النظام السوري ينسف مسار جنيف

النظام السوري ينسف مسار جنيف

01 ديسمبر 2017
وثيقة دي ميستورا لم تتطرق للانتقال السياسي(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -


لم تخرج الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف التي اختُتمت فعلياً أمس الجمعة، بأي نتائج تُذكر كما كان متوقعاً، حتى أن مسعى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا للعودة إلى المفاوضات الأسبوع المقبل والاستمرار بهذه الجولة حتى 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي اصطدم بموقف وفد النظام، بأنه قد لا يعود إلى جنيف الأسبوع المقبل، فيما كان لافتاً تسليم المبعوث الأممي وثيقة مبادئ عامة حول مستقبل سورية لوفدي النظام والمعارضة، لاقت انتقاداً سريعاً من وفد النظام، فيما ردّ وفد المعارضة عليها بورقة من 12 بنداً، لاقت أيضاً انتقادات لاعتبارها حملت تنازلات في قضايا تمثّل جوهر رؤية المعارضة لتحقيق مطالب الثورة، مع تجاهلها موضوع الانتقال السياسي وهيئة الحكم الانتقالي.

وبدأت هذه الجولة الثلاثاء الماضي، بغياب وفد النظام الذي وصل الأربعاء، وتخللتها مفاوضات غير مباشرة بين الوفدين عبر المبعوث الأممي ومساعديه، في ظل رفض وفد النظام إجراء مفاوضات مباشرة مع المعارضة. واجتمع دي ميستورا أمس الجمعة مجدداً مع وفدي النظام والمعارضة وفق مبدأ مفاوضات "الغرفتين"، وكل وفد يجلس في غرفة، على أن يتنقل المبعوث الأممي ونائبه رمزي رمزي بينهما.

وسلّم دي ميستورا وفدي النظام والمعارضة وثيقة مبادئ عامة حول مستقبل سورية، من دون التطرق إلى مسألة الانتقال السياسي التي تريد المعارضة أن تكون سابقة لنقاش قضيتي الدستور والانتخابات، اللتين كان مقرراً أن تتم مناقشتهما في هذه الجولة. وقال دي ميستورا إن قضية "الرئاسة" لم تُطرح خلال المفاوضات. وتُعتبر الوثيقة نسخة معدلة عن وثيقة سابقة كان دي ميستورا قد قدّمها للطرفين في مارس/آذار الماضي تتضمن بعض العناصر الجديدة مثل استخدامه مصطلح "الإدارات المحلية" بدلاً من اللامركزية، والعنصر الثاني هو إخراج مسمى الأقليات والإثنيات من الأكراد والتركمان، والسريان الآشوريين، إضافة إلى طرح إمكانية استخدام اسم سورية بدلاً من تسمية الجمهورية العربية السورية. وأكدت وثيقة دي ميستورا "احتراماً، والتزاماً كاملاً لسيادة، واستقلال، وسلامة ووحدة أراضي (الجمهورية العربية السورية) - الدولة السورية من حيث الأرض والشعب. وفي هذا الصدد، لا يمكن التنازل عن أي جزء من أجزاء الأراضي الوطنية. ويلتزم الشعب السوري بصفة كاملة باستعادة مرتفعات الجولان السورية المحتلة باستخدام الأساليب القانونية ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي". وتحدثت وثيقة دي ميستورا عن "التزام الدولة بالوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، والتنمية الشاملة والمتوازنة وفق التمثيل العادل في الإدارة المحلية"، وتؤكد "إقامة جيش وطني قوي، وموحد، ومتسم بالكفاءة يضطلع بواجباته بموجب الدستور". وتحدد مهام الجيش في "حماية الحدود الوطنية، وحماية الشعب من التهديدات الخارجية والإرهاب، في ظل وجود أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية للمحافظة على الأمن القومي وفق سيادة القانون، والعمل بموجب الدستور، واحترام حقوق الإنسان. ويكون استخدام القوة حقاً حصرياً للمؤسسات الحكومية المعنية والمختصة".

واستمر وفد المعارضة في التعاطي بإيجابية مع المفاوضات، فسلّم المبعوث الأممي رداً على وثيقته من 12 بنداً، إلا أن هذا الرد بدا ضعيفاً مقارنة بالمبادئ التي تشدد عليها المعارضة دائماً، إذ تجاهل موضوع الانتقال السياسي والمرحلة الانتقالية وتحوّل من فكرة إعادة بناء الجيش والهيكلة للأجهزة الأمنية إلى مجرد "إصلاح". ورأى المتحدث باسم وفد المعارضة، يحيى العريضي، أن وثيقة دي ميستورا تضمّنت بنوداً حول وحدة الأراضي والحق باستعادة المحتل منها والديمقراطية وشكل الدولة بالمجمل وليس شكل النظام، قائلاً إن مسار الانتقال السياسي مسألة أخرى. وأضاف العريضي في تصريحات صحافية أن رد المعارضة لا يُعتبر "نقاطاً معتمدة ولا تدخلاً في سياق الاتفاق، كما أنها ليست بنوداً للانتقال السياسي بل هي عامة". وأكد أن "الحكم الانتقالي لا مكان فيه لمن تلوّثت أيديهم بالدماء ولا لبشار الأسد"، معتبراً أن "الأفكار التي توافق عليها وكانت لدى أطراف متعددة في السابق، قدمت اليوم بشكل مشترك وموحد ضمن وفد واحد".
من جهته، أعلن رئيس وفد المعارضة المفاوض، نصر الحريري، أن المعارضة جاهزة بشكل كامل لخوض مفاوضات مباشرة مع نظام بشار الأسد. وطالب في تغريدة له على حسابه في "تويتر" الأمم المتحدة بالضغط على النظام للانخراط بتلك العملية بأقرب وقت. وقال "يجب على النظام السوري تطبيق القرارات الدولية للوصول إلى الانتقال السياسي".


مقابل ذلك، كان وفد النظام يصعّد رافضاً أي مفاوضات مباشرة، ومهدداً بعدم العودة إلى المفاوضات الأسبوع المقبل. وقال رئيس الوفد بشار الجعفري، في مؤتمر صحافي في ختام مباحثات الوفد مع المبعوث الأممي، إن "اللغة التي استُخدمت في الرياض2، هي عبارة عن شروط مسبقة، والمبعوث الدولي قال لا شروط مسبقة، لكن لغة بيان الرياض2 بالنسبة لكثير من المحللين والعواصم هي عودة للوراء، ومن كتبه وضع ألغاماً في طريق المفاوضات". وأضاف أن "بيان الرياض مرفوض جملة وتفصيلاً، ولا سيما أن البيان لا يأخذ التطورات السياسية والعسكرية، التي حصلت منذ أيام (المبعوث الأممي السابق الأخضر) الإبراهيمي وحتى الآن، والعودة للوراء هي عودة يائسة للمربع صفر، وهي بالتالي محاولة جدية لتقويض مهمة دي ميستورا".

وذهب إلى أن لغة بيان الرياض2، "تجاوزتها الأحداث، عسكرياً تم الانتصار على الإرهاب، ويجب أخذ الواقع السياسي والعسكري بواقع الأحداث، ومن يعود بطرح شروط مسبقة فهو غير واقعي، ما يحكونه لغة قديمة، الحكومة قوية على الأرض، ونذهب لأي مكان لتحقيق تقدم وجاهزون لذلك". واتهم الجعفري المبعوث الأممي بأنه "تجاوز ولايته بطرح ورقته، ومن دون التشاور مع وفد النظام"، لافتاً إلى أن وفد النظام طرح في مارس/آذار الماضي خطة من 12 نقطة، مضيفاً أن دي ميستورا "أبقى عليها في جيبه". واعتبر أن الجولة الحالية انتهت بالنسبة لهم، مضيفاً أن "دمشق هي من ستقرر" مشاركتهم في الجولة التالية الأسبوع المقبل.

ورد وفد المعارضة على تصريحات الجعفري، معتبراً أن حديثه عن احتمال عدم عودة وفده "دليل على وضعه شروطاً مسبقاً لدخول المفاوضات". وقال العريضي، في تصريح إن "أحد الأسس التي عقدت عليها الجولة الحالية، ألا تكون هناك شروط مسبقة، وعندما تقول جهة معينة إنها لن تعود، فهذا يعطي دلالة قاطعة على أن هناك شروطاً، وعدم إحساس بالمسؤولية تجاه الذين يئنون خلال كل هذه السنوات".

من جهته، لفت الناشط السياسي السوري، صالح عياش، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى تجاهل رد المعارضة على وثيقة المبعوث الأممي لبعض النقاط الهامة، مثل الجهة المخوّلة بوضع الدستور السوري والتي هي حصراً الشعب السوري عبر انتخاب لجنة دستورية من المختصين في المجالات القانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والدينية، إضافة إلى ضرورة التأكيد على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في جهاز واحد على أسس وطنية وكفاءات عالية مع التشديد على منع أي نوع من التعذيب والاعتقال التعسفي بحق أي مواطن.