بوتفليقة لولاية خامسة: اختبار نوايا أم إنهاء حرب الأجنحة؟

بوتفليقة نحو ولاية خامسة: اختبار نوايا أم إنهاء حرب الأجنحة؟

21 نوفمبر 2017
يعود آخر خطاب ألقاه بوتفليقة إلى مايو 2012(فرانس برس)
+ الخط -

أثارت تصريحات مسؤول جزائري سابق التقى الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، قبل أسبوع، ونقل عنه رغبته الاستمرار في الحكم والترشّح لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات المقبلة المقرّرة في ربيع 2019، مزيداً من النقاش السياسي حول جدية عزم بوتفليقة الترشّح مجدداً على رغم وضعه الصحي، أو ما إذا كانت مجرّد رسالة تستهدف تهدئة الصراع الذي بدأت تظهر بوادره بين عصب السلطة على الخليفة المفترض، أم أنها امتحان لنوايا الأطراف وجس نبض سياسي وشعبي لذلك.

وكشف الرئيس السابق للهيئة الحكومية لحماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني في تصريحات صحافية، السبت الماضي، عن رغبة بوتفليقة في الترشح لولاية رئاسية خامسة في انتخابات ربيع 2019. وقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، "التقيت الرئيس بوتفليقة قبل أسبوع، وأنا معتاد على لقائه بين الفترة والأخرى كلما سمحت لنا الظروف بذلك، وعلاقتنا تمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود، والحقيقة أنه عبّر لي بوضوح عن رغبته في الاستمرار في الحكم والترشّح لفترة رئاسية خامسة". وأضاف قسنطيني "أعتقد أنّ هذا من حقه، وهو لا يتعارض مع الديمقراطية، الشعب وحده من سيقرر إذا أراده أن يستمر أم لا". وبشأن تطورات الوضع الصحي لبوتفليقة، قال قسنطيني "جلست مع الرئيس لأكثر من ساعة وعشرين دقيقة، ولم ألمس أية تداعيات يمكن أن تمنعه من ذلك، بخلاف كل التحاليل التي أسمعها وأقرأها عن صحته. تحدثت إلى الرجل وكان يحلّل الوضع السياسي والاقتصادي بشكل لا يثير لدى المستمع أي تخوّف بشأن صحته، ما عدا صوته الخفيف وعدم قدرته على تحريك رجليه بشكل كامل".


ولم يفاجأ المشهد السياسي في الجزائر بتصريحات قسنطيني، خصوصاً وأن فكرة الولاية الخامسة لبوتفليقة طرحت أخيراً، من قِبل أكثر من فصيل سياسي ومدني موال له. ويبدأ عادة التمهيد لهذه الفكرة قبل سنة على الأقل من اقتراب موعد الانتخابات. وقبل أشهر أعلنت أحزاب الموالاة دعمها فكرة ترشح بوتفليقة، بدءاً من حزب التحالف الجمهوري الذي يقوده الوزير المنتخب السابق المكلّف بالجالية بلقاسم ساحلي، والذي أعلن خلال المؤتمر العام للحزب في مارس/آذار الماضي دعمه فكرة الولاية الخامسة. وتماهى مع هذه الفكرة حزب تجمّع أمل الجزائر المنشق عن إخوان الجزائر بقيادة وزير النقل السابق عمار غول. ولاحقاً أعلن حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحوز على الأغلبية في البرلمان دعمه لأي خيار يقرره بوتفليقة بشأن الولاية الخامسة، والموقف نفسه اتخذه حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى. وانضم إلى الجوقة السياسية أيضاً عدد من المنظمات المدنية واتحاد العمال وتنظيم الزوايا الدينية، وغيرهم من المنظمات التي توصف في الجزائر بـ"المنظمات الريعية".

لكن الجديد في تصريحات قسنطيني، تفصيله للمرة الأولى الوضع الصحي لبوتفليقة، إذ أعطى صورة عن تحسّن كبير لوضعه الصحي، وقال إنه استعاد صحته بشكل جيّد، عدا ما يتعلّق بخفوت الصوت وصعوبة تحريكه أطراف رجليه. وإذا كان من المثير أن يدلي قسنطيني بتصريحات تخصّ صحة الرئيس بعد لقائه به، فإنها في المقابل توجّه تطمينات إلى الجهات التي كانت تتساءل عن مدى قدرة الرئيس على إتمام ولايته الرئاسية الحالية، ومدى قدرته أيضاً على المغامرة بالترشح لولاية خامسة، على رغم استمرار تداعيات الوعكة الصحية التي ألمّت به منذ إبريل/نيسان 2013، والتي حدّت من نشاطاته السياسية وتحركاته محلياً ودولياً. ويعود آخر خطاب ألقاه بوتفليقة إلى مايو/أيار 2012، وهو الخطاب الشهير الذي كشف فيه نيته التنحي وتسليم المشعل، قبل أن يفاجئ الجزائريين بالترشح مجدداً، مستفيداً من تعديل الدستور الذي أنجزه في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، والذي ألغى بموجبه مادة دستورية كانت تحدّ من الترشح لأكثر من ولايتين رئاسيتين. كما يعود آخر تحرك له في نشاط رئاسي خارج العاصمة إلى مرافقته للرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في ديسمبر/كانون الأول 2012، عندما زار مدينة تلمسان غربي الجزائر قرب الحدود مع المغرب. كما أن آخر مشاركة دولية له كانت في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2012.

وتتوافق تصريحات قسنطيني مع تقرير كان قدّمه أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي قبل ثلاثة أشهر عقب زيارتهم الجزائر. ويكشف التقرير الذي أعده السناتور الفرنسي، سيمون سوتور، إثر لقاءات عقدها مع قيادات جزائرية رسمية عن "إمكانية بوتفليقة، الترشح لولاية خامسة، وذلك في غياب ضغط شعبي مؤيد لإحداث تغييرات في النظام السياسي، إلى جانب التضييق على بعض وسائل الإعلام، وقمع تظاهرات حركة بركات، المعارضة لترشح بوتفليقة لولاية جديدة، وانقسام المعارضة". وأشار التقرير نفسه إلى أن "بوتفليقة يحظى بشرعية حقيقية، اكتسبها من معالجته للعشرية السوداء وإيقافه نزيف الدم والعنف في البلاد خلال التسعينات".

ويعتبر ناشطون سياسيون أن الحراك السياسي حالياً بمثابة البدء بالحملة للتزكية المسبقة للولاية الرئاسية الخامسة. ويصف الناشط السياسي يزيد بوعناني "الكلام عن الولاية الخامسة لبوتفليقة بمثابة استفزاز وتحريض للضمير الجمعي للشعب الجزائري"، فيما يعلن ناشطون مدنيون نيتهم النزول إلى الشارع للاعتراض على ترشّح الرئيس بحال تمّ ذلك.

ويقول القيادي السابق في حركة بركات عبد الوكيل بلام إنه "من الطبيعي أن تكون هناك ردة فعل ضد ولاية خامسة، تماماً كما كان الأمر عندما ترشّح لولاية رابعة في إبريل 2014.  لن نقبل بهذا العبث مطلقاً، وسنعمل على إعادة بعث الحركة بالاستفادة من تجربة الاعتراض السابقة".

ثمّة تحليل آخر لا يلتقي مع تصريحات قسنطيني، ويعتبر أنّ إعلان الأخير أن بوتفليقة يرغب في ولاية رئاسية خامسة، هي "محاولة من الرئيس لسحب النقاش السياسي الحاد في الجزائر بشأن الانتخابات الرئاسية، خاصة بين حزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إذ تبادل الأمين العام لجبهة التحرير جمال ولد عباس وأمين عام التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى الذي يشغل منصب رئيس الحكومة، مناوشات كلامية خلال الحملة الدعائية للانتخابات البلدية المقررة الخميس المقبل، إضافة إلى دخول أحزاب سياسية أخرى موالية لبوتفليقة على خط المناوشة السياسية، في مقابل أحزاب المعارضة التي استهجنت إقحام الانتخابات الرئاسية في النقاش السياسي في خضم الانتخابات البلدية.


في سياق آخر، يعتقد مراقبون، بينهم المحلل السياسي أحسن خلاص، أن الرسالة الرئيسية لكشف نوايا بوتفليقة بشأن اعتزامه الترشح لولاية خامسة، تستهدف بالأساس "وبخلاف الولايات السابقة قطع التشويق والغموض مبكراً، ووقف صراع الكواليس بين أجنحة وأطراف داخل محيط السلطة"، بشأن الخيارات الممكنة في حال لم يترشّح بوتفليقة في 2019، خصوصاً بين جناح يراهن على وزير الطاقة السابق أو ما يعرف بكرازاي الجزائر، شكيب خليل، المتحمّس للولايات المتحدة، ورئيس الحكومة الحالي أحمد أيحيى المتحمّس لمزيد من العلاقات مع فرنسا.

وبغض النظر عن جديّة اعتزام بوتفليقة الترشّح لولاية خامسة، إذ يرغب أن ينهي حياته كرئيس، خصوصاً وأنه ترشّحه لولاية رابعة في إبريل 2014، عقب بقائه 81 يوماً في مستشفى فال دوغراس العسكري في باريس، وفي ظروف صحية أكثر وطأة من ظروفه الراهنة، تبقى احتمالات ترشحه في إبريل 2019 واردة. فإن اعتقاداً وارداً أيضاً بإمكانية أن يكون هدف بوتفليقة من كشف نوايا الترشح، تأجيل الجدل وسط المحيط الرئاسي بشأن الخليفة المفترض له في الرئاسة، والانفراد باختيار هذا الخليفة، والاحتفاظ بعامل المفاجأة السياسية لنفسه، من دون إشراك أي من الأطراف السياسية المقربة منه.

المساهمون