إغلاق مكتب منظمة التحرير بواشنطن لفرض ترتيبات إسرائيلية

إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن لفرض ترتيبات إسرائيلية

19 نوفمبر 2017
السلطة مطالبة بالبصم على ما ينوي ترامب طرحه كتسوية(Getty)
+ الخط -
قررت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فجأة إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وزعمت وزارة الخارجية أنه يتعذر عليها هذه المرة إبلاغ الكونغرس، بموجب القانون، بأن السلطة الفلسطينية أوفت بالتزاماتها التي ترتبط بها الموافقة الدورية لاستمرار المكتب في عمله بصورة قانونية.

لكن تعليل الخارجية للقرار جاء بصيغة واهية تكشف أن حسابات أخرى أملت اتخاذه. منها أن القرار ربما يكون قد جاء في جانب منه ردا على المصالحة الفلسطينية الأخيرة، التي أزعجت إسرائيل ومفاتيحها في واشنطن. ومنها أنه جاء لتأزيم العلاقات مع السلطة، وبما يوفر الفرصة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والذي كان نائب الرئيس، مايك بينس، قد وعد بحصوله "قريباً"، في خطاب له مؤخراً أمام منظمة يهودية أميركية.

لكن التفسير الأقرب إلى الواقع أن القرار أتى في إطار الضغط على السلطة الفلسطينية لإجبارها على القبول بترتيبات مفصلة على المقاييس الإسرائيلية، لفرض تسوية تنزل في خانة "الإنجاز التاريخي" للرئيس ترامب.

فالمعروف أن البيت الأبيض يهيئ الأجواء للكشف مع مطلع العام القادم كما تردد، عن صيغة "صفقة القرن" التي سبق ووعد بها ترامب لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. صيغة تولى وضعها فريق البيت الأبيض بقيادة صهر الرئيس، جاريد كوشنر، ولا علاقة لوزارة الخارجية بها، بعد عدة زيارات قام بها إلى المنطقة تم خلالها وضع أطراف عربية في صورة الخطة.

وقيل إنه جرت مطالبة هذه الأطراف العربية بلعب دور في حمل السلطة الفلسطينية على القبول بالصفقة. ووضع مراقبون استدعاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً إلى الرياض، في هذا الإطار.

وفي سياق هذه الضغوط، صوتت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، الأربعاء الماضي، وبالإجماع، على وقف المساعدات الأميركية للسلطة ما لم تتوقف عن دفع المخصصات لما سمته "عائلات مرتكبي العنف" ضد الإسرائيليين؛ بزعم أن ذلك ليس سوى "مكافأة وتشجيع على العنف"، وهو موقف يتبنى الخطاب الإسرائيلي بصورة فاقعة.

وكانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قد أخذت ذات القرار خلال الصيف. ومن المتوقع أن يطرح الموضوع على المجلسين للتصويت قريباً وإصدار قانون بقطع المساعدات. وبذلك، تصبح كماشة المحاصرة المثلثة، إغلاق المكتب، قطع المساعدة والضغط الإقليمي، جاهزة للإطباق على السلطة الفلسطينية بهدف إرغامها على الرضوخ.

مزاعم الإدارة والكونغرس والشروط التي وضعها القرار للتراجع عن الإغلاق، تفضح هذا الغرض.

وتدّعي الخارجية الأميركية بأن الوقائع والتصريحات الفلسطينية تخالف شروط استمرار عمل المكتب، التي جرى افتتاحها في عام 1994 تحت اسم مكتب "م.ت.ف" أيام الرئيس كلينتون، بعد اتفاقية أوسلو. ثم رفع الرئيس السابق باراك أوباما في 2011 من درجته ليصبح بمثابة بعثة، ولو من دون حصانة دبلوماسية. وفي عام 2015، ربط الكونغرس استمرار عمل المكتب بشرط عدم لجوء السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل.

وتقول الحيثية التي وقف قرار الإغلاق وراءها إن الرئيس عباس طالب في كلمته أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق بجرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. الأمر الذي يكسر الشرط، وبالتالي يبرر الخطوة، حسب زعم الإدارة. لكن ذكر المحكمة الجنائية ورد في سياقات فلسطينية سابقة، من دون أن يثير مثل هذا الرد، بل من دون أن يخفف من حماس الإدارة المزعوم لـ"صفقة القرن". 

لكن هذه المرة اختلف الأمر. إسرائيل هندست الإخراج وجرى تبليغه إلى الجانب الفلسطيني بكتاب خطي، رافقه اجتماع كوشنر ومساعده غرينبلات مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، في منزل هذا الأخير بضواحي واشنطن، حيث يقضي فترة نقاهة بالقرب من المستشفى بعد عملية زرع الرئة التي أجريت له قبل أكثر من أسبوعين.

وقد وصف عريقات، أمس، الإجراء بأنه "مؤسف وله تداعيات خطرة". فهو يضع الجانب الفلسطيني أمام خيارين: إما الانصياع وإما الحصار. "يمكن للرئيس ترامب العدول عن إقفال المكتب في غضون ثلاثة أشهر إذا ثبت له أن الطرف الفلسطيني قد دخل في مفاوضات مباشرة وجادة مع إسرائيل".

ولعل شرط الجدّية يعني هنا أنه مطلوب من السلطة البصم على ما ينوي الرئيس ترامب طرحه كتسوية، كانت قد سرت تكهنات بأنها تقوم على صيغة ملتبسة يغلب فيها الطابع الإنمائي الاقتصادي على الجانب السيادي، خاصة لجهة احتفاظ إسرائيل بالحضور العسكري على حدود الضفة مع الأردن.

على أي حال، لعب البيت الأبيض لعبته. مقابل إسقاطه خيار الدولتين من قاموسه، أعطى الفلسطينيين من طرف اللسان حلاوة ليرتد عليهم في النهاية، بسياسة وضعهم أمام الأمر الواقع المرّ. ارتداد مارسته إدارات سابقة، لكن ليس بهذه الفجاجة.


المساهمون