زيارة الأسد لسوتشي... تعليمات المرحلة الأخيرة من الصراع بسورية

زيارة الأسد لسوتشي... تعليمات المرحلة الأخيرة من الصراع على سورية

21 نوفمبر 2017
الأسد ظهر بصورة المُستَدعى لتلقي التعليمات (ميخاييل كلمتييف/فرانس برس)
+ الخط -




أسَّست زيارةٌ "مفاجئة" لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى منتجع سوتشي الروسي لمرحلة جديدة من مراحل الصراع في سورية، عنوانُها البارزُ هيمنة روسية ووصاية كاملة على القرار في بلاد باتت عرضة للتقسيم.

وبدا الأسد في زيارته بمظهر "المُستَدعى" لتلقي التعليمات الأخيرة حيال مبادرات حل لن ترضيه، ولكنها لن تلبي الحد الأدنى من مطالب قوى الثورة والمعارضة السورية.

وأعلن الكرملين، في بيانٍ، أن بوتين "هنّأ الأسد بالنتائج التي حققتها سورية في الحرب ضد الإرهاب"، مضيفاً أن "الشعب السوري يقترب تدريجياً من هزيمة الإرهابيين، التي هي نتيجة حتمية".

وبحسب البيان، فقد أكد بوتين أنه "بات من المهم الآن التوصل إلى تسوية سياسية في سورية"، مشيراً إلى أن الأسد "مستعد للعمل مع كل من يريد السلام، والاستقرار في سورية".

وقال الرئيس الروسي: "أنتم تعرفون أنه من المقرر أن التقي في سوتشي بعد غد (الأربعاء) بنظيريّ، الرئيس التركي والرئيس الإيراني. وأن نجري نحن أيضاً مشاورات إضافية، خلال اجتماعنا. المسألة الأهم هي مسألة ما بعد هزيمة الإرهابيين، أي مسألة التسوية السياسية، التسوية طويلة الأمد للوضع في سورية". 

ووصفت وسائل إعلام روسية زيارة الأسد التي استمرت أربع ساعات بـ"المفاجئة"، حيث اتسمت بالسرية التامة، ولم يعلن عنها إلا بعد عودة الأسد إلى سورية، ما يعيد إلى الأذهان زيارة مماثلة قام بها إلى موسكو في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، بعد أقل من شهر على بدء التدخل الروسي العسكري في سورية، حيث كان نظام الأسد على وشك السقوط. 

وتعد زيارة سوتشي هي الزيارة الخارجية الثانية للأسد منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، حيث لم يعد بمقدور رئيس النظام السوري مغادرة سورية لأسباب أمنية، وبسبب مقاطعة المجتمع الدولي له.

 


وفي كلا الزيارتين ظهر الأسد بمظهر المُستدعى من حاميه لتلقي "تعليمات" حيال ما يدور في عواصم إقليمية ودولية من طروحات تتعلق بالحل السياسي، والتسوية الأخيرة في سورية. 

الأسد، الذي يرى في الروس "منقذين" لسلطته، تعرّف خلال زيارة سوتشي على الجنرالات الروس الذين "لعبوا دوراً حاسماً في إنقاذ سورية"، وفق تعبير بوتين، وهو ما يؤكد تبعية نظام الأسد بشكل كامل للإرادة الروسية. 

وتؤسس هذه الزيارة لمرحلة جديدة في سورية، وخاصة أنها تأتي غداة القضاء على تنظيم "داعش" من خلال مليشيات إيرانية مدعومة من الجانب الروسي، حيث من المرجح أن الروس بدأوا في وضع اللمسات الأخيرة على "حل سياسي لا يرضي الأسد، وبنفس الوقت لا يلبي الحد الأدنى من مطالب قوى الثورة، والمعارضة السورية". 

وجاء استدعاء الأسد إلى سوتشي قبل يومين من قمة ثلاثية تجمع الرئيس الروسي والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني حسن روحاني. 

ومن المتوقع أن تحدد هذه القمة ملامح المرحلة المقبلة في سورية، وخاصة لجهة "إرساء حل يقوم على انتقال سياسي في البلاد، وكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات على أساسه". 

ومن الواضح أن موسكو أرادت من استدعاء الأسد إيصال رسائل، لعل أبرزها أن لديها مفتاح الحل، وأنها باتت المتحكمة في القرار السوري على كل الصعد، وأن الحل السياسي في البلاد لا بد أن ينال رضاها، وإلا لن يرى النور. 

كما أراد بوتين وضع الأسد في صورة الحل الذي يتبلور في عواصم صنع القرار، وضمان موافقته عليه، وخاصة أنه لا يلبي رغبة الأسد في حسم عسكري. 

ويبدو أنه بات مطلوباً من الأسد الدخول في مفاوضات حقيقية في جنيف تؤدي إلى حل ربما يبقيه في المرحلة الانتقالية، على أن تنتقل صلاحياته إما إلى حكومة "وحدة وطنية"، أو هيئة حكم تشرف على كتابة دستور جديد. 

كما يأتي الاستدعاء قبيل مؤتمر سوتشي، الذي تهيئ له موسكو، والمتوقع أن يضم أكثر من 1000 سوري لإجراء "حوار" عن مستقبل البلاد، بشكل يكرس الهيمنة الروسية على سورية. 

كما يسعى بوتين من وراء الزيارة للظهور بمظهر "المنتصر" قبيل عدة أشهر من انتخابات رئاسية ستشهدها بلاده، حيث يعمل لتوظيف الملف السوري ورقة سياسية هامة يرفعها في وجه خصومه، بعدما أسس لوجود روسي طويل الأمد على الشاطئ الشرقي للمتوسط، محققاً الحلم الروسي بالوصول إلى "المياه الدافئة".  

وخلال عامين فصلا بين زيارتي بشار الأسد إلى روسيا سالت الكثير من الدماء والدموع السورية، جراء استخدام الطيران الروسي خيار "غروزني" المدمر في سورية؛ وهو خيار قتل آلاف السوريين، وشرد عشرات الآلاف، فضلاً عن الدمار الكبير للوصول إلى مرحلة التسوية على أنقاض دولة باتت معرضة للتقسيم، بعد أن تحول الروس والإيرانيون إلى أوصياء، بل محتلين يُملون ما يريدون على نظام رهن البلاد من أجل التمسك بسلطة باتت اليوم بلا قيمة حقيقية، عرتها تماماً زيارة الـ4 الساعات التي كانت سرية، وأصبحت اليوم أقرب لـ"الفضيحة السياسية" التي تشير إلى مآلات الصراع على سورية.