تقديس القضية وإهانة الانسان
لكن المشهد خلف هذه الصورة البراقة كاد يُخفي مجموعة وقائع مثيرة للقلق، وتدعو للتمعّن بشكل جدي في حقيقة الموقف الشعبي والرسمي اللبناني - والعربي ككل - بالنسبة للقضية الفلسطينية. فالتضامن "بالمفرّق" مع القضية أنتج على مرّ السنوات تقديساً وتعظيماً لكل جزء من القضية الفلسطينية داخل الأراضي المُحتلة فقط، وتم إسقاط حقوق اللاجئين الفلسطينيين في عيش كريم من حسابات السلطات اللبنانية وعدد من الدول العربية الأخرى. حتى أن النظام السوري والحركات الإرهابية حوّلوا اللاجئين ومخيماتهم في سورية إلى ورقة ضغط بدل احترام مأساة الشعب الفلسطيني القائمة أصلاً في الشتات.
ولم يستوعب كثرٌ من اللبنانيين ازدواجية مواقف العديد من القوى السياسية التي تقدّمت صفوف العرب في إطلاق المواقف الحادة الرافضة للقرار الأميركي الأخير، وهي نفسها التي تلامس العنصرية الصريحة في الكثير من مواقفها بشأن اللاجئين وحقوقهم. فهل أن القضية الفلسطينية كلٌ لا يتجزأ، وأن حقوق الإنسان توازي بالأهمية الحق التاريخي والجغرافي للعرب في فلسطين؟ أم أن التضامن جزء من منظومة مزايدة سياسية وامتطاء للشعوب باسم فلسطين؟ وهل يمكن لمن تدور حوله شبهات فساد أو طائفية وعنصرية أن ينصر فلسطين؟
وعلى الصعيد الشعبي، لم تبد الصورة أفضل. تضامَنّا كلبنانيين مع فلسطين بشكل مُتفّرق. حتى في الجغرافيا، احتجّت كل طائفة في "منطقتها". وحدها السفارة الأميركية جمعت أكثر من حزب لبناني وفصيل فلسطيني على نصرة القدس، ولكن الجميع فشلوا في تحديد تحرّك موحّد لإطلاق موقف لبناني جامع مع الملف الذي وضعه الرئيس ترامب على قائمة الأولويات العربية المُبعثرة. تبدو المواقف من فلسطين مُقدسّة، بينما الإنسان الفلسطيني مهان ومظلوم في الدول التي تقدّس القضية لفظياً، وهذا أسوأ ما قد يحصل للقضية.