هل دخل قطاع غزة مرحلة الفراغ الأمني؟

هل دخل قطاع غزة مرحلة الفراغ الأمني؟

19 ديسمبر 2017
يتواصل القصف الإسرائيلي على غزة (عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -


تشير الوقائع الميدانية على الأرض، وتوالي إطلاق الصواريخ محلية الصنع من قطاع غزة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى ما كانت تحذر منه "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، في أغسطس/ آب الماضي، من حدوث فراغ أمني وسياسي في القطاع الساحلي المحاصر، للضغط على الأطراف جميعاً من أجل التحرك وإنهاء المأساة التي يعيشها مليونا فلسطيني. وكانت "القسام" لوّحت سابقاً، في خطة قدّمتها لقيادة "حماس" السياسية، بإحداث فراغ سياسي وأمني في غزة، قد يفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات، بما في ذلك حدوث مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي. ورغم ذلك، لا تبدو "حماس" راغبة في الذهاب إلى مواجهة مع الاحتلال في هذا التوقيت، وهي معنية أكثر من أي وقت مضى بإطالة أمد الهدوء وإن كان نسبياً، لكنها لا تعمل في الميدان كما كانت في السابق لمنع إطلاق الصواريخ "العشوائية"، وفق الاتفاق الوطني لضبط حالة المقاومة المتفق عليه بعد عدوان 2014.

على الأرض، تستمر معاناة مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع، رغم المصالحة وتمكين حكومة الوفاق الوطني من القيام بمهامها، ولا يُعرف حتى الآن إن كانت السلطة الفلسطينية جادة في إتمام مراسم المصالحة أم أنها تنتظر تحولاً ميدانياً لتحل نفسها من الالتزامات. وما يدفع للاعتقاد برغبة "حماس" في إرسال رسائل مختلفة من خلال غضها الطرف عن إطلاق الصواريخ ودعمها العلني للحراك الجماهيري على الحدود، إلى كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر أيضاً، حديثها المتكرر عن "فاتورة حساب" ترتفع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتأكيدها ضرورة إنهاء المعاناة القاسية لسكان غزة.

ومع ما يقوله الميدان، واستمرار المعاناة، وإطلاق الصواريخ شبه اليومي على الأراضي المحتلة، والرد الإسرائيلي العنيف عليها وعلى الحراك الجماهيري، تبدو غزة مرشحة لكل الاحتمالات، بما فيها الذهاب إلى معركة مع إسرائيل، لا يرغب أي طرف في الذهاب إليها، لكن الأوضاع قد توصل إليها من دون إرادة أي من أطرافها الرئيسيين.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك حالة من التساهل في العديد من الملفات الأمنية التي كانت "حماس" تمنعها خلال فترة حكمها للقطاع، كظاهرة إطلاق الرصاص في الأفراح والمناسبات الخاصة، كل هذا إلى جانب غض الطرف عن إطلاق الصواريخ، مشيراً إلى أنّ هذه الأمور "رسائل أمنية بغلاف سياسي".


غير أنّ عوكل يوضح أنه من الصعب أن تصل الأمور إلى مرحلة الفراغ الأمني كما الفراغ السياسي في القطاع، رغم كون حركة "حماس" لا تمنع إطلاق الصواريخ، كما أنها لا تبادر بإطلاقها باتجاه المدن والبلدات المحتلة. ويشير إلى أن استمرار إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه الأراضي المحتلة عام 1948 يحمل رسائل محدودة توجّهها حركة "حماس" لا تؤدي إلى انفجار الأمور ووصولها إلى مرحلة الحرب، وهذه الرسائل مخصصة بدرجة أولى للسلطة الفلسطينية في ظل عدم التقدّم في ملف المصالحة وتنفيذ الاتفاق الأخير، ما يعني أن الحركة قد تمضي لتنفيذ رؤيتها الذاتية في موضوع ملف القدس.
ويرى أنه من المستبعد بشكل كبير الذهاب نحو حالة الفراغ الأمني، رغم حالة التباطؤ الواضحة في تنفيذ المصالحة والعقبات التي تعترض تنفيذها، وذلك بفعل إدراك الجميع أن المرحلة الحالية هي مرحلة صراع مفتوحة مع الاحتلال بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.

من جهته، يستبعد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن تكون ظاهرة إطلاق الصواريخ الحالية باتجاه البلدات والمدن المحتلة عام 1948 القريبة من قطاع غزة ضمن سياق الفراغ الأمني الذي لمّحت إليه "كتائب القسام" قبل فترة. ويقول المدهون لـ"العربي الجديد"، إنه من المبكر الحديث عن حالة الفراغ الأمني خلال الفترة الحالية، لكن واقع الحصار المشدد الذي يعيشه القطاع للعام الحادي عشر على التوالي وواقع القدس بعد قرار ترامب، يجعلان عملية ضبط الميدان صعبة في ظل زيادة الدافعية بإطلاق الصواريخ.

ويضيف أنه لا تزال هناك نية لدى حركة "حماس" التي تدير الملف الأمني بشكل كامل في القطاع، بضبط الصواريخ وإطلاقها رغم استمرار عمليات الإطلاق خلال الأسبوعين الماضيين، خصوصاً أن الحالة الأمنية في غزة مستقرة وتحت السيطرة بشكل كبير. لكن المدهون يستدرك على ذلك بقوله إن استمرار الحصار المفروض على القطاع وتعطّل عملية المصالحة وعدم تحمل السلطة مسؤولياتها تجاه غزة بالإضافة إلى الواقع في القدس المحتلة، من الممكن أن يؤدي إلى تدحرج الأمور وانفلاتها نحو الانفجار.

ويوضح الكاتب والمحلل السياسي أن حركة "حماس" غير معنية بمواجهة جديدة، لا سيما في ظل الواقع الإقليمي وعدم رغبة حتى الإقليم بأي انفجار في القطاع، لكن استمرار الحصار على غزة وحالة الفراغ وتعقّد الأمور في القدس قد تكون أسباباً للانفجار. ويؤكد أن "حماس" معنية باستمرار الحراك الشعبوي الجماهيري في القطاع كونه يواكب الحراك القائم في الضفة الغربية والعواصم العربية والإسلامية والعالمية، والذي من شأنه في حالة انفجار الأوضاع الأمنية في غزة أن يتلاشى كلياً.