انتخابات لبنان في الخارج: حسابات سياسية وطائفية بطلها المغتربون

انتخابات لبنان في الخارج: حسابات سياسية وطائفية بطلها المغتربون

19 ديسمبر 2017
يُنتخب المجلس النيابي الجديد في 6 مايو (بلال جاويش/الأناضول)
+ الخط -



تبدو السلطات اللبنانية مصرة على إجراء الانتخابات التشريعية في 6 مايو/أيار 2018، بعد انتهاء "قضية" رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، من استقالة في السعودية والعودة عنها في لبنان بين نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وديسمبر/كانون الأول الحالي. وتشدّد السلطات دائماً على أولوية إجراء الانتخابات في ظلّ قانون انتخابي جديد، على أساس النسبية في 15 دائرة انتخابية، للمرة الأولى في لبنان. قانون يسمح للمغتربين اللبنانيين بالاقتراع في السفارات والقنصليات المعتمدة في الخارج، شرط أن يكونوا قد أرسلوا بياناتهم للمشاركة في الانتخابات، قبل تاريخ 20 نوفمبر الماضي. وهو ما حصل مع إعلان وزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، أنه "تمّ تسجيل 92810 ناخبين". إعلان باسيل لا يعني أن الجميع سيقترع، ذلك لأن مصادر متابعة ذكرت أن "إجمالي المغتربين الذين سيقترعون يبلغ نحو 80 ألفاً، وهناك بضع مئات من الأسماء يجري التدقيق فيها"، ما يعني أن هناك أكثر من 10 آلاف شخص من المسجلين لن يُسمح لهم بالانتخاب لعدم استيفاء الشروط المطلوبة.

العملية الانتخابية أطلقها رسمياً وزير الداخلية، نهاد المشنوق، يوم الجمعة الماضي، مع توقيعه مشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للبنانيين المقيمين في لبنان والمنتشرين في 40 دولة وإحالته على الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، مشيراً إلى أن "العملية الانتخابية ستجري يوم الأحد في 6 مايو 2018 في كل لبنان. أما في دول الانتشار فستتم خلال يومين مختلفين، يوم الأحد في 22 إبريل/نيسان في عدد من الدول، ويوم الجمعة في 28 إبريل، في دول أخرى بالاستناد إلى العطل الرسمية في هذه البلدان".

أرقام المقترعين وتوزّعهم المذهبي والجغرافي عامل في غاية التأثير في بلد كلبنان، فبناء على آخر انتخابات نيابية أُجريت في 7 يونيو/حزيران 2009، فقد تمّ استقدام نحو 110 آلاف لبناني من الاغتراب، سواء طوعياً أو عبر التكفّل بمصاريف السفر والإقامة بغية حسم الانتخابات التي كانت طاحنة بين معسكري 14 آذار و8 آذار. وقد حسم هؤلاء عدداً من الدوائر المفصلية، كزحلة وبيروت والشمال لمصلحة طرف دون آخر. وحينها كان القانون المعمول به هو قانون 1960 والمعدّل عام 2008، القائم على أساس الأكثرية: "الفائز يأخذ كل شيء".



القانون الحالي، عدّه الكثير من الخبراء بمثابة "فخ" للجميع، خصوصاً بوجود "الصوت التفضيلي"، العنصر الأكثر تأثيراً في نتيجة أي انتخابات. في الواقع، إن القانون الجديد لا يسمح بالتشطيب بين اللوائح، فإما تقترع للائحة كاملة أو لا تقترع. مع ذلك فإن القانون يسمح بالاختراق بين اللوائح بفعل "الصوت التفضيلي"، فمن الصعب للغاية أن تحسم لائحة بكاملها نتيجة دائرة انتخابية، ما لم ترفع نسب اقتراعها بما يسمح بتجاوز "الحاصل الانتخابي" أولاً، والاعتماد على الصوت التفضيلي ثانياً، المُلزم باختيار الناخب مرشحاً مفضّلاً لديه. ما يعني حكماً أن لائحة من 6 مرشحين (3 من الطائفة المارونية، اثنين من الطائفة الشيعية، واحد من الطائفة الدرزية)، في دائرة بعبدا مثلاً، لن تنجح بكاملها. ففي انتخابات عام 2009 بلغ عدد المقترعين في هذه الدائرة 84546 من أصل 151590 ناخباً. وإذا تمّ إسقاط عملية الاقتراع على الوضع الحالي، يُقسم عدد المقترعين على عدد المقاعد في الدائرة، والنتيجة تكون الحاصل الانتخابي. أي أنه في بعبدا، وفقاً لاقتراع 2009، يكون الحاصل الانتخابي 14091 صوتاً. بالتالي فإن على الفائز تجاوز الحاصل الانتخابي كي يفوز. الآن، في الدائرة المختلطة طائفياً، فإن "الصوت التفضيلي" في غاية الأهمية، ذلك لأن 4 موارنة أو 3 شيعة أو درزيين، قد يتجاوزون الحاصل الانتخابي في بعبدا وفقاً لفوز لائحتهم، وهنا يأتي دور "الصوت التفضيلي"، الذي يكون بموجبه الناخب في بعبدا قد اختار مرشحه المفضل من بين المرشحين الزائدين عن المطلوب مذهبياً. وهو ما يحسم النتيجة. وما ينطبق على بعبدا ينطبق على كل الدوائر.

حتى الآن، لم تنه وزارة الداخلية ملف المغتربين، في ظلّ تساوي أعداد أصوات المذاهب المسيحية مع أصوات المذاهب المسلمة، لكن المصادر تكشف أن تركيز أصوات الناخبين المسيحيين هي في دوائر المتن الشمالي (جبل لبنان)، ودائرة الشمال الثالثة (البترون، الكورة، بشري، زغرتا)، وزحلة (البقاع)، أما أصوات الناخبين المسلمين، فصبّت بمعظمها في دائرة صور ـ الزهراني، ودائرة (بنت جبيل، النبطية، حاصبيا، مرجعيون).

ارتفاع نسبة الأصوات المسيحية في دائرة الشمال الثالثة يعود لسبب أساسي، وهو أن الدائرة تضمّ 3 مرشحين مفترضين لرئاسة الجمهورية، وهم باسيل، ورئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. مع العلم أن باسيل وجعجع، جالا في بلدان الاغتراب اللبناني، المسيحي الشمالي خصوصاً، تحديداً في أستراليا، لرفع نسبة المقترعين، بما يسمح برفع الحاصل الانتخابي، وتسجيل انتصارات "ساحقة" استناداً إلى الأصوات التفضيلية.



أما في المتن الشمالي، فإن رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" سامي الجميل، في حاجة إلى كل صوتٍ، اغترابي أو غيره، حتى أنه عاد والتقى رئيس حزب القوات اللبنانية السابق، فؤاد أبو ناضر (أحد أبرز المقاتلين اليمينيين في حرب لبنان الأهلية 1975 ـ 1990)، في سياق الحصول على أعداد إضافية من المقترعين، ذلك لأن المتن الشمالي المعروف بكونه "مصنع الأحزاب"، يعدّ بمثابة "كمينٍ" لكل مرشح. فتنوّع المقاعد (4 موارنة، 2 أورثوذكس، 1 روم كاثوليك، 1 أرمن أورثوذكس)، يجعل من حزب "الطاشناق" الأرمني مثلاً، قادراً على تأمين فوز مرشحه الوحيد، فـ"الطاشناق" معروف بقدرته في القوانين الأكثرية، على تجيير الأصوات في كتلة واحدة بين 8 آلاف و12 ألف صوت. والجميع كان يرمي للتحالف معه في المتن، من التيار الوطني الحر بقيادة رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب ميشال المرّ (الرجل الأقوى منفرداً في المتن)، أما الآن، فإن "الطاشناق" بوسعه اللعب منفرداً في "الصوت التفضيلي".

أما لدى أصوات المسلمين، فالمناطق التي شهدت ارتفاعاً في التسجيل هي مناطق واقعة في إطار نفوذ الثنائي حزب الله وأمل، بما يعني أن الأمر عبارة عن مسعى منهما لرفع الحاصل الانتخابي، منعاً لأي اختراقٍ لصفوفهما، أو أنه هناك من تسجّل من الخارج اقتناعاً منه بتحقيق الاختراق في تلك المناطق. والغريب أن الناخبين اللبنانيين في الاغتراب، يبلغ عددهم نحو 900 ألف ناخب، غير أنه لم يسجّل منهم سوى 92810 كحدّ أقصى، أي نحو 10 في المائة فقط، في صورة تلخّص عدم اهتمام لبنانيي الخارج بالانتخابات من جهة، وعدم اهتمام دول الاغتراب بحدّ ذاتها بالانتخابات اللبنانية من جهة. فلو شاءت الولايات المتحدة التأثير على انتخابات لبنان، لكانت دفعت بـ200 ألف ناخب محتمل للتصويت في الانتخابات، بما كان يفترض أنه سيؤثر على المعادلات السياسية. وأيضاً، فإن هناك من المقترعين اللبنانيين في الاغتراب ممّن لم يتسجلوا بغرض التصويت في الخارج، لكن في وسعهم التأكد من ورود اسمهم على لوائح الشطب قبل شهرين من موعد الانتخابات، والقدوم إلى لبنان للاقتراع، في صورة شبيهة بانتخابات عام 2009.




دلالات