العراق: عودة الاعتقالات العشوائية بذريعة "الخلايا الذائبة لداعش"

العراق: عودة الاعتقالات العشوائية بذريعة "الخلايا الذائبة لداعش"

24 ديسمبر 2017
تصاعدت وتيرة الاعتقالات في الفترة الأخيرة (علي محمد/الأناضول)
+ الخط -
تسود حالة من القلق والترقّب بين سكان المدن العراقية المحررة ومناطق وسط البلاد، خصوصاً العاصمة بغداد وحزامها الجنوبي والغربي، من حملات اعتقال عشوائية تستعد قوات الجيش والشرطة المحلية ومليشيات الحشد الشعبي لتنفيذها ضمن خطة رصد واعتقال ما بات يعرف بـ"الخلايا الذائبة لتنظيم داعش". ويقصد بهم عناصر التنظيم الذين تمكنوا من الإفلات والهرب خلال المعارك الأخيرة في المدن التي حررت عبر الاندماج بين النازحين وتغيير هوياتهم، استعداداً لمرحلة أخرى من العنف.


ويقول ضباط ومسؤولون في الاستخبارات والجيش العراقي إن المئات من هؤلاء لا توجد لهم قاعدة بيانات، بمعنى أنهم بايعوا تنظيم "داعش" خلال احتلاله المدن واستمروا معه ثمّ خرجوا بعد تحرير هذه المدن مع النازحين. وتسعى الاستخبارات إلى تجنيد قسم من السكان المحليين، الذين كانوا متواجدين في هذه المدن أيضاً، لمعرفة هويات وأسماء هؤلاء العناصر الذين يقدّر عددهم بنحو ألفي مقاتل، جميعهم من العراقيين، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين عراقيين.

ويكشف عقيد في الجيش العراقي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقال القوات العراقية النظامية ومليشيات الحشد الشعبي أكثر من ألف عراقي في نينوى وحدها، تمّ إطلاق سراح أكثر من نصفهم بعد التحقيق معهم لأيام عدة في مقرات الجيش وثكناته ومكاتب الحشد الشعبي في المحافظة الشمالية وعاصمتها الموصل. ويلفت إلى أن "حملات الاعتقال تأتي ضمن خطة وقائية لاكتشاف الخلايا الذائبة لداعش". ويؤكد أن "الحكومة في بغداد على علم بها، فهناك من كان يهتف لداعش في المدن والآن يهتف للجيش العراقي بعد دخوله إليها. لا يمكن الوثوق بأي أحد منهم".
ووفقًا للعقيد العراقي نفسه، فإنه "من بين كل 100 معتقل يتم التحقيق معه، نجد اثنين أو ثلاثة من أيتام داعش، سواء متعاونين أو متعاملين معه. وليس كل المواطنين متعاونين معنا في المجال الاستخباراتي بالبحث عن هؤلاء العناصر".


من جهتها، تؤكد مصادر أمن عراقية أخرى في محافظة الأنبار، غرب البلاد، القيام بالإجراء نفسه، لكن على نحو أقل، من خلال حملات دهم مفاجئة لمناطق بعينها وشنّ حملات تفتيش وبحث داخل المنازل والمزارع والأسواق التجارية فيها، واعتقال من يتم الشك به. ويصف أحد هذه المصادر معايير الاعتقال أو الشك بالشخص قبل اعتقاله، بعبارة "أي جندي في القوة المقتحمة لا يرتاح لشكل أحدهم، يقوم بوضعه بالإيفا"، أي سيارة الشحن العسكرية التي تستخدمها قوات الجيش خلال حملات الاعتقال.

كما يشير زعيم قبلي في حزام بغداد الغربي إلى قيام الجيش بعمليات اعتقال متفرقة في الأيام الماضية، موضحاً أنه تم إطلاق قسم من هؤلاء المعتقلين والإبقاء على القسم الآخر محتجزاً.

ولا تخلو عمليات الاعتقال تلك من الابتزاز المالي، إذ يضطر ذوو المعتقلين إلى دفع مبالغ مالية تصل إلى خمسة آلاف دولار لبعض الضباط أو الجنود الفاسدين، لإطلاق سراح أبنائهم، أو تقديم هدايا بسيطة لضمان عدم ضربهم في المعتقل خلال التحقيق.

ومطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، تمّ تجميد عمل نقيب في الجيش من قبل وزارة الدفاع وسحب رتبته العسكرية وإحالته إلى محكمة عسكرية، بعد ضبطه في واقعة مساومة لرجل اعتقل ابنه جنوب الموصل.


وتحاول السلطات العراقية من خلال حملات الاعتقال تلك معرفة من كان متعاوناً مع داعش ومن تعامل معه.

وحصلت "العربي الجديد" على إفادات من ضحايا تعرضوا للاعتقال الأسبوع الماضي وأطلق سراحهم في ما بعد. يؤكد هؤلاء أن قوات الجيش والشرطة الاتحادية والأمن الوطني فضلاً عن مليشيات الحشد الشعبي، هي التي تستخدم القوة، كالضرب والتعليق في سقف الغرف أو الترهيب باعتقال آخرين من أفراد عائلاتهم في حال لم يتعاونوا معها.

ويقول أحد هؤلاء الضحايا، ويدعى عبد الله محمد (26 عاماً)، من سكان بلدة شمال الموصل، إن مليشيات أيزيدية بصحبة قوة من الجيش العراقي اقتادته للتحقيق من منزله ليلاً. ويستكمل شهادته قائلاً: "تعرضت للضرب والشتم من قبل الجنود وأفراد المليشيا حتى الصباح. جاء ضابط وبدأ بالتحقيق معي وطرح أسئلة مثل أين كنت خلال فترة سيطرة داعش، ولماذا لم تخرج، ومن تعرف من أهل البلدة كانوا مع داعش، وأين وكيف ولمَ، وأسئلة كثيرة بالعشرات. بعدها قال لي يبدو أنك تكذب، واستمر التعذيب ليومين، ثمّ عاودوا التحقيق، فأجبت بالإجابات الأولى نفسها، وتم إطلاق سراحي بعد وصول دفعة معتقلين جديدة إلى الوحدة العسكرية التي كنت معتقلاً فيها". ويتابع الشاب "قررت العودة إلى كردستان كنازح مرة أخرى حماية لنفسي ولأهلي أيضاً".


إلى ذلك، نقلت وسائل إعلام عراقية محلية عن القيادية في "التجمع المدني للإصلاح"، فرح السراج، قولها إن "السلطة القضائية أقرّت بوجود 480 مخبراً سرياً كاذباً، وتم إلقاء القبض على كثرٍ منهم، لكن يجب أن يعاد التحقيق مع من تم اعتقالهم وإدانتهم".

من جانبه، يوضح رئيس مركز بغداد لحقوق الإنسان، الدكتور مهند العيساوي، أن المركز، وهو أحد المراكز العراقية المعتمدة في مجال رصد الانتهاكات الجارية في العراق، "يتابع بقلق متزايد تصاعد وتيرة الاعتقالات في الفترة الأخيرة في مناطق بالأنبار ونينوى وبغداد أيضاً".

ويلفت العيساوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود خشية "من عودة الأجهزة الأمنية إلى سياستها السابقة القائمة على اعتقال المدنيين بالاعتماد على وشايات المخبرين أو الشكاوى الكيدية، وهذا يدل على أن بعض الأجهزة الأمنية لا تزال تدار بأساليب طائفية، وأن المؤسسة الأمنية برمتها تفتقر إلى أي جهد استخباري مهني تعتمد عليه في مكافحة الإرهاب وخلاياه، فتلجأ إلى اعتقال المدنيين الأبرياء".

وحول ذلك، يقول النائب في البرلمان العراقي أحمد السلماني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قضية الاعتقالات العشوائية التي عادت اليوم يجب إيقافها فوراً، لكي يتسنى لنا بناء دولة حقيقية ومؤسساتية"، مضيفاً "هناك اعتقالات في محيط بغداد والمدن المحررة بلا مذكرات قضائية وبعيدة عن الدستور وعن حقوق الإنسان، والتعامل بهذه الطريقة غير صحيح أبداً، ولا ينم عن أخلاق الجيش الحقيقية ولا حقوق الإنسان التي يجب أن يتحلّى بها". ويلفت السلماني إلى أن "الاعتقالات تبرّر بأنها بحثاً عن داعش، لكن الكثير منها خارجة عن المهنية والأخلاق ولا تستند لأي سند قانوني أو أدلة جنائية وذات بعد طائفي".

المساهمون