الجزائر والشاب الفرنسي

الجزائر والشاب الفرنسي

05 ديسمبر 2017
زار ماكرون الجزائر كمرشح رئاسي في فبراير 2017(Getty)
+ الخط -
إيمانويل ماكرون في الجزائر، كثيرون لا يريدون الترحيب به، في بلد لا تزال بالنسبة إليه فرنسا مستعمر قديم في جعبته جرائم ودم أكثر منه، شريك اقتصاد وجغرافيا، لكن دعاة الحداثة والواقعية السياسية يجدون في الزيارة محطة إضافية لتجاوز عبء تاريخي مليء بالدم والآلام.

لن يجد ماكرون الشاب الحيوي المقبل على الحياة والسياسة نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في صحة جيدة، فقد اعتل الرئيس منذ إبريل/نيسان 2013 واعتلت معه البلاد المصابة أصلاً بأمراض كثيرة، وتعطل اقتصادها الذي يشرب من النفط أكثر مما ينتج من قيمة مضافة. وبين صورة الرئيس العجوز والرئيس الشاب، يبرز ذلك الفارق الذي يبرر استمرار تطور الموقف الاقتصادي الفرنسي المتفوق بالأرقام على اقتصاد بلد قارة كالجزائر التي تدفع للخزينة للفرنسية خمسة مليارات دولار سنوياً من الواردات، ويفسر استمرار الدور الفرنسي البالغ في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، في مقابل اخفاق الجزائر في تحقيق اختراق افريقي يبعد اليد الفرنسية العابثة بأمن ليبي ودول الساحل واقتصادياتها، ومن ثمة بأمن الجزائر الجغرافي والاقتصادي. 

يزور ماكرون الجزائر وقد سبقته الغبطة بتلك الجحافل من الطلبة الجزائريين الذين تجمعوا قبل شهر في طوابير أمام المركز الثقافي الفرنسي وسط العاصمة الجزائرية، لطلب تأشيرة اللغة الفرنسية للدراسة في الجامعات الفرنسية، يضافون إلى 26 ألف طالب جزائري يدرسون في فرنسا، وسبقته الغبطة أيضاً بالاصلاحات الجراحية التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم في الجزائر، والتي أبقت للفرنسية، اللغة التي تموت في فرنسا نفسها، سياقها في النظام التعليمي الجزائري، ليس كغنيمة حرب فقط، لكنه أيضاً التماهي مع وباء لغوي أعاق تحول الجزائر إلى لغتها ولغات العصر الراهن.

يحاول الشاب الفرنسي هذه المرة أن يصنع الاستثناء في زيارته مقارنة مع زيارات سابقيه من الرؤساء الفرنسيين، وآخرهم زيارة الرئيس فرانسوا هولاند في ديسمبر/كانون الأول 2012، ويسعى إلى مخاطبة جيل من الطلبة والمثقفين طلب لقائهم، لإقناعهم بضرورة تجاوز الماضي الاستعماري والتوجه إلى المستقبل.

 طي صفحة الذاكرة المؤلمة بين فرنسا والجزائر، وفتح صفحة جديدة من الشراكة والتعاون، لن يرفض أحد ذلك بالتأكيد، لكن صفحة الماضي الدامي وآثاره الماثلة في رقان حيث التفجيرات النووية الفرنسية، وفي سطيف وخراطة حيث دم مايو 1945 وذكريات القتل في كل شارع وبطحاء في الجزائر، ترفض أن تطوى، تخبأ للأجيال في انتظار اعتراف فرنسي بجرائم دولة.

 

 

دلالات

المساهمون