الجزائر والسعودية... اعتذار "الباندية"

الجزائر والسعودية... اعتذار "الباندية"

26 ديسمبر 2017
من الفعاليات المنددة بقرار ترامب في الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -
مجرد لافتة تثير عتباً سياسياً بين الجزائر والسعودية، والجهد الذي بذل لإصلاح العتب من رسائل وزيارات وتحقيقات كان كافياً ربما لحل أزمة أخرى كأزمة أسعار النفط. لم يرسم الجمهور الرياضي في الجزائر اللافتة المثيرة للجدل بكل تلك الحسابات السياسية والقراءات التي أعطيت لها ولتبعاتها، لكنه جسّد بعفوية كبيرة موقفاً شعبياً صادقاً، وترجم واقعاً سياسياً تحاول الحكومات أن تجمّل بعض تفاصيله. لا تخطئ الشعوب في مواقفها، ولا تضيع في الخطاب الزبائني، فقد كانت اللافتة الرياضية ترجمة لتصريح الشيخ عبد الرحمن السديس بأن الملك والرئيس المجنون هما قطبا السلام في العالم.

يسأل الجزائريون لماذا اعتذر رئيس حكومتهم للرياض عن لافتة صنعها الجمهور احتجاجاً على قرار الرئيس دونالد ترامب بشأن القدس والتخاذل العربي، عدت مسيئة للملك السعودي، ولماذا لم تحصل من الرياض في المقابل على اعتذار عن كتابات الشخصيات والأقلام السعودية المسيئة للجزائر شعباً وثورة وشهداء، ولم يتحرك السفير الجزائري في الرياض ليطلب كف قبح أقلام سعودية مقربة من القصر عن الجزائر، ولم ترد الرياض الاعتذار باعتذار.

إذا كانت اللافتة الرياضية مسيئة فعلاً، فإنه كان من باب العدل تقديم اعتذار أيضاً إلى الرئيس ترامب، فقد مسّه الضر أيضاً من اللافتة، وإذا كان من باب الخوف من التداعيات، فإن ترامب وواشنطن من يملكان أدوات الرد والانتقام أكثر من الملك والرياض، وإذا كان المبرر أن القانون يمنع الإساءة لقادة الدول، فترامب قائد لدولته المشؤومة أيضاً، لكن والأكثر قبحاً من الاعتذار وصف رئيس الحكومة الجزائري لجمهور بلاده بـ"الباندية"، وتعني المنحرفين، والأصح أن الحكومة هي التي انحرفت وتكلفت اعتذاراً لم يكن لائقاً في العرف الدبلوماسي أن يتم، وكان يمكن الاكتفاء بالأسف في أقصى الحالات. 

قد لا تصح المقارنة بين اعتذار رئيس الحكومة الجزائرية للرياض، وبين رد تونس للصاع صاعين على قرار الإمارات حظر سفر النساء التونسيات، لكل حدث سياقه وتفاصيله، لكن الجزائريين وجدوا في القصة التونسية الإماراتية مجالاً للمقارنة بين موقف الحكومة الجزائرية المتكلف والمتزلف للرياض، وبين الموقف التونسي الصامد - رغم متاعب تونس وحاجتها للمال الخليجي -، إزاء حالة ازدراء غير مقبول للمرأة التونسية. يقول الجزائريون إن الفارق في الموقف تصنعه شرعية الحكم، وفارق السند الشعبي والمشروعية الانتخابية النزيهة التي تتأسس عليها الحكومة في تونس، والخواء السياسي والشعبي الذي تقف عليه الحكومة في الجزائر، ففي الجزائر الحكومة في واد والشعب في وديان أخرى.

الحكومة الحريصة على إحساس وشعور الآخرين لا تراعي مشاعر شعبها الذي كان يريد أن يتظاهر ككل شعوب الدنيا لإبراز موقفه التضامني والأخلاقي. سيكتب التاريخ أنه بعد أسبوع من الغضب العربي اضطرت الحكومة تحت الضغط إلى السماح للجزائريين بالتظاهر، لكن داخل القاعات فقط.

المساهمون