حرب عصابات في دير الزور... وحملة "تعفيش" للنظام ومليشياته

"داعش" يشن حرب عصابات في دير الزور... وحملة "تعفيش" للنظام

18 ديسمبر 2017
وضع إنساني مأساوي في ريف دير الزور(إبراهيم يوسف/فرانس برس)
+ الخط -


لم تهدأ وتيرة المعارك في ريف دير الزور الشرقي، حيث لا يزال تنظيم "داعش" يمتلك القدرة على شن هجمات تستنزف قوات النظام السوري والمليشيات التي تساندها، خصوصاً في محيط مدينة البوكمال الواقعة على الحدود السورية العراقية، كما لا يزال التنظيم يحتفظ بوجود شمال نهر الفرات، وهو ما ينفي مزاعم النظام و"قوات سورية الديمقراطية" التي تدعمها واشنطن عن "تطهير" كامل دير الزور من تنظيم "داعش".

وجزمت مصادر محلية أن تنظيم "داعش" لا يزال موجوداً في ريف دير الزور الشرقي على الضفة الغربية للفرات، وأن إعلان قوات النظام، وحلفائه الروس والإيرانيين السيطرة على المنطقة التي تقع جنوب نهر الفرات "كان إعلاناً كاذباً"، مضيفة: "يقوم التنظيم بين فينة وأخرى بضرب قوات النظام والمليشيات التابعة لها ضربات موجعة". وأشارت المصادر في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن مسلحي التنظيم هاجموا منذ أيام مدينة البوكمال وسيطروا على منطقتي الصناعة وصوامع الحبوب، فيما ذكرت مصادر إعلامية أن التنظيم شنّ هجوماً واسعاً السبت على مواقع قوات النظام والمليشيات المساندة لها في مناطق السيال والحسرات والجلاء في ريف دير الزور الشرقي. وأشارت المصادر إلى مقتل واصابة أكثر من عشرين عنصراً من مليشيا "لواء القدس" التي تساند قوات النظام، فضلاً عن تدمير عدد من العربات العسكرية.

وكان تنظيم "داعش" قد انسحب أخيراً من ريف دير الزور الشرقي المترامي الأطراف إلى مواقع له في البادية السورية، حيث اتخذ منها منطلقاً لشن حرب عصابات على قوات النظام التي تكبّدت منذ سيطرتها على مدينة البوكمال قبل أكثر من شهر خسائر فادحة في أرواح مسلحيها. كما أكدت المصادر نفسها أن التنظيم لا يزال يحتفظ بوجود له شمال نهر الفرات وهو ما ينفي تأكيدات "قوات سورية الديمقراطية" أنها سيطرت على كامل ريف دير الزور الشرقي شمال النهر.

وأشارت المصادر إلى أن المعارك متوقفة بين التنظيم و"سورية الديمقراطية" منذ سيطرة الأخيرة على قرية أم الحمام. من جهتها، أعلنت "سورية الديمقراطية" أمس الأحد أنها سيطرت على قرية جرس شرقي، والواقعة جنوب شرقي مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي، مشيرة إلى أنها قتلت 42 من مسلحي تنظيم "داعش"، واستولت على أسلحة وذخيرة. وكانت هذه القوات قد أعلنت أنها سيطرت خلال حملة "عاصفة الجزيرة" على أغلب ريف دير الزور الشرقي شمال النهر، بما فيه من آبار ومحطات تجميع نفط وغاز، وأبرزها حقل العمر والتنك وسيجان والجفرة. كما كانت ذات القوات تحدثت بداية الشهر الحالي عن سيطرتها على ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، ولكن الوقائع الميدانية تنفي هذا الإعلان، وتؤكد أن التنظيم لا يزال موجوداً في شمال النهر وجنوبه، رغم أنه فقد زمام المبادرة والقدرة على المناورة وتنظيم صفوفه مرة أخرى بشكل يسمح له بالعودة بشكل فاعل في صراع لم ينته بعد على ثاني المحافظات السورية لجهة المساحة والتي تتعدى الثلاثين ألف كيلومتر مربع.


ولا يزال مصير محافظة دير الزور غير مكتمل المعالم، إذ تتقاسم السيطرة عليها قوات النظام ومليشيات إيرانية مدعومة من الروس من جهة، و"قوات سورية الديمقراطية" من جهة أخرى. ومن الواضح أن صراعاً آخر لن يتأخر سينفجر بين القوتين، خصوصاً أن "سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، أعلنت أنه ليس لديها خطط للانسحاب من مناطق سيطرت عليها، مشيرة إلى أنها "ستقوم بإنشاء مجالس إدارية محلية تتألف من شخصيات بارزة في المنطقة من الأكراد والعرب، وسوف تدير آلية الإدارة وفقاً لمبادئ الديمقراطية ومبادئ السلام"، بحسب بيان صادر عنها. والغالبية المطلقة من سكان دير الزور وريفها هم من العرب، وليس هناك أي وجود كردي داخل الحدود الإدارية لدير الزور وهو ما يثير مخاوف سكان محليين إزاء مستقبل المحافظة، من المتوقع أن يحاول النظام الاستثمار فيها.

وفي موازاة هذه التطورات الميدانية، تقوم قوات النظام ومليشيات تقاتل معها بحملة منظّمة من نوع آخر بدأت منذ أكثر من شهر، لسرقة كل شيء في مدن وبلدات دير الزور. وذكرت مصادر محلية أن قوات النظام ومليشيات موالية لها "نهبت مدن دير الزور والميادين والبوكمال والبلدات والقرى في ريف دير الزور الشرقي"، مشيرة إلى أن شاحنات كبيرة تنقل المسروقات من دير الزور وريفها إلى سوق كبير أقامه "الشبيحة" في بلدة السفيرة جنوب شرقي مدينة حلب. وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أن عناصر الاستخبارات الجوية التابعة للنظام "هم من يتولى حماية المسروقات حتى وصولها إلى الأسواق المقصودة". وأكد شهود عيان أن أغلب المسروقات هي "مد عربي"، و"حرامات"، ومولدات كهرباء، وأجهزة كهربائية منزلية.
ولم يعد السوريون يستغربون هذه الأفعال من قبل قوات النظام والمليشيات التي تساندها، إذ دأبت منذ عام 2011 على "تعفيش" المناطق التي تدخلها، فانتشرت ظاهرة أسواق الأغراض المسروقة في مناطق سيطرة النظام وخصوصاً في الأماكن ذات الأغلبية العلوية في الساحل السوري ومناطق أخرى، التي يُباع فيها ما يُسرق من قبل شبيحة النظام ومواليه.

إلى ذلك، أكدت المصادر نفسها أن الوضع الإنساني في ريف دير الزور الشرقي "مأساوي"، مضيفة: "نزح غالبية المدنيين عن المنطقة الواقعة جنوب النهر التي يطلق عليها السكان المحليون تسمية الشامية وباتت تحت سيطرة قوات النظام". وأشارت المصادر إلى أن قوات النظام والمليشيات تقوم بعمليات انتقام واسعة النطاق ما دفع المدنيين إلى النزوح إلى منطقة الجزيرة شمال النهر التي تقع تحت سيطرة "سورية الديمقراطية" والتي تعامل النازحين بشكل أفضل.

وأوضحت المصادر أنه لا توجد أرقام للنازحين، مضيفة: "إنهم عشرات آلاف النازحين الذين يبيت عدد كبير منهم في العراء في ظروف جوية قاسية في منطقة شبه صحراوية من دون أي اهتمام من المنظمات الدولية"، موضحة أن عدداً منهم يقيم في مخيم "أبو خشب"، ومخيمات أخرى تشرف عليها "سورية الديمقراطية". وأوضحت أن عددا كبيراً من نازحي دير الزور وصلوا إلى مخيمات منطقة عين عيسى شمال الرقة، ومنهم من أكمل طريقه إلى مناطق "درع الفرات" شمال شرقي حلب، أو محافظة إدلب شمال غربي، وعدد منهم نجح في الوصول إلى تركيا.