انقسام إسرائيلي بين توقع خضوع عباس واشتداد الهبة الشعبية

انقسام إسرائيلي بين توقع خضوع عباس واشتداد الهبة الشعبية

11 ديسمبر 2017
فزع إسرائيلي من انتفاضة جديدة (نضال اشتيه/ الأناضول)
+ الخط -


يرى مسؤولون ومحللون إسرائيليون أن "الفلسطينيين سيرضخون للأمر الواقع، وسيقبلون بأية مفاوضات في ظل الوضع الجديد بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتبار "القدس عاصمة إسرائيل". في المقابل، يرى آخرون أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، "حلقة ضعيفة" والشعب الفلسطيني هو الذي سيقرر في نهاية المطاف ما سيحمله المستقبل، وأن التفكير الإسرائيلي المتعنت والمتعالي، مبني على عدم فهم للواقع، بل ما زال متخلفا 30 عاماً، أي  ديسمبر/ كانون الأول 1987، في إشارة إلى شرارة الانتفاضة الأولى.


وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلية، يسرائيل كاتس، رجل حزب الليكود "الحاكم"، ظهر في الإعلام وعلى وجهه ابتسامة مواربة ليقول "الآن سيفهمون أنه لا خيار أمامهم إلا الدخول في مفاوضات حقيقية"، لكن برأي المحلل السياسي ومراسل القناة 14 الإسرائيلية دافيد دروكر، والذي نشر مقالا في صحيفة "هآرتس"، فإن كاتس لا يقصد أي كلمة من تلك التي يتفوه بها، "فلا شيء يسعده أكثر من استبعاد أية مفاوضات محتملة".

أما رئيس جهاز الاستخبارات السابق عاموس يدلين، فقال إنه "لن يكون هناك عنف أكثر من المتوقع (الأمور ستكون في نصابها الطبيعي)"، كرد على إعلان ترامب. وأكثر من ذلك، يعتقد "أننا سنشهد إمكانيات وآفاق للنهوض بعملية سياسية مختلفة عن سابقاتها بشروط وظروف غير تلك التي اعتدنا عليها"، بحسب ما كتبه في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

كما اعتبر أن "خطاب ترامب يشجع على إعادة تقييم الافتراضات التي كان يتم العمل بموجبها، والنماذج التي كانت حاضرة خلال ربع قرن من المفاوضات... الخطاب يوضح للفلسطينيين أنه بخلاف ما يعتقدون، فإن الوقت لا يلعب لصالحهم. مواصلة رفضهم لأي حل توفيقي، سيساعد إسرائيل على تحقيق ما تريده على حسابهم".



"الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، هو رجل متعلم، لكن ما كتبه يظهر عدم فهم كلي للواقع"، يقول المحلل دافيد دروكر، مستدركا "من يقرأ كلمته يعتقد أن على الجانب الآخر هناك قيادة قوية، والتي ببساطة ترفض الحلول المطروحة. لكن الوضع الحقيقي، كما هو معروف، أن القيادة على الجانب الآخر ضعيفة، متعبة ونال منها الزمن، والطريق التي تقودها – مفاوضات بدون عنف، مع تفعيل ضغط دبلوماسي – وصلت إلى طريق مسدود. وهناك شك كبير بأن متطلباتها القصوى – دولة فلسطينية على حدود 67 – مقبولة اليوم لدى الجمهور الفلسطيني. حتى لو انضم كل العالم إلى ترامب، وحتى لو رغب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتخلي عن القدس، فإنه لا يوجد أي احتمال بقبول الشعب الفلسطيني بذلك".

ويتساءل الكاتب "ربما لا يعلم يدلين بذلك؟ لا يعلم أن أبو مازن لا يتواجد بالضبط في مركز الخارطة السياسية الفلسطينية؟".

ويشبه الكاتب الرئيس محمود عباس بحزب "ميرتس" اليساري الإسرائيلي، "فهو (ميرتس) الفلسطينيين. لا يوجد على يساره أحد (عند الفلسطينيين – في إشارة إلى أنه لا يوجد شخص أسهل منه في المفاوضات). لا يوجد صوت واحد مهم في المجتمع الفلسطيني يدعوه إلى المزيد من التنازلات. والحجة القائلة إن الفلسطينيين يواصلون رفض أي حل توفيقي، هو أمر مثير للسخرية بالنظر إلى حقيقة أن هناك على الجانب الإسرائيلي قائد يواصل منذ تسع سنوات اختلاق الأعذار، من أجل تجنب الدخول في مفاوضات حقيقية"، ويقصد بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

في العام 2004، حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أريئيل شارون، على إعلان يراه الكاتب أكثر أهمية لتل أبيب من إعلان ترامب بشأن القدس، خاصة لليمين والمستوطنين، حين لمح الرئيس الأميركي في حينه جورج بوش (الابن) إلى أن الولايات المتحدة تدعم بقاء المستوطنات تحت سيطرة إسرائيل وترفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين. حينئذ، اعتبر شارون ورجالاته أن الحديث عن "وعد تاريخي، سيجعل الفلسطينيين يدركون أن الوقت يعمل ضدهم".

وما زالت تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تفاخر حتى اليوم بمسؤوليتها عن هذا "الإنجاز". لكن على أرض الواقع، فإن رسالة جورج بوش لم تؤثر على أحد. وفي المفاوضات التي تجددت مرتين، في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت، عام 2007، ومن ثم في حقبة نتنياهو عام 2013، لم يأت أحد على ذكر ما تعهد به جورج بوش.

أما المواقف الفلسطينية "فازدادت تصلبا"، بحسب ما يراه محللون إسرائيليون، بمن فيهم دروكر، رغم كل "النجاحات الكبيرة" بتحصيل قادة إسرائيل لتصريحات فارغة من مضمونها، من رؤساء الولايات المتحدة.

وانتقد الكاتب موقف رئيس الاستخبارات السابق عاموس يدلين، الذي يقف اليوم على رأس "مركز الأبحاث الاستراتيجية" في إسرائيل، "والذي يتنقل بين عدة أماكن ويستمع إليه أشخاص مهمون عبر المنابر المختلفة، ولكن في النهاية اتضح أنه يتكلم مثل مسؤولي المخابرات قبل 30 عاما، في أوائل ديسمبر 1987".

وديسمبر/ كانون الأول 1987، هو التاريخ الذي انطلقت فيه شرارة الانتفاضة الأولى، وفي هذا ربما تلميح من الكاتب إلى أن عقلية المسؤولين الإسرائيليين لم تتغير، وأن مواصلة تصلبهم وتمسكهن بأفكار يراهنون عليها بخنوع الفلسطينيين، لن يجدي نفعاً مهما طال الزمن أو قصر، وأن انتفاضة أخرى قادمة لا محالة.