فرنسا: باحثون يطالبون بريطانيا بتغيير سياستها والاعتذار عن بلفور

فرنسا: باحثون يطالبون بريطانيا بتغيير سياستها والاعتذار عن بلفور

03 نوفمبر 2017
أكّد المشاركون تورّط بريطانيا في استعمار فلسطين (العربي الجديد)
+ الخط -
طالب باحثون وسياسيون الخميس في ندوة عقدت في الجمعية الوطنية الفرنسية "البرلمان" بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور وتغيير سياستها باتجاه إسرائيل لمصلحة الانتصار لحقوق الفلسطينيين.

وتمت الندوة برعاية من النائب البرلماني عن الحزب الشيوعي، فابيان روسيل، وبجهد كبير من الإعلامي والمؤرخ ألان غريش، وجرت في إحدى قاعات الجمعية الوطنية الفرنسية. وقد شارك في هذه الندوة التي أدارها غريش كل من المؤرخين جوزيف مسعد وإيلان بابيه ورباب عبد الهادي.   

 
ورأى جوزيف مسعد، الأستاذ في السياسة وتاريخ الفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا بنيويورك، أن "الأوروبيين المتنورين في أثناء حملتهم لتطهير أوروبا المخترعة حديثًا من كل ما هو غير مسيحي وبالتالي غير غربي، قاموا، في أواخر القرن الثامن عشر، باختراع ما أطلقوا عليه اسم (المسألة الشرقيّة) ومن بعدها وكفرعٍ لها (المسألة اليهوديّة)".


ثم يبرز الباحث، والذي سيصدر له قريباً، كتاب "الإسلام في الليبرالية"، أنه كان "للمسألتين دورٌ مركزي في المساعي الإمبرياليّة الأوروبيّة لتفكيك الدولة العثمانيّة والسيطرة على أراضيها. ومع حلول بواكير القرن العشرين، وفي أواخر أيام الحرب العالمية الأولى، قرر هؤلاء الأوروبيون المتنوّرون حلّ هاتين المسألتين من خلال تحويلهما عبر الاستعمار الاستيطاني إلى ما سمَّوْه بـ (مسألة فلسطين)".


أي أن "المسألة اليهوديّة"، كما يراها هؤلاء المتنورون هي "مسألة آسيويّين شرقيّين أجانب يعيشون في أوروبا والغرب. وقد طالب نابوليون اليهود الفرنسيّين بالتأكد من خلوّ ممارساتهم الدينيّة اليهوديّة من أي رواسب شرقيّة، والتي كانت تسمح لرجالهم بالزواج بأكثر من امرأة، قبل أن يقبل بهم كمواطنين فرنسيّين متساوين مع المسيحيين في فرنسا ما بعد الثورة. وقد أكّد له وفد من اليهود الفرنسيّين أن اليهود الأوروبيّين الأشكنازيين كانوا قد حرّموا هذه الهرطقات اللا مسيحية في القرن الثاني عشر وأنهم نتيجة ذلك قد أصبحوا تقريبًا مسيحيين".


ويضيف المؤرخ والباحث جوزيف مسعد أنه "في اجتماعاته مع الحكومة البريطانيّة، في عام 1923، أصرّ السياسي البريطاني اليهودي هربرت صموئيل على أن معارضة العرب للصهاينة مرتكزة على سوء فهم لأهداف الحركة، وأن القيادات الصهيونية المتسمة بالمسؤولية لا تخطط لمصادرة الأراضي العربية ولا لإغراق البلد بالمهاجرين اليهود". 


وفي بارقة أمل يضيف: "بينما كل ما تخوّف منه الفلسطينيون وتوقّعوه تحقق بالفعل، لم يتحقق كل ما توقّعه الصهاينة اليهود والمسيحيون. فلم يستسلم الفلسطينيون وهم يواصلون النضال ضد الاستعمار والعنصريّة الصهيونيّة حتى اليوم". 


على الرغم من الكلفة غالية، كما يقدّر جوزيف مسعد، فقد "قامت إسرائيل بقتل أكثر من مائة ألف فلسطيني وعربي منذ عام 1948، وقد قُتل الآلاف من الفلسطينيين على يد البريطانيين والصهاينة ما بين عامي 1917 و1948. وقد قامت إسرائيل بطرد نصف الشعب الفلسطيني من فلسطين التاريخية، والذين ما زالوا يقبعون في المنفى بينما يقبع النصف الثاني على أرضه في ظل القوانين والأحكام الاستعمارية والعنصرية الإسرائيلية في إسرائيل وفي الضفة الغربية وغزّة. أما أغلبية يهود العالم اليوم، فما زالوا يعيشون في أوطانهم حول العالم ويرفضون الانتقال إلى إسرائيل، بما فيهم أغلبية يهود الولايات المتحدة، ويهود أميركا اللاتينية، ويهود فرنسا وروسيا وبريطانيا وغيرهم، وقد أخفقت كل المحاولات البريطانيّة والإسرائيليّة والفرنسيّة والألمانيّة والأميركيّة في هزيمة الشعب الفلسطيني في القرن الماضي".  


ثم يتحدث عن تجديد وعد تيريزا ماي مؤخرًا للصهاينة، حين صرحت بأن المملكة المتحدة ستحتفل بمئوية إعلان بلفور بـ "فخر". فيقول إنه: "ليس إلا تعبيرًا عن الفخر بالإرث البريطاني الاستعماري والعنصري واللاساميّ والمعادي للشيوعية، والذي تصرّ ماي وحلفاؤها في الحكومة البريطانية على الاستمرار بفرضه على أرض الفلسطينيين وعلى الشعب الفلسطيني".

ويكشف كيف أن "ماي رفضت، شأنها شأن بلفور من قبلها، حتى أن تذكر الشعب الفلسطيني بالاسم". ويقارن بين بلفور وماي: "إذا قام إعلان بلفور بالإشارة إلى الشعب الفلسطيني بـ "المجتمعات غير اليهودية في فلسطين"، فتقوم ماي بالإشارة إليهم بتعبير "بعضهم"، ثم يذكر مسعد ما تضمنته كلمة ماي: "علينا أيضًا أن نكون واعين للحساسيّة لدى بعضهم من إعلان بلفور. ونحن نقرّ أن هناك جهداً أكثر ينبغي القيام به".


ثم يتطرق إلى موقف السلطة الفلسطينية، والتي يصفها بـ"المتعاونة مع العدو"، والتي "قامت بتهديد بريطانيا برفع دعوى عليها نتيجة احتفالها بالمئوية إلّا إذا قامت الأخيرة بتقديم الاعتذار إلى الشعب الفلسطيني عن إصدارها إعلان بلفور"، فهو يرى في الأمر نوعاً من "المجاهرة بالذلّ  (وهي) متوقّعة من سلطة دورها الوحيد هو قمع المقاومة الفلسطينيّة للاستعمار الإسرائيلي، والتي عملت، جاهدةً، منذ ربع قرن على قمع الحقوق الوطنيّة والسياسيّة للشعب الفلسطيني".


ثم تناول الكلمة المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه، أستاذ التاريخ ورئيس المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إيكستر، في المملكة المتحدة، وقد صدرت له مؤلفات عديدة منها "التطهير العرقي في فلسطين".


وقال بابيه إنه "في سنة 1998 كانت ندوة عن نفس الموضوع، ومن المُثبط للأمل أن نتحدث عن موضوع تطرقنا إليه قبل عشرين سنة". 


ثم تطرق إلى الموضوع من زاوية "الاستعمار الاستيطاني"، وقال إنه قبل عشرين سنة لم يكن يضع تمييزاً بين الاستعمار والاستعمار الاستيطاني. وبرر أنه قبل عشرين عاما كان في الندوة مؤرخون فلسطينيون وإسرائيليون وكان الإسرائيليون يشهرون في كل مرة اتهاماتهم، وأين وطننا؟


ثم أوضح "أن الاستعمار الاستيطاني هو حركة يهود أوروبية تبحث عن وطن جديد، من أجل إنشاء وطن قومي. وفي هذا المشروع تحتاج لدعم من قوة استعمارية، ولكن في فلسطين اكتشفت أن ثمة شعوباً تمتلك هذه الأراضي". 




كان لزاماً، كما يقول المؤرخ، على الوافدين الجدد أن "يتخلّصوا من أصحاب الأرض، فانتهى الأمر إلى تصفيتهم على غرار ما حدث في أميركا الشمالية وأستراليا".  


ثم تحدث عن الجوّ السائد في المعاهد الأوروبية، واعترف بأنه في بعض أقسام التاريخ في الجامعات الغربية "حين نحاول أن ندرج تاريخ الصهيونية في هذا الاستعمار الاستيطاني يتم نعتنا بالمعادين للسامية، من قبل أناس لا يدركون شيئاً عن الاستعمار الاستيطاني. بينما هم لا يعترضون على استخدام هذا المصطلح حين يتعلق الأمر بأميركا الشمالية، مثلاً".
 

وذكر أن رئيس الجامعة، التي يُدرّس فيها رفض السماح له بندوة تتحدث عن "الاستعمار الاستيطاني" في فلسطين. 


وأضاف أنه لا يمكنه أن يقول إن الاستعمار الاستيطاني، والذي أطلق قبل قرن من الزمن، قد نجح في فلسطين. 
 
وبيّن أن العلاقة بين بريطانيا العظمى والصهيونية نجد جذورها في الإعلان عن وعد بلفور، والذي يعتبر وثيقة لم تفقد تأثيرها.



وعلى الرغم من أن الحركات الصهيونية قاومت الوجود البريطاني في فلسطين، إلا أنها لم تنجح في الاستقرار من دون دعم الإمبراطورية البريطانية، والتي اعتمدت عليها، وهي نفس حالة المستوطنين البيض الذين استقروا في أميركا الشمالية. 

وفي كلا حالتي هؤلاء الذين حاربوا بلادهم (في فلسطين وأميركا الشمالية)، أطلقوا على حربهم "حرب الاستقلال". ولهذا فإن الإسرائيليين أطلقوا على حرب 1948 حرب الاستقلال، لأنها في نظرهم تشبه حرب الاستقلال التي اندلعت في الولايات المتحدة الأميركية.

ورأى إيلان بابيه أن الدعم البريطاني للحركة الصهيونية كان مادياً، ولكنه من خلال وعد بلفور كان دعماً أيديولوجياً أيضاً. 

وفي مسار الاستعمار الاستيطاني كان المستوطنون يقدمون أنفسهم باعتبارهم أهالي الأرض التي يطالبون بها، في حين كانوا يَعتبرون الفلسطينيين، سكان الأرض، مجرد أجانب. واعتبر بابيه أنه ليس من المهم لبريطانيا العظمى، الآن، تنظيم حفلة ضخمة للاحتفال بمئوية هذا الوعد، ولا بنشر إعلان تقديم الاعتذار للفلسطينيين بسبب دعمها الحركة الاستعمارية الاستيطانية في فلسطين. 


كما أنه لا يَجب على بريطانيا العظمى أن تكتفي بطلب الصفح من الفلسطينيين والتعبير عن الأسف، بل يجب عليها تغيير سياستها، حتى تتغير السياسة على الأرض.

وأضاف: ربما سنقرأ، يوماً، في الأعوام المقبلة في الصفحات الأولى في الصحف البريطانية، عناوين لسنا متعودين على قراءتها، من قبيل "نتمنى اندلاع إضراب" بدل "نخشى حدوث إضراب"، وأيضا "بريطانيا العظمى مستعدة للاعتذار من الفلسطينيين بسبب دورها المخزي والإجرامي في فلسطين".  
  
من جهته كشف ألان غريش أهمية مفهوم "الاستعمار الاستيطاني"، فذكّر بما لا يعلمه كثيرون، من أن المفكر الفرنسي مكسيم رودنسون، سلّط الضوء على المفهوم في مقال له بعنوان: "إسرائيل فعل استعماري"، بمجلة "الأزمنة الحديثة" صدر في يونيو/ حزيران 1967، وهذا المقال لم يكن له ما بعده في النقاش الفرنسي، ولكنه أثار انتقادات وهجمات، وهو نص مجهول ويستحقّ أن يُقرأ من جديد. 

ثم تدخلت رباب عبد الواحد، الأستاذة في جامعة سان فرانسيسكو ومديرة برنامج "دراسات حول الإثنيات والشتات العربي والإسلامي"، فكانت مداخلتها عن "مختلف المُقاوَمات في فلسطين".
وتحدثت عن مختلف النضالات التي قامت بها الحركة العمالية الفلسطينية تحت الاحتلال البريطاني، خاصة منذ الإضراب العام سنة 1936 إلى سنة 1939. وكشفت أن هذه الحركة كانت تعرف توترات داخلها، وهي شبيهة بالحركة العمالية في الولايات المتحدة، بسبب قضية العِرْق، ونفس الشيء حدث في جنوب أفريقيا. 



وفي سنة 1948 انتصر المشروع الصهيوني وكثر الحديث عن الأعمال المسلحة للهاغاناه (عصابة صهيونية)، والتي كانت إحدى المليشيات التي سبقت تأسيس الجيش الإسرائيلي، والتي حاولت أن تصف نفسها في المخيال التاريخي باعتبارها وحدة نظيفة، لما سيُصبح عليه الجيش الإسرائيلي، مقارَنَة مع جيوش أخرى، قد تكون ارتكبت فظاعات. وهو ما ليس صحيحاً، إذ ارتكبت هذه الوحدة، هي كذلك، فظاعات في حرب 1948. 

وتستعرض رباب عبد الهادي فظاعاتها التي شملت "تدمير قرى بأكملها"، و"صحيح أن بعض البلدات الفلسطينية نجت من الهدم، ولكنها تعرضت لتغييرات جوهرية من قبل الإسرائيليين، في ما يشبه نوعاً من المستوطنات العلمانية والفنية، وتم محو الهوية التاريخية الفلسطينية فيها".

وكان بعض المنحدرين من العائلات الفلسطينية الأصلية يتساءلون، أحيانا: "أين هي مقابرنا؟ أين هي تفاصيل المعمار الفلسطيني، والذي كان قبل نشوء دولة إسرائيل؟"، وتستعرض الباحثة ما يتطرق له فيلم "500 دونم فوق سطح القمر" للمخرجة راشيل ليا جونز، والذي يفضح ادعاءات اليهود بأن الفلسطينيين لا يكترثون للثقافة ولا للمعمار، إذن نحن سنهتم بها.

ثم دانت الصُوَر التي نشرتها وسائل الإعلام عن حرب 1967، حين صوّرت جندياً إسرائيلياً يبكي على حائط المبكى، وهو ما أريد منه منحه "صورة إنسانية"، وهو في "حرب استقلال".  

وتحدثت عن اغتيال القادة الفلسطينيين ثم حصار غزة، ثم وصلت أخيرا إلى مواقف فرنسا، والتي تتحمل قسطا من المسؤولية، ابتداءً من سنة 1916، مع اتفاق سايكس بيكو. كما أنها مسؤولة عن إرساء نظام شديد الطائفية في لبنان سنة 1943، وهو شيء بعيد عن العلمانية الفرنسية. كما أنها نفذت مغامرات استعمارية أخرى. وهي بنفس مسؤولية بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. 

وتضيف رباب عبد الهادي: "بالنسبة لفرنسا فإن لها ماضياً استعمارياً وحاضراً استعمارياً كذلك. وأنا أحس بالغضب حين أرى كيف تُستَخدم فيها تهمة "معاداة السامية" للوقوف في وجه كل من يعارض سياسة الحكومة الإسرائيلية، وكل من يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني. ونحن نطالب بأن تَحتَرِم إسرائيل نفس المعايير الدولية، ليس أكثر، ولكن ليس أقل".
   
وتقارن بين الحالتين الفرنسية والفلسطينية: "حالتنا مثل فرنسا. فأثناء حرب التحرير في فرنسا كان ثمة نظام فيشي، العميل للنازية، وكانت المقاومة، وإن مقاومتنا ليست أقلّ شرعيّة من المقاومة الفرنسية". 

ثم أضافت: "إني أعبّر عن غضبي حين أرى تجريم حركة (بي. دي. إس) في فرنسا". 
وفي ما يخص المصالحة بين حماس وفتح، تقول رباب عبد الهادي: "البعض يراها جيدة، ولكن يجب القول إنه ما كان لها أن تنجح، لولا الموافقة المصرية والإسرائيلية". ثم تختم بأن "الحياد لا وجود له".​