هل يحقق خلاف الصواريخ بين إيران والسعودية مآرب ترامب؟

هل يحقق خلاف الصواريخ بين إيران والسعودية مآرب ترامب؟

08 نوفمبر 2017
صاروخ بالستي إيراني - سبتمبر 2012 (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -
عاد التراشق الإيراني السعودي إلى الواجهة من جديد، وباتت ساحاته وعناوينه أكثر توتراً. فبين لبنان واستقالة رئيس الحكومة، سعد الحريري، من جهة، واليمن وصواريخ الحوثيين، التي وصلت إلى الرياض، من جهة ثانية، يبدو أن المواجهة مع طهران تتحرك نحو غايات سعى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتحقيقها في فترة سابقة. إلا أن تضييق الخناق على طهران من بوابة تخريب الاتفاق النووي لم يلق استحساناً أوروبياً ولا دولياً، ولربما يتحقق بما بات يسمى بالتهديد الصاروخي الإيراني المباشر للمملكة.

وانطلقت الشرارة الجديدة بعد استقالة الحريري من الرياض. احتجت طهران على التوقيت الذي تزامن مع تقدم ميداني لإيران وحلفائها في سورية والعراق، وكون الاستقالة جاءت مباشرة عقب لقاء مغلق عقده الحريري مع مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، في بيروت، وقال البعض عنه إنه بحث دور إيران في اليمن، وأوصل رسالة سعودية عبر الحريري لإيران تتعلق برفع يدها عن الحوثيين مقابل فتح حوار خليجي معها، وهو ما رفضه ولايتي، ونفت السفارة الإيرانية في بيروت صحته في وقت لاحق.

يعلم المسؤولون في إيران أن ما يجري في الوقت الراهن يرتبط بشكل رئيسي بمحاولة جادة لتضييق الخناق على "حزب الله" في لبنان، وهو ما سينعكس على إيران بطبيعة الحال، وهذا الأمر سيحقق رغبات إسرائيل، وهو ما أكد عليه مستشار رئيس البرلمان الإيراني والمسؤول الأسبق في الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، إذ اعتبر، في لقاء مع التلفزيون المحلي بث ليل الإثنين الماضي، أن من أراد تدمير سورية والعراق انتقل الآن لتطبيق خطة لزعزعة أمن لبنان. وقال، في جزء آخر من لقائه، إن "أميركا والصهاينة يريدون الإيقاع بالعالم الإسلامي من خلال إطلاق حرب بين السعودية وإيران تعود تبعاتها بالنفع عليهم، لكن هذه الأمنية ستدفن قبل تحققها". ورأى عبد اللهيان أن ما يجري يتطلب وعياً وحكمة في التعامل من قبل أطراف محور المقاومة، قائلاً إنه لا يوجد أي قلق خاص يتعلق بلبنان، لكن في حال استمرار الوضع على هذا المنوال فمن الممكن أن تتحول الأمور في هذا البلد نحو عدم الاستقرار، حسب تعبيره. على الضفة الثانية، انطلقت المواجهة من اليمن، فتزامنت استقالة الحريري وإطلاق جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) لصاروخ باليستي بعيد المدى، وصل إلى مطار الملك خالد في الرياض. وبدأت السعودية على لسان مسؤوليها، الجالسين في واجهة صنع القرار السياسي في الوقت الراهن، بإطلاق اتهامات ذات لهجة حادة نحو إيران. وقال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إن هذا اعتداء إيراني مباشر على المملكة، وأيده وزير الخارجية، عادل الجبير، ومن قبلهما التحالف العربي في اليمن، فذكروا جميعاً أن إيران تزود الحوثيين بالصواريخ التي باتت تهدد الأمن والأراضي السعودية.


طهران من جهتها، قرأت الأمر على أنه اتهامات واهية ومفبركة. وقال قائد "الحرس الثوري"، محمد علي جعفري، إنه لا يمكن بالأساس إيصال الصواريخ الإيرانية إلى الأراضي اليمنية، موضحاً أنها صواريخ يمنية مطورة. والمتحدث باسم وزارة الخارجية، بهرام قاسمي، ورغم دحضه للاتهامات الموجهة إلى بلاده، إلا أنه رأى أن اليمنيين يردون على العدوان السعودي، واصفاً إطلاق الصواريخ، بعد أعوام من الحرب والقصف والقتل، بالدفاع عن النفس. أما وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، فرأى أن أعداء إيران سيستفيدون حالياً من أي فرصة لتوجيه أصابع الاتهام نحوها. وبدأت طهران بالفعل بالتعامل مع الأمر على أنه مؤامرة تحاك ضدها، بعد أن أصرت على الاحتفاظ باتفاقها النووي، وحصلت على دعم دولي يتعلق بذلك.

وبعد أن أعلن ترامب عن استراتيجيته الجديدة إزاء إيران، والتي تستهدف النووي من جهة والبرنامج الصاروخي من جهة ثانية، تتحول الأمور، في الوقت الراهن، للتعامل مع البرنامج الصاروخي الإيراني من زاوية تهديد أمن دول أخرى. وكان بن سلمان قد أجرى اتصالاً بوزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، صرح بن سلمان خلاله برفضه لما وصفه بالعدوان الإيراني المباشر. ونسبت وكالة الأنباء السعودية لولي العهد قوله إن "ضلوع النظام الإيراني في تزويد المليشيات الحوثية التابعة له بالصواريخ يعد عدواناً عسكرياً مباشراً من قبل النظام الإيراني، وقد يرقى إلى اعتباره عملاً من أعمال الحرب ضد المملكة". وبالمقابل دان جونسون إطلاق "أنصار الله" للصاروخ نحو الرياض، مؤكداً أن بريطانيا تقف مع المملكة لمواجهة التهديدات الأمنية. أما دعم ترامب لهذا التوجه فواضح منذ القمة الإسلامية الأميركية في الرياض. كما أيد البنتاغون التصريحات السعودية الأخيرة. وبات موضوع الصواريخ الإيرانية، الذي ظهر في أشهر سابقة على شاكلة أن ترامب يغرد خارج السرب في وقت تريد الأغلبية في المجتمع الدولي الاحتفاظ بقيود البرنامج النووي على إيران، مداناً ومرفوضاً من قبل عديدين، وهو ما قد يوسع قُطر الجبهة المضادة لإيران.

في الداخل الإيراني، ورغم التعامل مع الملف على أنه مؤامرة تستهدف البلاد، حتى لو أنها انطلقت من لبنان واليمن، يبدو واضحاً الحرص في التعامل مع التصريحات والاتهامات السعودية. فلطالما كان المسؤولون، من ساسة وعسكر، واضحين وصارمين إزاء الملف الصاروخي، وكان الكل يسارع إلى رفض تدخل أي طرف أجنبي في هذا الصدد، طالما أنها دفاعية ولا تنتهك الاتفاق النووي، ولطالما كان "الحرس الثوري" بالذات حازماً في هذا الأمر، لكن يبدو أن الكل يعلمون بأن القيادة السعودية، بشكلها الجديد وبوجود شخص مثل ترامب، قد تقود الأوضاع نحو جنون إقليمي، وهو ما يستدعي إصراراً على المواقف السياسية في الوقت الراهن، من دون تصعيد مبالغ به، وعدم إخراج الأمر من ساحة اليمن وتوسيعه ليشمل ملف صناعة واختبار الصواريخ البالستية الإيرانية، على الأقل في المستقبل القريب، مع مراعاة أن الطرف الآخر يحاول أن ينتهز الفرصة لسلب إيران مكتسباتها الدولية والإقليمية على حد سواء.