"ذا غارديان": هل نفذت الصين أول انقلاب سرّي بزيمبابوي؟

"ذا غارديان": هل نفذت الصين أول انقلاب سرّي لها في زيمبابوي؟

17 نوفمبر 2017
شي جين بينغ وروبرت موغابي (دييغو أزوبل/ Getty)
+ الخط -
كشفت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية أنّ زيارة قام بها قائد الجيش في زيمبابوي الجنرال كونستانتينو شيونغا إلى بكين، يوم الجمعة الماضي، أثارت شكوكاً مفادها بأنّ الصين ربما أعطت الضوء الأخضر لفرض الجيش سيطرته على العاصمة هراري، هذا الأسبوع.

وقالت الصحيفة، في تقرير، اليوم الجمعة، إذا كان الأمر كذلك فإنّ العالم قد يكون شهد للتو أول نموذج انقلاب سرّي من النوع الذي كانت تفضّله وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، ووكالة الاستخبارات البريطانية "إم آي 6"، ولكن هذه المرة بتخطيط وتنفيذ ودعم ضمني من القوة العالمية الجديدة في القرن الحادي والعشرين: الصين.

فالصين، أكبر مستثمر أجنبي في أفريقيا، بحسب الصحيفة، لديها حصص استثمارية ونفوذ سياسي في زيمبابوي أكثر من أي دولة أخرى.

وأوضحت الصحيفة أنّ ذلك يعود إلى حد كبير إلى استثماراتها الواسعة في قطاعات التعدين والزراعة والطاقة والبناء، مشيرة إلى أنّ الصين كانت أكبر شريك تجاري لزيمبابوي في عام 2015، مع شراء بكين 28% من صادرات هراري، لافتة إلى أنّ العلاقة بين البلدين مع ذلك هي "أكبر من المال".

وذكّرت الصحيفة بأنّ حرب العصابات ما قبل الاستقلال، والتي انتهت بانتصار روبرت موغابي، رئيس زيمبابوي البالغ من العمر 93 عاماً الذي احتجزه الجيش، ليلة أمس الخميس، جرى تمويلها ومدّها بالسلاح من قبل الصينيين في السبعينيات، مشيرة إلى أن العلاقات الوثيقة "استمرت حتى يومنا هذا".

فعندما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على زيمبابوي بعد انتخابات عام 2002، دخلت الصين على الخط، واستثمرت في أكثر من 100 مشروع، وفق الصحيفة، كذلك عرقلت بكين إجراءات مجلس الأمن الدولي لفرض حظر على الأسلحة وقيود على أركان النظام هناك.

وفي السياق، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ، زيمبابوي، في ديسمبر/ كانون الأول 2015، ووعد منذ ذلك الحين بتقديم مبلغ خمسة مليارات دولار كمساعدات واستثمارات مباشرة إضافية، واصفاً الصين بأنّها "صديق زيمبابوي في جميع الأحوال الجوية".

وامتد الدعم الشخصي من قبل شي إلى حد تقديم 46 مليون دولار لبناء برلمان جديد في هراري، بينما تمتلك عائلة موغابي مدخرات وأصول ممتلكات في هونغ كونغ؛ وجهة التسوق المفضلة لزوجة الرئيس غريس موغابي.


قوة ناعمة

وإدراكاً منها للنقد الذي قد تلقاه من معارضي موغابي، بأنّها تدعم نظاماً استبدادياً، لجأت الصين إلى استخدام أدوات "القوة الناعمة"، للفوز بالرأي العام، وفق الصحيفة.

وشمل ذلك تقديم الصين قرضاً بقيمة 100 مليون دولار لمنشأة طبية، في عام 2011، وإنشاء مستشفى جديد في ريف زيمبابوي.

كذلك لفتت الصحيفة إلى أنّ شركة الكهرباء المملوكة للدولة في الصين وقّعت، في عام 2015، صفقة بقيمة 1.2 مليار دولار، لتوسيع أكبر محطة للطاقة الحرارية في زيمبابوي.

واستثمر الصينيون في مزارع استولوا عليها من المالكين البيض السابقين، وقدموها إلى مقرّبين من موغابي أهملوها في وقت لاحق، كما تذكر الصحيفة.


رهان لا يقتصر على موغابي

وقالت "ذا غارديان" إنّ رهان الصين الكبير في زيمبابوي لا يعتمد فقط على موغابي وزمرته في الحزب الحاكم "الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي الجبهة الشعبية" (زانو-الجبهة)، مشيرة إلى أنّ التعاون العسكري بين البلدين مستمر منذ الاستقلال عام 1980.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ الصين قامت بتمويل وبناء كلية الدفاع الوطني في زيمبابوي، كذلك ساعد جيش التحرير الشعبي الصيني بتدريب جيشها.

وذكّرت بأنّ الجنرال شوينغا رئيس القوات المسلحة، أجرى اتصالات منتظمة مع نظرائه الصينيين، وكان آخرها مع وفد عسكري زاره، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مشيرة إلى أنّ وزير الدفاع الصيني تشانغ وان تشيوان، الذي التقى مع شيونغا في بكين يوم الجمعة الماضي، كان قد قام بزيارة هراري في عام 2015.

وتشير تقارير، وفق "ذا غارديان"، إلى أنّ دعم شوينغا كان له دور فعال في التدخل العسكري الذي قاده الجيش في زيمبابوي، هذا الأسبوع.

وأتت سيطرة الجيش على السلطة في البلاد بعد وقت قصير من اتهام موغابي بالخيانة، كإنذار من النتائج السلبية الناجمة عن قراره إقالة نائب الرئيس إيمرسون منانغاغوا.

ومع أنّ وزارة الخارجية الصينية قالت إنّ اجتماع شوينغا مع تشانغ كان "تبادلاً عسكرياً طبيعياً"، لم تنفِ بكين صراحة علمها المسبق بانقلاب هراري. والأكثر دلالة من ذلك، بحسب الصحيفة، أنّها لم تدن أو تدلِ بأيّ تعليق آخر على إزالة موغابي الواضحة من السلطة.

منانغاغوا، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنّه وراء مؤامرة لإطاحة موغابي، وخليفته المحتمل على الأرجح كرئيس، هو صديق آخر ومتعاون منذ فترة طويلة مع الصينيين، وفق الصحيفة، مشيراً إلى أنّه مقاتل سابق في حرب الاستقلال بزيمبابوي، وتلقّى تدريباً أيديولوجياً وعسكرياً في بكين ونانجينغ في الستينيات.


صديق "جميع الأحوال الجوية"

ونقلت "ذا غارديان" عن البروفسور وانغ شين سونغ، المتخصص في التنمية الدولية، بجامعة بكين قسم التنمية الاجتماعية والسياسات العامة، قوله إنّ "الصين كانت ترصد الاقتتال داخل نظام موغابي والاقتصاد المتعثر في البلاد لبعض الوقت وتقوم بموازنة خياراتها بعناية وحذر".

وأعربت بكين عن انزعاجها بشكل خاص من قانون "التوطين" الذي يتيح بشكل فعّال سيطرة الأغلبية على الشركات ومشاريع الأعمال المملوكة للأجانب، وكثير منهم صينيون.

وكتب وانغ، في تعليق سابق، في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، أنّ "حصة الصين السياسية والاقتصادية في زيمبابوي عالية بما فيه الكفاية، كي تستدعي مراقبة التطورات فيها عن كثب".

وتوقّع وانغ أن تلتزم بكين الوقوف مع حزب "زانو - الجبهة الوطنية" الحاكم، بدلاً من تحويل دعمها إلى مجموعات المعارضة، لكنّه رأى أنّها لن تتسامح مع عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في زيمبابوي إلى ما لا نهاية.

وقال إنّ السماح لـ"G40" (الفصيل حول غريس موغابي) ومنانغاغوا بمحاربة بعضهما البعض في سيناريو ما بعد موغابي سيكون محفوفاً بالمخاطر. وبدلاً من ذلك، من خلال التفاوض والضغط الاقتصادي، قد تحاول الصين ضمان انتقال السلطة سلمياً، بينما لا يزال الرئيس المتقدّم في العمر نشطاً بما فيه الكفاية لاتخاذ مثل هذا القرار المهم".

وفي حال كان هذا هو ما سيحدث الآن، تقول "ذا غارديان"، فإنّ المحادثات المستمرة حول انتقال السلطة في هراري لا تزال غير واضحة، ويعتمد كثير في تبيان مصيرها على ما إذا كان موغابي سيقبل التقاعد القسري ويمنح بركته لخليفته أو سيحاول المقاومة بدلاً من ذلك.

لكن الأمر الوحيد المؤكد، وأيّاً كان المسار الذي تختاره في المستقبل، تختم الصحيفة بالقول، سيكون مدفوعاً بشدة بتأثير أصدقاء زيمبابوي "في جميع الأحوال الجوية" في بكين.

(إعداد: هنا نخال)