عقدة السياحة بين مصر وروسيا: متى يحدث "القريب العاجل"؟

عقدة السياحة بين مصر وروسيا: متى يحدث "القريب العاجل"؟

13 ديسمبر 2017
السيسي قلق لتأخر قطف ثمار العلاقة بروسيا(ألكسندر زيمليانيشنكو/فرانس برس)
+ الخط -

انقضت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة من دون أن يحقق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ما كان يصبو إليه، فلم يحرز الطرفان أي تقدّم في ملف استئناف الرحلات السياحية والطيران بين البلدين، والمتوقفة منذ سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ولم تتم حلحلة المشاكل العالقة بين الطرفين حول التحقيقات القضائية بشأن الواقعة. بينما جرى توقيع وثيقة وصفها بيان الرئاسة المصرية نصاً بصيغة غامضة هي "وثيقة بدء إشارة التنفيذ" لتفعيل العقود الأربعة الخاصة بتشغيل المفاعل النووي المزمع إنشاؤه في منطقة الضبعة بمحافظة مطروح شمال شرقي مصر، بعد أكثر من عامين من توقيع اتفاقية التفاوض والإنشاء، ليبدأ تشغيل أول مفاعل في المحطة عام 2026 وليس 2022 كما كان معلناً سلفاً.

وعلى الرغم من أن زيارة بوتين عكست أن روسيا في حاجة فعلية إلى تثبيت أقدامها في مصر، بسبب احتياجها المتزايد للمراقبة والتواجد في المنطقة، مع تصاعد احتمالات التدخل العسكري في دول بالمنطقة، وعلى الرغم من أنها شهدت إعلان "نيّة" إنشاء أول منطقة صناعية روسية بالشرق الأوسط في منطقة قناة السويس، إلا أن تأخر قطف ثمار هذه العلاقة المتطورة على الورق يقلق النظام المصري، لا سيما مع العراقيل التي تواجه ملف عودة السياحة. وتلافى السيسي التطرق إلى هذا الملف في بيانه الرسمي بعد الزيارة، عاكساً الإحباط الذي يسيطر على الحكومة بسبب تعنّت روسيا في تطبيق اشتراطاتها الأمنية، التي تراها الوزارات المصرية المعنية مبالغاً فيها، وتجاهلها المتعمد للتطوير الملحوظ في الإجراءات الأمنية بالمطارات الرئيسية في مصر، واتباع طرق تأمين جديدة استجابة للشروط الروسية والبريطانية والأوروبية في هذا المجال، أبرزها استخدام النظام البيومتري لتحديد هوية المسؤولين المتواجدين في المطارات الكبرى.

ووصف بوتين ما بذلته مصر من جهود في هذا الملف بـ"الضخمة والبارزة"، لكنه اكتفى بإضافة سادس تعهد على لسانه بـ"أن تعود السياحة في القريب العاجل"، وهي عبارة أصبحت تؤخذ على محمل السخرية، وانتقاد الحكومة الروسية. فهناك عقدة رئيسية لم تحل حتى الآن تتعلق بالتحقيقات القضائية المشتركة في سقوط الطائرة، إذ تطالب روسيا باعتراف مصر بالتقصير الأمني وتقديم مسؤولين مباشرين عن هذا التقصير، لا سيما أن روسيا ما زالت لديها شكوك في تورط مسؤول مصري واحد على الأقل في تسهيل عملية زرع العبوة الناسفة على متن الطائرة الروسية، وفي كلا الحالتين، سواء كانت المسؤولية تقصيرية أو جنائية، فتأكيد ذلك بتحقيقات قضائية مشتركة سيرتب على مصر دفع تعويضات ضخمة للضحايا الروس.

لكن القاهرة كانت تأمل، على الأقل، في توقيع بروتوكول التعاون الحكومي بين البلدين في مجال تأمين وسلامة الملاحة الجوية، والذي كانت الدولتان قد تباحثتا بشأنه، إلا أن بوتين اكتفى بالإعلان عنه لأول مرة فقط في بيانه الصحافي عقب لقائه بالسيسي. وتفسر مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" ذلك بأن "خلافات ما زالت تعرقل التوقيع النهائي بسبب الجدول الزمني المقترح من قبل الروس، لإلزام مصر بتطوير البنية الأمنية لجميع المطارات المصرية، وليس فقط المطارات الأكثر استخداماً واستقبالاً للسياح الروس".

وأضافت المصادر أن هناك خلافاً آخر حول بند ترغب روسيا في إدراجه، يسمح لها بإرسال وفود تفتيش أمني بصورة ربع سنوية للتأكد من سلامة الإجراءات المصرية، الأمر الذي ترى فيه مصر أنه فرضٌ للوصاية الروسية عليها بصورة مبالغ فيها، خصوصاً أنه لم يسبق للقاهرة أن امتنعت عن استقبال وفود التفتيش الروسية للمطارات، كما أنها أبلغت موسكو بعدم استعدادها لصرف المزيد من المال استجابة لشروط تراها تعجيزية.

وهنا أثيرت في كواليس المحادثات حول البروتوكول "فكرة حصول مصر على منح مالية روسية لتطوير البنية الأمنية في بعض المطارات، وهو ما لم يواجه بقبول أو رفض موسكو حتى الآن، في ظل إشارات باستحالة حدوث ذلك قبل إنجاز تقدّم في التحقيقات القضائية حول حادث سيناء" بحسب المصادر، التي ترى أن العبارة التي قالها بوتين في بيانه ونصها "نحن من جانبنا مستعدون لاستئناف الرحلات" تلقي الكرة في ملعب مصر بهدوء ومن دون تشنج، وكأن موسكو تطالب القاهرة بحلحلة العقدة التي تعرفها جيداً لتسير باقي الأمور على ما يرام.
وأوضحت المصادر أن "الشهرين المقبلين سيشهدان زيارة وفد روسي رفيع المستوى من خبراء أمن الملاحة الجوية إلى مصر، لمعاينة النظم التأمينية الجديدة في مطاري شرم الشيخ والغردقة، ومناقشة الصياغة النهائية للبروتوكول، بالتوازي مع العمل على تحديد موعد لبدء تفعيل عقود إنشاء وتشغيل المفاعل النووي في الضبعة"، وهو ما يؤكد ارتباط الملفين، إذ تسعى روسيا لضمان أكبر قدر من المكاسب في كلا الملفين.


أما على صعيد الملف النووي، فيبدو أن خلافات اللحظات الأخيرة بين البلدين أدت إلى الاكتفاء بتوقيع وثيقة البدء في التنفيذ، بدلاً من الإعلان عن تفاصيل العقود الأربعة التي حُدد لتوقيعها في السابق 5 مواعيد ابتداءً من سبتمبر/أيلول 2016. ولا شك أن مصر سعت إلى تسويف توقيع العقود منذ الربيع الماضي لحين حلحلة ملف عودة السياحة، وأن روسيا كانت تعي هذه المعادلة جيداً، وكانت حريصة على إغلاق الملف النووي الذي يمثّل مكسباً رئيسياً لها على الصعيدين السياسي والمالي، لكن مسألة تحقيقات الطيران كانت ذات أولوية خاصة لها.

وأعلن وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر المرقبي، مساء أمس الأول، في بيان رسمي، أن توقيع الوثيقة تضمّن توقيع العقود الخاصة بالمشروع، والتي تتضمن التصميم والإنشاء، وتأمين توريد الوقود النووي، والخدمات الاستشارية للتشغيل والصيانة، وإدارة الوقود المستنفد، من دون أن يعلن تفاصيلها، علماً أنه يجب، وفقاً للدستور، أن تنشر في الجريدة الرسمية للحكومة المصرية.
مصدر حكومي على صلة بالملف القانوني للمفاعل النووي قال لـ"العربي الجديد" إن الطرفين سعيا بجدية لتوقيع العقود الأربعة خلال زيارة بوتين، على الرغم من أن خلافات جديدة ظهرت في الساعات الأخيرة، حول أمرين أساسيين؛ أولهما حجم العمالة المصرية المطلوب الاعتماد عليها في مرحلتي الإنشاء والتشغيل الأول والمطلوب تدريبها وتأهيلها فنياً لتتولى تشغيل المحطة النووية بمفاعلاتها الأربعة مستقبلاً، إذ رغب السيسي شخصياً في ضمان تأهيل 3 أمثال عدد المهندسين والعمال المصريين الذين تتعهد شركة "روس آتوم" الروسية بتأهيلهم، وتم الاتفاق في النهاية على تدريب 1700 عنصر.

أما المشكلة الثانية فكانت تتعلق بوضع تسليم المحطة لمصر، إذ تتمسك القاهرة بحقها في إدخال تعديلات على الوضع النهائي للإنشاء والتشغيل، كما تتمسك بالإشراف الإداري والأمني والمعلوماتي على المحطة في مرحلة التشغيل التجريبي، وهو ما يعارضه الروس جزئياً، فيطالبون بأن تبدأ إجراءات إشراف مصر على المحطة بعد مرحلة التشغيل التجريبي، كما يريدون الاحتفاظ بحق إشراك مقاولين أجانب متخصصين في مثل هذه العمليات من دون الرجوع للجانب المصري، وهو ما يتناقض مع رغبة القاهرة في الإشراف الإداري والأمني.
وأكد المصدر أنه تم تنفيذ بعض الملاحظات التي أبداها مجلس الدولة إبان مراجعته للعقود الأربعة من خلال تعديل القوانين المنظمة للأنشطة النووية، وذلك باستحداث جهاز تنفيذي للإشراف على تنفيذ العقود لحين تسليم المشروع إلى هيئة المحطات النووية، وهي الجهة المالكة والمشغلة للمحطة، مما يعني أن هذا الجهاز سيكون له طابع إشرافي على الشركة الروسية، حيث كانت مشاريع العقود لدى صياغتها خالية من أي مواد تضمن لمصر الإشراف على الشركة.

ويسمح هذا الدور الإشرافي وفقاً لقانون إنشاء الجهاز الصادر الشهر الماضي وللمسودة الحالية لعقد الإنشاء، بأن يبلغ الجهاز، الذي يدخل في تشكيله ممثلون لوزارتي الدفاع والداخلية، الملاحظات التي يسجلها على أداء الشركة الروسية إلى هيئة المحطات النووية لتداركها واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها. كما يُسمح له بالإشراف على أعمال التشغيل التجريبي وإثبات أي ملاحظات تعوق عملية الاستلام، وتهيئة المشروع للتشغيل، والإشراف على الالتزام بالجدول الزمني المحدد من قبل الشركة الروسية.

وذكر المصدر أن إصرار الجانب المصري على هذه الضمانات الإشرافية يأتي في ظل شعور عام في الوزارات المعنية "بعدم الارتياح" نتيجة الالتزامات المالية الكبيرة التي ستترتب على مصر جراء إبرام السيسي للقرض الروسي بقيمة 25 مليار دولار، والذي تم تفعيل القرار الجمهوري بشأنه في مايو/أيار 2016، خصوصاً بعد قرارات نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بتعويم الجنيه المصري والزيادة الكبيرة في سعر الدولار الأميركي.
وكانت "العربي الجديد" قد نشرت في أغسطس/آب الماضي تقريراً جاء فيه أن بعض الجهات السيادية أوصت بالتصعيد ضد روسيا للضغط عليها لاستئناف حركة الطيران والسياحة، عبر تهديدها بإلغاء عقود الضبعة والانسحاب من اتفاقية تمويل المشروع (القرض) والتي ستغطي 85 في المائة من أعمال الإنشاء والتشغيل، إلا أن الوزارات المنخرطة في هذا الملف أثارت عدة مخاوف من خطوات كتلك، أبرزها أن التراجع عن الشراكة مع روسيا سيكلف مصر مزيداً من الوقت للبحث عن شراكة أخرى مناسبة وبشروط مالية لن تكون أفضل مما تضمنها هذا القرض، ومن بينها سداد أول الأقساط بعد 13 عاماً.

المساهمون