سقوط "داعش" في البوكمال يقرّب المواجهة بين النظام و"قسد"

سقوط "داعش" في البوكمال يقرّب المواجهة بين النظام و"قسد"

10 نوفمبر 2017
قوات النظام تلاحق فلول "داعش" (جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
يقترب الصراع مع تنظيم "داعش" في شرقي سورية إلى الخواتيم مع طرد قوات النظام، ومليشيات تدعمها طهران في سورية والعراق، مسلحي "داعش" في مدينة البوكمال، آخر معاقل التنظيم الرئيسية في سورية، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام سيناريوهات ما بعد "داعش"، خصوصاً إثر عبور مليشيات عراقية للحدود السورية العراقية لمساندة قوات النظام لأسباب طائفية محضة. كما انهار تنظيم "داعش" في ريف الحسكة الجنوبي، إذ خسر أهم معاقله لصالح "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من الأميركيين، ما يعني تحول "قسد" مع قوات النظام إلى أبرز لاعبين في الصراع على الشرق السوري، الذي بات منكوباً ومنهكاً بعد سنوات من حروب ومعارك لم تهدأ بعد.

ولم يتضح بعد أبعاد الموقف العسكري في مدينة البوكمال أقصى شرقي سورية، إذ لا تزال الأنباء الواردة من هناك متضاربة، بين تأكيد النظام وحلفائه سيطرة قواته ومليشيات إيرانية تسانده، ونفي تنظيم "داعش"، الذي يؤكد أن المدينة لا تزال بحوزته. وأعلنت ما تسمى بـ"القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة" التابعة للنظام السوري، في بيان أمس الخميس، أنها سيطرت على مدينة البوكمال "بعد معارك عنيفة قتل خلالها أعداد كبيرة من الإرهابيين، بينهم متزعمون في تنظيم داعش". وأشارت إلى أن عناصر الهندسة "بدأت على الفور بتفكيك العبوات الناسفة والمفخخات من أحياء المدينة"، زاعمة أن قوات النظام "ما زالت تلاحق فلول إرهابيي داعش الفارين على أكثر من اتجاه، للقضاء على ما تبقى منهم في البؤر الإرهابية في البادية بعد أن تم تدمير مقارهم وعتادهم"، وفق البيان. وتتيح سيطرة قوات النظام على البوكمال، وفق البيان، تأمين "طرق المواصلات بين البلدين الشقيقين" في إشارة إلى العراق وسورية.

وأكدت وكالة "أعماق"، الذراع الإعلامية لتنظيم "داعش"، أن مسلحي الأخير تصدوا لمحاولة ما سمّته بـ "الجيش النصيري" التقدم باتجاه مدينة البوكمال انطلاقاً من مدينة القائم العراقية، مشيرة إلى أن التنظيم خاض اشتباكات مع القوات المهاجمة عند قرية الهري شرق البوكمال، وصدها بعد استهدافها بقذائف الهاون وصواريخ "غراد" والمدافع الرشاشة. من جهتها، أعلنت وكالة "سانا"، الناطقة باسم النظام، أن قوات الأخير مع "القوات الحليفة"، وهي تسمية تطلق على المليشيات الإيرانية، كسرت دفاعات مسلحي "داعش" ودخلت مساء أول من أمس إلى البوكمال وتخوض اشتباكات "عنيفة" مع التنظيم في المدينة. وقالت الوكالة إن "التقدم الذي تحقق في مدينة البوكمال تم بعد التقاء وحدات من الجيش وحلفائه مع القوات العراقية عند الحدود بين البلدين"، مشيرة إلى أنه تم عزل مساحات واسعة ينتشر فيها عناصر التنظيم بين الأراضي السورية والعراقية، وهي ضمن مثلث المحطة الثانية والبعاجات في سورية، والعاكاشات في العراق. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عناصر التنظيم في البوكمال "انسحبوا باتجاه ريف دير الزور الشرقي". وأشار إلى أن قوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها، بما فيها المليشيات العراقية التي تربطها عبر الحدود، تمشط البوكمال بعد انسحاب مسلحي التنظيم.



ولا يزال تنظيم "داعش" يحتفظ بعدة بلدات في ريف دير الزور الشرقي، لكن من الواضح أن بقاءه فيها لن يطول، في ظل انهياراته المتلاحقة، إذ من المرجح أن يسلك عناصر التنظيم خلال الأيام المقبلة طرقاً تؤدي بهم إلى البادية السورية، حيث لا يزال يحتفظ بمواقع فيها. وأكدت وسائل إعلام روسية سيطرة قوات النظام بالتعاون مع مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية على مدينة البوكمال. ونقلت عن مصادر في قوات النظام إن مسلحي "داعش" لاذوا بفرار جماعي من المدينة، ويتحركون حالياً باتجاه الجانب الشرقي لنهر الفرات. كما أعلنت قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري السيطرة على البوكمال، مشيرة إلى أن ما تحقق بمثابة "نصر استراتيجي عظيم"، يتمثل بالقضاء على آخر معاقل تنظيم "داعش" الرئيسية في البلاد. وأكدت مصادر محلية تواصلت "العربي الجديد" معها أن قوات النظام والمليشيات لا تزال حتى صباح أمس الخميس خارج مدينة البوكمال، التي باتت شبه خالية من السكان. وأشارت المصادر إلى هروب المدنيين إلى ريف المدينة، موضحة أن المدينة باتت "بين فكي كماشة"، محذرة من ارتكاب مجازر من قبل قوات النظام والمليشيات بحق مدنيين لم تساعدهم الظروف على الخروج. ويعد عبور مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية للحدود السورية العراقية تطوراً كبيراً في مجريات الصراع في سورية، إذ باتت الخشية من تحول الصراع إلى صدامات طائفية، خصوصاً أن المجازر التي ارتكبتها هذه المليشيات، بذريعة محاربة الإرهاب، ماثلة للعيان. كما أن قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها تقوم بعمليات انتقام جماعي في المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما يُبقي أبواب الصراع مفتوحة، إذ ينزح المدنيون إلى مناطق تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية". كما أن القضاء على تنظيم "داعش" في كامل محافظة دير الزور يفتح الباب أمام صدام عسكري بين "قسد"، التي تضم خليطاً من الفصائل العربية والكردية، وبين قوات النظام، المنتشية بانتصارات "إعلامية" وتريد التحرك نحو مناطق تحت سيطرة "سورية الديمقراطية"، خصوصاً الرقة ذات الأهمية الاقتصادية.

بموازاة ذلك، انهار "داعش" في ريف الحسكة الجنوبي أمام "قوات سورية الديمقراطية" التي أعلنت صباح الخميس انتزاع السيطرة على بلدة مركدة آخر معاقل التنظيم ضمن الحدود الإدارية لمحافظة الحسكة، و24 قرية تابعة لها. وأشارت "قسد"، في بيان، إلى أن انتزاع السيطرة جاء بعد حصار دام عدة أيام للبلدة، مؤكدة مقتل عدد كبير من مسلحي تنظيم "داعش" في الاشتباكات، مشيرة إلى أنها صدت هجوماً واسعاً لمسلحي التنظيم على حقول العمر النفطية، التي كانت سيطرت عليها هذه القوات المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا. وقد تبدلت خريطة الصراع في الشرق السوري وباتت "قسد" مع قوات النظام أهم اللاعبين في المنطقة، إذ يخوضان حرباً بالوكالة عن الروس والأميركيين الذين حددوا مجرى نهر الفرات فاصلاً بين مناطق السيطرة طالما هناك حرب على تنظيم "داعش" الذي بدأ يتلاشى من المشهد بعد نحو 4 سنوات من ظهوره في هذا المشهد الدامي. وبات الشرق السوري على أعتاب مرحلة جديدة، إذ يتم التنافس على تحديد مستقبل صراع تعقد وتأزم، ودخلت على خطه أطراف إقليمية ودولية تدرك أهمية هذا الشرق في بلورة الحل النهائي للصراع في سورية وعليها. وتبقى المعارضة السورية المسلحة أهم الغائبين عن المشهد، إذ تم تحييدها بشكل كامل من قبل الأميركيين الذين وضعوا ثقلهم السياسي والعسكري خلف "قوات سورية الديمقراطية" التي باتت القوة الضاربة شرق وشمال نهر الفرات.