حرب "حليفي صنعاء": من يلتهم الآخر؟

حرب "حليفي صنعاء": من يلتهم الآخر؟

صنعاء

صادق عبدالحق

avata
صادق عبدالحق
02 ديسمبر 2017
+ الخط -
لم تكن الاشتباكات التي بدأت منذ ظهر يوم الأربعاء 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بين "حليفي صنعاء"، الحوثيين وحزب المؤتمر الموالي لعلي عبدالله صالح، مفاجئة للكثيرين، إذ إن التحالف بينهما تحالف ضرورة لا أكثر وما عداه، فإن الاختلافات بينهما أكثر من مواطن الاتفاق، وصراعهما مؤجل لا أكثر، بحكم وقوفهما في جبهة قتال واحدة ضد الرئيس عبد ربه منصور هادي و"التحالف العربي" بقيادة السعودية.

بدأت القصة عندما هاجم الحوثيون جامع الصالح المجاور لميدان السبعين، حيث أقاموا مهرجاناً سياسياً بمناسبة ذكرى المولد النبوي، وحشدوا له من جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، وكان مبررهم تأمين المشاركين في الفعالية، لكن فعاليات سابقة لهم تمت من دون مهاجمة الجامع، ولم تحدث خلالها أية حوادث أمنية، وبالتالي فإن المبرر لم يكن مقنعاً.

وإذا كانت مهاجمة الجامع ضرورة أمنية كما قالت الجماعة في بيان أصدرته وزارة الداخلية التابعة لها (من دون علم الوزير)، فلم يكن هناك مبرر لمهاجمة منازل أبناء شقيق صالح (طارق ومحمد وعمار محمد عبدالله صالح)، بعد نجاح وساطة قبلية-عسكرية في وقف اشتباكات جامع الصالح وانسحاب المسلحين الحوثيين منه.

قبل أيام على الاشتباكات، استدعى طارق محمد عبدالله (قائد الحرس الخاص بالرئيس السابق ونجل شقيقه) بعض المقاتلين الموالين له من جبهة نجران على الحدود الشمالية مع السعودية إلى محيط منزله في صنعاء، وفق مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، وهذا يؤكد وجود استعدادات مسبقة من الطرفين، أو على الأقل توجّس من مهاجمة أحدهما للآخر. ومثّل طارق هدفاً بالغ الأهمية للحوثيين، وهو يتعرّض، منذ شهرين، لهجوم مستمر من قبل وسائل إعلامهم وبعض قياداتهم.

وطارق هو القائد الميداني الأقوى الموالي لصالح والمسؤول عن أمنه الشخصي، وسقوطه في أيديهم لا يعني فقط نهاية صالح المؤكدة، بل تفكك بقايا قوات الحرس الجمهوري التي يعمل على جمعها وإعادة تفعيلها. وهذه القوات هي أقوى تشكيلات الجيش اليمني الموالي لصالح ونجله أحمد، وسبق للحوثيين محاولة السيطرة عليها مرات عدة. كما أنّ الألوية التي كانت تحت قيادتها ثمّ وضعت في قوات الاحتياط الاستراتيجي بقيادة الراحل اللواء علي الجائفي، والذي قتلته طائرات التحالف في أكتوبر/تشرين الأول 2016 في حادثة القاعة الكبرى، لا زالت من دون قائد حتى الآن منذ مقتل الأخير، نتيجة خلافات بين الطرفين بشأنها.

وإذا كانت هذه الاشتباكات قد ظهرت إلى العلن، فإنها ليست الأولى التي تحدث على الأرض بين الحليفين، بل كان أولها قد حدث بعد دخول الحوثيين صنعاء، وظلّت سراً لم يكشف عنه حتى الآن، وذلك من قبل مسلحين تابعين للقيادي الحوثي عبدالله الحاكم المشهور بـ"أبو علي الحاكم"، والذي أرسل مسلحيه للترصد لموكب صالح ومهاجمته، لكن الأجهزة الأمنية للأخير اكتشفت الأمر وعبرت بموكبه طرقاً مختلفة. وبعد وصوله لمقصده، أرسل صالح أفراداً من القوات الخاصة إلى الحاكم وقاموا بإحاطته وإطلاق الرصاص قريباً منه، في رسالة تهديد واضحة بأن عودته لهكذا تصرف سوف تنهي حياته. وعيّن الحوثيون أخيراً الحاكم رئيساً لدائرة الاستخبارات العسكرية، بعد أن قاد معاركهم في صنعاء وعمران، وكان قد شمله قرار العقوبات الأممي بالمنع من السفر وتجميد الأرصدة عام 2014.

خلافات أخرى وصلت حد الاشتباك في قيادة الحرس الجمهوري حين اقتحمه عبد الخالق الحوثي، شقيق زعيم جماعة الحوثيين، في محاولة لإخضاعه لأوامره، لكن صالح لم يكن يفضّل الكشف عن هذه الخلافات للإبقاء على تحالفه مع الحوثيين قائماً، وعدم فتح ثغرة لشقه في الوقت الراهن، كما يؤكد في خطاباته بشكل مستمر، حتى في ذروة تبادل الخطابات الهجومية في أغسطس/آب الماضي.

ويضغط الحوثيون على صالح لعدم الظهور الإعلامي، وهو غاب عن المشهد فعلاً طوال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ليظهر بقوة يوم السبت لينعى نهائياً تحالفه مع الحوثيين، وقبل يومين من إقامة الحوثيين فعالية المولد النبوي وبدء الاشتباكات مع قوات موالية له، ظهر في خطاب دعا فيه السعوديين للسلام مخاطباً إياهم بـ"الأشقاء". لكنه في الخطاب نفسه أشار إلى استمرار تحالفه مع الحوثيين ودعا الإعلاميين من حزبه للتهدئة وعدم الرد على تجاوزاتهم، وأيضاً أكّد على أنّ المجلس السياسي الأعلى، المكوّن من حزبه ومن حلفائه الحوثيين مناصفة، هو السلطة الشرعية للبلاد وليس هادي، قبل أن يعود يوم السبت ليعتبر أن البرلمان هو صاحب الشرعية، وهو الذي يمتلك فيه حزبه غالبية المقاعد.



في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتقل الحوثيون رئيس فرع المؤتمر في مديرية همدان (شمال غرب العاصمة) وهي المنفذ الذي دخل منه الحوثيون صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 2014، واتهموه بالتنسيق مع قائد حراسة صالح وذراعه الأقوى، طارق محمد، لإثارة الفتنة، والتواصل مع السعودية، ولم يفرجوا عنه إلا بوساطات قبلية بعد أسابيع من الاعتقال.

وكانت التوترات قد طفت على السطح في أغسطس الماضي عند جمع حزب المؤتمر لحشود ضخمة إلى العاصمة في ذكرى تأسيسه، وقد حاول الحوثيون منعها بشتى الطرق، واتهموا صالح يومها باستغلال المناسبة لإدخال مسلحين موالين له إلى العاصمة للسيطرة عليها، لولا تدخل أمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصر الله لتهدئة الموقف.

يدرك الحوثيون أن العقبة الأخيرة أمام إحكام قبضتهم المطلقة على شمال اليمن هو حزب المؤتمر وصالح، فعدم تحقيق التحالف العسكري بقيادة السعودية انتصارات استراتيجية في شمال البلاد شجّعهم على تصدر المشهد منفردين، بعد أن قاموا باستقطاب قيادات قبلية وعسكرية وسياسية كثيرة خلال ثلاثة أعوام من السيطرة على السلطة، وعدم المشاركة الفعلية من قبل المؤتمر فيها إلاّ بشخصيات من الصف الثالث، سواء في الحكومة أو المجلس السياسي، وذلك لتحميلهم مسؤولية الفشل في إدارة البلد.

خلال نوفمبر، وصلت مشاعر النقمة ضد الحوثيين، كسلطة أمر واقع، إلفى ذروتها من قبل المواطنين، مع ممارسات القمع والفساد الصارخ من قبل قياداتهم، مستندين إلى القوة والإجبار، لدرجة اقتحامهم مكاتب وزراء من حلفائهم في حزب المؤتمر مرات عدة، وهي بيئة مثالية لأية مواجهة ضدهم يقوم بها صالح، خصوصاً مع تذمّر أعضاء المؤتمر بشدة من صمت حزبهم أمام ممارسات الحوثيين، بينما صالح يؤجّج هذه النقمة ويصعدها بشكل غير مباشر.

ومع كل يوم يمرّ من سلطة الحوثيين، يسيطرون أكثر. واستمرار صمت المؤتمر أمام ذلك سيؤدي لالتهامه مهما تأخّر الأمر. إلا أن صالح، حسب مؤشرات كثيرة، لا يزال يحتفظ بعتاد الحرس الجمهوري في أماكن سرية لم يصل إليها الحوثيون، وهي أحدث الأسلحة التي امتلكها الجيش اليمني خلال العقود الأخيرة. ولا يزال معسكر ريمة حميد جنوب غرب العاصمة، حصناً منيعاً لم تصله الجماعة حتى اليوم، رغم استيلائها أخيراً على معسكر ضبوة، إلا أنّ سياسة إفراغ المعسكرات قبل تسليمها حدّت من أهمية ذلك.

ويمثل جامع الصالح رمزاً خاصاً بصالح، وقد فشل هادي في الاستيلاء عليه منتصف 2014 رغم أنه رسمياً يتبع الدولة ويستلم موازنته منها، كون موقعه يطل مباشرة على ميدان السبعين، ويبعد فقط مئات الأمتار عن دار الرئاسة وتتبعه مساحات واسعة تمتد تحتها أنفاق سرية تربطه بالرئاسة والأمن المركزي كما يشاع. وقد رفضت قوات الأمن المركزي القريبة منه المشاركة في هجوم الحوثيين على الجامع في الاشتباكات الأخيرة، وهذا يعني أن نفوذ صالح فيها لم يزل قوياً.

ولا يزال جنوب العاصمة إجمالاً مربعاً تابعاً لصالح، ومناطق سيطرة الحوثيين في العاصمة هي تقريباً مناطق سيطرة الجيش الموالي للثورة الشبابية في 2011. فتمركز الحوثيين يقع في شمال العاصمة في منطقة الجراف المجاورة لمطار صنعاء الدولي تحديداً، كما أنّ المعسكرات التي سيطروا عليها بسهولة عند دخولهم صنعاء كانت موالية للواء علي محسن الأحمر، أمّا معسكرات صالح القوية، فلم يسيطروا عليها وإن زرعوا أذرعهم فيها بشكل أو بآخر. وهذا المربع الجنوبي يضم أهم مواقع السيطرة العسكرية ومخازن السلاح الهامة المعروف منها والسري، كونه الأقرب لمنطقة صالح في مديرية سنحان جنوب غرب العاصمة.

ويبدو أن جماعة الحوثيين قد اتخذت قرارها بالتخلّص من صالح في كل الأحوال، فهي تخشى انقلابه عليها، وهو ما حصل فعلياً يوم السبت، ولكن لا بدّ من قطع أذرعه القوية أولاً وأبرزها نجلا شقيقه (طارق ومحمد محمد عبدالله صالح). وقد قام طارق محمد بتجنيد آلاف الشباب فيما سماه "معسكر الشهيد الملصي" بعد أن ترك الساحة للحوثيين لتجنيد عشرات الآلاف وإلحاقهم بدورات ثقافية خاصة تتضمن محتوى عقائدياً أكثر منه عسكرياً منذ بداية الحرب.

وهذه الكتائب التي تتخرّج من معسكر الملصي تؤرق الحوثيين كثيراً، فهي تقوم بسحب البساط من تحت أقدامهم في السيطرة المادية والمعنوية على الجيش، رغم قيام الحوثيين أخيراً بضم آلاف المسلحين التابعين لهم تحت اسم "اللجان الشعبية"، رسمياً إلى الجيش. فوزارة الدفاع من نصيبهم في حكومة الإنقاذ بصنعاء.

قبائل طوق صنعاء ما زالت إلى حدّ كبير موالية لصالح رغم اختراقات الحوثيين المتعددة لها، إلا أن القبيلة بطبيعتها نفعية وذكية وحساسة جداً لتحولات الصراع، وبالتالي قد يمتنع مشايخ تلك القبائل عن مساندة صالح بالقتال المباشر ضد الحوثيين رغم نقمة الكثير منهم على الأخيرين، نتيجة ممارساتهم والحد من نفوذ غير الموثوقين كلياً، وذلك لعدم ثقتهم في أن صالح قد اتخذ قراره النهائي بالمواجهة بشكل لا يؤدي إلى الصلح، وبالتالي تركهم كفرائس منفردة يقوم الحوثي لاحقاً بالانتقام منها كما حدث مع قبائل صعدة خلال الحروب الستة بين الحوثيين والدولة. وإذا حصلت القبائل على تأكيدات بهذا الشأن، قد تتشجع لمواجهة الحوثيين في مناطقها.

وعكست البيانات التي صدرت عقب الاشتباكات من الطرفين حدة الصراع، ووصوله إلى مرحلة حرجة، وكان لافتاً فيها تعامل الحوثيين كدولة في خطابهم، واتهامهم لحليفهم (المؤتمر) بأنه مليشيات خارج القانون، وهو الوصف الذي استخدمه صالح ضد الحوثيين في أغسطس الماضي. وقد احتشد المصلون يوم الجمعة في جامع الصالح بكثرة، وهتف بعضهم عقب الصلاة "لا حوثي بعد اليوم"، في دلالة على استرجاع زمام القوة من قبل المؤتمر ونجاحه في ردع الحوثيين الذين تعرضوا لخسائر بشرية أكثر منه، لكنهم أمام احترافية القوات الموالية لصالح قتالياً يتمتعون بالقدرة على التضحية البشرية أكثر، وهذا عامل قوة لهم، ومن المؤكد أنهم لن يقروا بالهزيمة وسيعاودون إثارة الصراع المسلح مع المؤتمر عاجلاً أم آجلاً.

ومن المحتمل أن يلجأ صالح لإشغال الحوثيين وتشتيتهم في جبهات متعددة بمناطق قبلية خارج العاصمة، ولن يلجأ لحشد القوات الموالية له من الحرس والقوات الخاصة للقتال بكثافة داخل العاصمة، مخافة استهدافهم من قبل التحالف، وهذا يتوقّف على مدى تنسيق كل منهما مع طرف في التحالف كما يتبادلون الاتهامات. فبينما يتهم الحوثيون صالح بالتنسيق مع الإمارات، يتهمهم موالون للأخير بالتنسيق مع السعودية التي تتخذ موقفاً عدائياً حاداً من صالح، لكن الأخير مازال يحتفظ بأوراق قوية لخوض حرب تصفية مع حلفائه ــ الأعداء، وهو مخترق للجماعة عبر أجهزته ورجاله الذين أوعز إليهم الانخراط في صفها منذ ما قبل الصراع الراهن. وإذا كان الموقف الدولي قد يميل للحوثيين لاستمرار توظيفهم كفزاعة لحلب بقرة الأموال السعودية، فإن الموقف الشعبي يخدم صالح وحزب المؤتمر بقوة حتى من قبل خصومهم الموالين لهادي في الوقت الراهن.

ذات صلة

الصورة
11 فبراير

سياسة

تحيي مدينة تعز وسط اليمن، منذ مساء أمس السبت، الذكرى الثالثة عشرة لثورة 11 فبراير بمظاهر احتفالية متعددة تضمنت مهرجانات كرنفالية واحتفالات شعبية.
الصورة

سياسة

تستمر قوات الاحتلال في اقتحام البلدات والمدن الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية، في وقت يخوض فيه مقاومون فلسطينيون اشتباكات مع تلك القوات المقتحمة.
الصورة
موانئ ماليزيا/Getty

اقتصاد

تتسع رقعة حرب الملاحة البحرية ضد السفن الإسرائيلية وغيرها التي تبحر نحو دولة الاحتلال، ولكن هذه المرة ليس في البحر الأحمر الذي يشهد هجمات مكثفة من قبل الحوثيين.
الصورة
ميناء أشدود/Getty

اقتصاد

انعطفت الأسواق الإسرائيلية سريعاً نحو أوروبا، وسط نقص وتأخير في السلع القادمة من آسيا تحديداً، بسبب استهداف الحوثيين المكثف للسفن المتجهة إلى إسرائيل.