثيون إدخال أعداد ضخمة من المقاتلين، عبر قوافل متتالية من السيارات، إلى العاصمة، تحت نظر التحالف، الذي لم يستهدف طيرانه تلك الإمدادات بأي شكل، ما أدى إلى تغير المعادلة على الأرض لصالحهم خلال ساعات، وأصبح صالح تحت الحصار.


وأعلنت شخصيات في حكومة هادي البدء بحشد 7 ألوية عسكرية من جهة الشرق عبر جبهة نهم شمال شرق العاصمة، ومنطقة خولان جنوب شرق صنعاء، وذلك للالتحام مع قوات صالح لمواجهة الحوثيين، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. وسيطر الحوثيون على قناة صالح الوحيدة، "اليمن اليوم"، وأوقفوا بثها واحتجزوا 41 فرداً من طاقمها، قبل أن يعاودوا بث خطاب صالح الصماد، ما أربك جمهور صالح وشتته، وقاموا بحجب مواقعه الإخبارية على الشبكة ووقف إذاعته. وظل أنصاره ينتظرون وعوداً بإعادة بث القناة من القاهرة، أو حجب القناة التي استولى الحوثيون عليها، بمساعدة من التحالف، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث أيضاً. وتابعت القنوات التابعة للإمارات والسعودية الحديث عن انتصارات سريعة ومتوالية لقوات صالح، في حين كانت الحقائق على الأرض مختلفة تماماً، وتغيرت صفة صالح على شاشات تلك القنوات، مثل "العربية"، من "الرئيس المخلوع" إلى "الرئيس السابق"، وصفة قواته من "مليشيا صالح" إلى "قوات المؤتمر الشعبي العام"، مروجة لانتفاضة صنعاء القاصمة لظهر جماعة الحوثيين، الذين استغلوا ذلك لتعزيز صورة صالح كعميل لـ"العدوان" لا أكثر. ولم يستغل التحالف انشغال الحوثيين بقتال صالح وقواته بأي شكل لفتح جبهات جديدة، أو تكثيف الضغط في جبهات القتال لتشتيت المقاتلين الحوثيين مثلاً، وظل ذلك الأمر محل تساؤل مستمر لدى أنصار صالح.

في خطابه قبل الاشتباكات بأيام قليلة، وعد صالح بأنه سينشر وثائق خاصة حول تورط السعودية في العمالة لأميركا وإسرائيل ضد الدول والقضايا العربية، خصوصاً فلسطين. وفعلاً تم نشر وثيقة عمرها خمسة عقود، هي عبارة عن رسالة من الملك السعودي الراحل، فيصل بن عبد العزيز، إلى الرئيس الأميركي، ليندون جونسون، يقترح فيها فيصل أساليب مواجهة مصر، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومشاريع القومية العربية، باعتبار القاهرة خصماً مشتركاً بين الرياض وواشنطن. وتضمنت الرسالة كذلك طرقاً مقترحة لتسوية القضية الفلسطينية بتهجير السكان وتشتيتهم للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، بمساعدة الأردن. ونشرت تلك الوثيقة بالتزامن مع تصاعد التداول الإعلامي لما سمي بـ"صفقة القرن" لتسوية القضية الفلسطينية وتورط السعودية فيها، وذلك عبر حلول مشابهة لمقترحات الملك فيصل في رسالته لجونسون، وخلال صراعات ولي العهد، محمد بن سلمان، مع أعضاء الأسرة الحاكمة السعودية واعتقاله للكثير منهم. ويبدو أن الرياض قد تأذت منها، ورأت أن انتظارها لتسريب المزيد من الوثائق المشابهة تصرف غير حكيم.

هاجم صالح الرياض على الدوام، واستثنى أبو ظبي. وسبق له أن رفض عروضاً ومساعيٍ سعودية للتحالف معها ضد الحوثيين، ربما كان أبرزها صفقة رتب لها ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وشارك في تفاصيلها الدكتور عبد الكريم الأرياني قبل وفاته، وقضت بتأمين خروج صالح إلى الإمارات بضمانة سلامته من بن زايد ورفع العقوبات الأممية عنه وعن نجله أحمد، مقابل إعلانه وقف الحرب في صف الحوثيين، وأفشلها صالح قبل ساعات من بدء التنفيذ حسب روايات عديدة، وإن ظل الأمر بعيداً عن تناول الإعلام، ما عزز ضعف الثقة بينه وبين الرياض وأبو ظبي بقوة. أمام تلك المعطيات، يبدو أن الرياض أرادت التخلص من صالح باعتباره خصماً غدر بها كثيراً، وخرج عن طوعها أكثر، وباعتباره رئيساً لأكبر حزب سياسي في اليمن منح غطاءً شعبياً وسياسياً لجماعة الحوثيين التي لا تجيد السياسة بقدر ما تجيد القتال. لكن السعودية لم تكن قادرة على التحالف مع الحوثيين ضده علناً، وربما أرسلت إليه طعمها عن طريق قيادات في الشرعية ليعلن مواجهة الجماعة بشكل يصعب التراجع عنه، ثم يترك لمصيره، وربما كانت خلافات سابقة حول ملف "القاعدة" بين الرجل والسلطات السعودية دافعاً إضافياً في إطار امتلاكه معلومات قد تؤذي الرياض، وإلا كيف سمحت بدخول إمدادات جبارة للحوثيين كانت عامل حسم أساسي لمعركتهم مع صالح؟


قام التحالف باستهداف سوق شعبي بمديرية سنحان سقط فيه عدد كبير من المواطنين، ومن ضمنهم أفراد من حراسة صالح الشخصية، في تأكيد لرواية الحوثيين عن مقتل صالح أثناء محاولته الهروب من صنعاء إلى مأرب بالاتفاق مع التحالف على تأمين مرور موكبه، عن طريق ضرب نقاط التفتيش الحوثية على امتداد الطريق. وحتى إن كانت الرواية صحيحة، فلماذا لم يقصف التحالف السيارات التابعة للمسلحين الحوثيين أثناء تعقبهم لموكب الرجل؟ رغم أن الروايات شبه المؤكدة من مصادر عدة تؤكد أن مقتل صالح حدث أثناء هجوم الحوثيين على منزله بمنطقة حدة، وليس بعيداً عنه، وليس خلال فراره كما نشر الحوثيون. فكيف التقت رواية الحوثيين مع تصرفات الطيران السعودي إذن؟ وفي اليوم التالي لمقتل صالح دعا الصماد، في احتفال لجماعته بالقضاء على صالح، إلى الحوار مع التحالف، وهي نفس الدعوة التي تحول بها صالح إلى عميل قبل أيام قليلة. فما الذي دفع الصماد لتلك الخطوة إن لم يكن لديه تنسيق مسبق مع التحالف بنفس طريقة صالح، وكان خلافهما فقط على من يوقع الصفقة ويحصد مكاسبها، ولكن من موقف أضعف، خصوصاً وقد سبق للحوثيين توقيع اتفاقيات منفردة مع الرياض في ظهران الجنوب مطلع 2016؟

مقتل صالح على يد الحوثيين يحقق للتحالف عدة أهداف، منها رفع الغطاء الشعبي والسياسي الذي كان يوفره صالح وحزبه للحوثيين، وإثبات أن عجز التحالف عن تحقيق انتصارات عسكرية قوية تجبر الحوثيين على الذهاب إلى طاولة المفاوضات، بشروط الرياض، ناتج عن قوة الحوثيين على الأرض وليس عن ضعف التحالف أو عدم رغبته في الحسم. أما الهدف الآخر فهو توظيف الثارات التي ستولدها تصفية الحوثيين لصالح ضدهم، بحشد أنصار صالح تحت مظلة التحالف، فيصبح أمر هزيمة الحوثيين وإضعافهم أكثر سهولة، وذلك بعد إضعاف جميع الأطراف اليمنية، ليكون تحكم الرياض وأبو ظبي بخريطة اليمن المستقبلية من دون صعوبة ولا تكاليف مرتفعة. ومن ناحية أخرى، تسليط الضوء مجدداً على مدى دعم إيران للحوثيين، إذ إن خطاب هادي، عقب مقتل صالح، تحدث عن ضرورة الحشد ضد "مليشيا إيران"، وهي نفس اللغة التي نقلتها قناة "العربية" عن أحمد صالح في توعده بالثأر لوالده، وبالتالي تغيير هدف تدخل التحالف السعودي في اليمن من إعادة الشرعية إلى القضاء على ذراع إيران كامتداد للصراع الإقليمي بين الرياض وطهران. والسؤال الأكثر أهمية في نهاية المطاف، لماذا لم تفرج أبو ظبي عن أحمد علي عبدالله صالح ليعود إلى صنعاء، أو على الأقل تسمح بظهوره الإعلامي أثناء المعركة، وهو الأمر الذي كان بإمكانه إطالة المعركة، أو تحجيم تفوق الحوثيين إن لم يحقق نصراً عليهم، باعتباره قائد الحرس الجمهوري ويتمتع بسمعة جيدة لدى ضباطه وأفراده، إذا كانت فعلاً صادقة في إعلانها عن التحالف مع صالح وحزب المؤتمر ضد الحوثيين؟ ولماذا تمسك العميد يحيى صالح بعد مقتل عمه بخطاب العداء للسعودية وشرعية هادي، بعد تعزية هادي لأسرة صالح، رغم الخلاف المعلوم بينهما كتعبير عن حسن نواياه لفتح صفحة جديدة. ويحيى أحد المرشحين لوراثة صالح في رئاسة حزب المؤتمر، ولديه من المعلومات ما يكفي ليبني عليه، ولا يمكن لصالح أن يتحالف مع الرياض أو أبو ظبي من دون علمه؟ قد تكشف الأيام معلومات أكثر دقة حول ما جرى، لكن هناك من المؤشرات ما يجعل إثارة هذه التساؤلات أمراً مشروعاً في الوقت الراهن.