سريلانكا... ساحة جديدة للصراع بين الهند والصين

سريلانكا... ساحة جديدة للصراع بين الهند والصين

09 نوفمبر 2017
جانب من ميناء "هامبانتوتا" (فرانس برس)
+ الخط -
تخطت الخلافات الهندية الصينية الحدود بين البلدين ووصلت إلى سريلانكا التي أصبحت ساحة جديدة للصراع بين العملاقين الآسيويين اللذين يسعى كل منهما للفوز بهذا الموقع الاستراتيجي. وزادت التحركات البحرية الصينية ووجود غواصاتها النووية في مياه هذه الجزيرة الواقعة جنوب شبه القارة الهندية، الوضع توتراً، وفق ما يرى خبراء ودبلوماسيون هنود.

وبدأ التوتر بين البلدين في هذه المنطقة منتصف العام الحالي، حين وقّعت سريلانكا اتفاقية مع الصين بقيمة 1.1 بليون دولار لتتولى الأخيرة الإشراف على تطوير ميناء "هامبانتوتا" جنوبي سريلانكا، حيث حصلت "الشركة القابضة للموانئ التجارية الصينية المحدودة"، وهي ذراع متفرعة عن الحكومة الصينية، على 70 في المئة من أسهم الميناء. وبحسب الاتفاقية، فإن البحرية السريلانكية ستتولى مراقبة المياه ولن تسمح لأية بحرية أجنبية بأن تجعل هذا الميناء الذي يقع على طريق الشحن الرئيس بين آسيا وأوروبا، قاعدة لها أو أن تجري فيه أنشطة ذات طابع عسكري.

إلا أنّ هذه التطمينات لم تقنع الطرف الهندي الذي يرى في الصين جاراً يسعى إلى الهيمنة على المنطقة. ويقول الدبلوماسي الهندي تي بي سرينيواسان لـ"العربي الجديد" إن هناك وجوداً دائماً لغواصات صينية في مياه سريلانكا. وهذا الأمر يثير غضب الهند لأنه انتهاك لما تم إعلانه وقت توقيع اتفاقية تطوير ميناء هامبانتوتا"، في حين يرى الدبلوماسي الهندي رفيع المستوى جي بارثاساراثي أن "سريلانكا ستدفع ثمناً سياسياً مقابل هذه الانتهاكات".

ويضيف بارثاسارثي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "تطوير الصين لهذا الميناء يأتي ضمن سياسة لتطوير ما تطلق عليه "سلسلة من اللآلئ" وهي استراتيجية تنتهجها بكين لبناء تحالفات عسكرية وقواعد بحرية من جيبوتي مروراً بباكستان وسريلانكا وبنغلاديش وميانمار لتطويق الهند وتوحيد أعدائها، من خلال تطوير مختلف الموانئ ضمن محيطها البحري. هذه السلسلة هي في الحقيقة حلبة مبارزة لها ثمن سياسي ستدفعه سريلانكا".

ومن المتوقع أن يلعب ميناء "هامبانتوتا" دوراً رئيسياً في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية أو ما كان يُعرف بـ"مشروع حزام واحد طريق واحد" والتي ستربط الموانئ والطرق بين الصين وأوروبا. وتريد الصين أن تكون الهند شريكة لها في هذه المبادرة، لكن الأخيرة ترفض ذلك إلى الآن. وبعد أن شهدت منطقة دوكلام المتنازع عليها منتصف يونيو/حزيران الماضي توتراً بين القوتين النوويتين، أرادت سريلانكا أن تحقق توازناً بين البلدين العملاقين، فقررت تسليم مطار "ماتالا راجابكسا" في جوار الميناء، والذي بنته الصين، إلى الهند. وهو ما تمّ وصفه بتحد هندي لتقدّم الصين في منطقة جنوب آسيا.

وفي خطاب له في ملتقى نظمته مؤسسة "كارنيجي" الهندية الأسبوع الماضي، قال سكرتير الخارجية الهندي أيس جايشانكار إن بلاده ستطور ميناءي كولمبو وترينكومالي في سريلانكا. وهو ما يعزز حضور الهند في المحيط الهندي حيث تسعى الصين إلى تقوية نفوذها. وفي حين استثمرت الصين بلايين الدولارات في إعادة تأهيل البنى التحتية في سريلانكا منذ نهاية الحرب الأهلية في البلاد عام 2009، تعمل الهند من جانبها على تطوير مشاريع القطارات والشوارع في البلد الفقير.

وبحسب بارثاسارثي، فإن سريلانكا تواجه اليوم أزمة اقتصادية عميقة بديون تصل إلى 64.9 مليار دولار، منها 8 مليارات للصين، وهي لا تستطيع حالياً تسديد هذه الديون بسبب بطء نموها الاقتصادي. ولحل هذه الأزمة، لم يكن أمام الحكومة السريلانكية إلاّ الموافقة على تحويل ديونها إلى حقوق ملكية للصين.

كذلك، فإن تسليم سريلانكا لمطار ماتالا راجابكسا، أكثر مطارات العالم الدولية خواءً والذي بلغت تكلفته 209 ملايين دولار، للهند، أيضاً خطوة لتسديد قسم من ديونها وتحقيق التوازن بينها وبين جارتها الصين. وقد يكون ذلك بمثابة رسالة إلى الصين بأنها لن تكون لها الحرية المطلقة للوجود في جنوب آسيا، وأن الهند ستكون موجودة في كل مكان.


وقبل أربع سنوات، بنت سريلانكا مطار ماتالا راجاباكسا الدولي في هامبانتوتا، على بعد 250 كيلومتراً جنوب كولومبو، بمساعدة صينية بلغت 190 مليون دولار، أي أكثر من 90 في المئة من التكلفة الإجمالية. واليوم، يعاني المطار من خسائر فادحة لا تستطيع سريلانكا تعويضها وهي غير قادرة على تسديد المستحقات إلى بنك "إكسيم" الصيني. لذا تجري الهند محادثات مع سريلانكا لتشغيل المطار في الطرف الجنوبي من البلاد، حيث استثمرت الصين بكثافة لـ "مبادرة الحزام والطريق". ويعارض الموالون للرئيس السابق ماهيندا راجاباكسا استثمار الهند في هذه المنطقة وإعادة تشغيلها لمطار ماتالا.

ووقعت سريلانكا والهند أخيراً اتفاقيتين لبناء 1200 منزل نموذجي في 50 قرية في هامبانتوتا أي المقاطعة الجنوبية ذات الأغلبية السنهالية. كما بنت ما يقرب 46 ألف منزل في شمال وشرق المقاطعة. وهي تعمل أيضاً على مشاريع الإسكان في المقاطعات التي يعيش فيها الآلاف من السريلانكيين من أصل هندي. كذلك، أجريت الأسبوع الماضي مناورات عسكرية مشتركة هي الخامسة بين قوات الكتيبة الأولى لفوج ماهار في الجيش الهندي وفوج سينجا في الجيش السريلانكي.

ويقول سرينيواسان الممثل الدائم السابق للهند لدى الأمم المتحدة والذي كان ممثّل بلاده أيضاً لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية: "قدمت الهند تنازلات وامتيازات وحريات لسريلانكا، ولكن لم تفهم قيمتها حينها وأعطت الصين ما أعطتها. الآن سريلانكا أدركت أخطاءها، لكن لا تقدر على فعل أي شيء للخروج من هذا الوضع. أصبحت جزءاً من مبادرة الحزام والطريق، لكن ذلك ليس لصالحها، بل لصالح هيمنة الصين على المنطقة".

وقد يكون التحدي الهندي لسياسة "سلسلة اللآلئ" التي لم ينازعها عليها أحد لفترة طويلة، يثير قلق الصين. ولكن توقيع الهند على اتفاقية تطوير مطار ماتالا، سيشجّع البلدان الصغيرة الأخرى في المنطقة على تغيير ولائها من الصين إلى الهند، لكن سريلانكا ستستمر ساحة أو مركزاً للصراع بين البلدين، وفق ما يرى الخبراء.

المساهمون