الموت لاحق المدنيين داخل بيت جن قبل التهجير

الموت لاحق المدنيين داخل بيت جن قبل التهجير

31 ديسمبر 2017
المهجّرون وصلوا إلى إدلب ودرعا (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

وصلت فجر يوم الجمعة الماضي، الدفعة الأولى من المهجّرين من بيت جن إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في محافظتي درعا وإدلب، وذلك بموجب اتفاق شمل تهجير المقاتلين والمدنيين الراغبين بالتهجير، بعد الحصار العسكري الخانق الذي قامت به قوات النظام والمليشيات الموالية لها.

في الظاهر، بدا السيناريو في بيت جن مختلفاً كثيراً عن غيره من المدن الأخرى التي شهدت اتفاقات تهجير مشابهة، فبينما حاصر النظام المدنيين لسنواتٍ طويلة في المناطق الأخرى مثل داريا والمعضمية وحي الوعر الحمصي، ثم أجبر سكّانها على التهجير تحت وقع الحصار والعمليات العسكرية، ظهر وكأن النظام كان "شديد العجلة" في بيت جن، من دون انتظار بوادر الحصار على المدنيين حتّى قام باقتحامها وتهجيرها هذه المرّة تحت الآلة العسكرية.

في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أحكم النظام  سيطرته على بيت جن مجدّداً إثر سيطرته على أطراف بلدة حضر، في ريف القنيطرة، وذلك بعد أن كانت المعارضة قد نجحت سابقاً في فك الحصار عن المدينة ضمن معركة "كسر القيود عن الحرمون".

وواكبت "العربي الجديد" عمليات التهجير إلى محافظتي درعا وإدلب، ففي الساعة الواحدة من بعد منتصف ليل الخميس ـ الجمعة، وصلت دفعة من المهجّرين إلى محافظة درعا مع سيارات تابعة لـ "الهلال الأحمر السوري" حاملة مصابين، وفقاً للصحافي أحمد المسالمة. وقد بلغ العدد الإجمالي 150 مقاتلاً ومعهم نحو 20 عائلة من المدنيين، وأكبر من هذا العدد وصل أيضاً في الساعة الثالثة فجراً إلى محافظة إدلب شمالي سورية.
عملية التهجير بدت روتينية حالها كحال حالات تهجير عدة سبقتها سواء من حزام العاصمة دمشق أو حي الوعر الحمصي أو شرق مدينة حلب، غير أن ما كان جديداً فيها هو أن دفعة من المقاتلين انتقلت إلى محافظة درعا، في سابقة هي الأولى من نوعها، إذ جرت العادة على إرسال المهجّرين من المدنيين والعسكريين إلى ريف محافظة إدلب أو مناطق "درع الفرات" في ريف حلب.



كما بدا أن الحياة داخل بيت جن كانت مرعبة للغاية، إذ إن وتيرة العمليات العسكرية داخلها لم تشبه غيرها من المدن، فالقصف العنيف المدفعي والصاروخي استمر بصورة متواصلة على المدنيين ليل نهار. وعلى الرغم من تدمير منزله جراء القصف على بيت جن قبل أسابيع، إلا أن أحد المواطنين، وهو "أبو سامح"، تمكّن من الخروج من بيت جن مع زوجته بما وصفه بـ"المعجزة"، إذ إنّ القصف طاول كل الأماكن داخل المدينة من دون توقّف إطلاقاً. وقال أبو سامح: "أتوقّع أن قوات النظام السوري التي كانت تقوم بقصف بيت جن كان لديها نوبات ليلية ونهارية، لذلك كانوا يستمرّون بقصف المدينة باستمرار حتّى في منتصف الليل وفي ساعات الفجر الأولى".

وأضاف أنه "كان واضحاً أن خطة النظام في هذه المنطقة قامت على إرهاق السكّان والفصائل الموجودة هناك عسكرياً، وذلك عبر تكثيف القصف المدفعي والصاروخي، وذلك بسبب صعوبة إخراج الطيران الحربي نحو هذه البلدة، كونها قريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو ما دفع النظام إلى الإحجام عن القصف كما يحلو له بالطائرات الحربية".

وأشار أبو سامح إلى أنّ "عدد مقاتلي الجيش الحر الذين كانوا موجودين في المنطقة كان قليلاً جداً ولم يكونوا قادرين على حماية المنطقة أمام الأعداد الكبيرة لقوات النظام والمليشيات الموالية لها والأسلحة الضخمة والمتطوّرة التي تملكها، وهو ما جعلنا مع جميع العائلات في حالة رعب غير مسبوقة".

في هذا السياق كشفت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" من ريف القنيطرة، أن "عدد المقاتلين داخل البلدة لم يكن يتجاوز 350 مقاتلاً في أحسن الأحوال". وكان مقاتلو بيت جن قد طلبوا تعزيزات عسكرية من الجنوب السوري عبر استقدام أسلحة ونحو 250 مقاتلاً، غير أن نداءاتهم لم تلقَ أي آذانٍ صاغية.

من جهته، لفت راشد، وهو اسم مستعار لأحد مهجّري بيت جن، الذين وصلوا إلى محافظة إدلب، إلى أن "الفترة التي أعقبت الحصار الأخير على بيت جن كانت الأكثر صعوبة على المدنيين". وأضاف الشاب البالغ من العمر 30 عاماً لـ "العربي الجديد"، أنه "بعد أن تمكّنت قوات النظام والمليشيات الموالية لها من حصار بيت جن بعد سيطرتها على أجزاء من حضر في ريف القنيطرة، تركت جميع الجبهات في تلك النقطة وبدأت بتكثيف الهجمات بكافة أنواع الأسلحة على المدينة".



وروى الشاب عن مشاهداته في الفترة الأخيرة فقال إن "القصف أدّى إلى عجز المدنيين عن التحرّك ضمن شوارع بيت جن، كما أُجبرت معظم الأسواق على إغلاق محالها التجارية، بسبب عدم توقّف العمليات العسكرية والخوف من التجوّل بالشوارع". وأوضح أن "المراكز الصحية والطبية ومدارس الأطفال والأسواق معظمها توقّف، باستثناء المستشفيات الميدانية التي كانت مخصّصة لإسعاف الجرحى جراء عمليات القصف المستمر". وختم حديثه بالقول: "كنت أتوقّع ألّا نتمكّن من النجاة جراء هذه العمليات العسكرية وعدم التكافؤ العسكري وإصرار النظام على السيطرة على هذه المنطقة".

بدوره، أفاد صحافي مقيم في مناطق النظام في العاصمة دمشق بحديث لـ "العربي الجديد"، بأن "قرار السيطرة على بيت جن جاء ضمن الحملة الكبيرة للسيطرة على الغوطة الغربية". وأضاف أن "الغوطة الغربية هي منطقة ملحّة بالنسبة إلى حزب الله اللبناني الذي كان يضغط على النظام السوري لجعلها أولوية في معاركه، بسبب قربها من الحدود السورية اللبنانية. وهو ما يجعل الحزب مُسيطراً على طريقٍ بري وآمن من قلب العاصمة دمشق إلى البقاع اللبناني، عبر ريف حمص وجبال القلمون التي بات الحزب ينتشر بها بكثافة".

وأشار إلى أن "النسبة الكبرى من المقاتلين الذين اشتركوا في معارك بيت جن والغوطة الغربية ليسوا من قوات النظام، بل من عناصر حزب الله، وكانت أوامر القصف والعمليات العسكرية الشرسة تأتي بناءً على طلبٍ منهم".

وبلدة بيت جن من البلدات الصغيرة التابعة لناحية قطنا، في ريف دمشق، وبلغ عدد سكانها نحو 16 ألفا حتّى عام 2004 وفقاً لبيانات المكتب المركزي السوري للتعبئة والإحصاء. وسيطرت المعارضة عليها خلال سنوات النزاع السوري بعد محاولات قوات النظام دخولها. وقبل ثلاثة أشهر كانت المعارضة مسيطرة على ثلاث قرى وبلدات على هذا المحور وهي بيت جن، ومغر المير، ومزرعة بيت جن. ولكن بعد الحملة الشرسة للنظام بالأسلحة الثقيلة والبراميل المتفجّرة بات النظام قاب قوسين من السيطرة على كامل الغوطة الغربية في ريف دمشق، موسعاً نفوذه في واحدة من أهم المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق.

ومنذ سيطرة المعارضة السورية على بلدة بيت جن قامت قوات النظام بقطع المياه والاتصالات والكهرباء ومعظم الخدمات عن سكان المدينة، وتركتهم من دون أدنى مقوّمات الحياة. ما دفع المؤسسات والمدنيين داخلها للاعتماد على تأمين احتياجاتهم من المواد الأساسية من ريف القنيطرة. وبيت جن محاطة بمجموعة تلال، من يسيطر عليها يسيطر بشكلٍ فعلي على البلدة.