تشكيك بقدرة إسرائيل على مهاجمة الوجود الإيراني في سورية

تشكيك بقدرة إسرائيل على مهاجمة الوجود الإيراني في سورية

18 نوفمبر 2017
تراقب إسرائيل الأوضاع خصوصاً في الجولان (جلاء ماري/فرانس برس)
+ الخط -


لم تترك تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن روسيا لم تلتزم بإخراج القوات الإيرانية والموالية لإيران من سورية في الاتفاق الروسي الأميركي الأردني، شكاً في إسرائيل، سواء لدى المستوى السياسي أم المحللين والمتابعين في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، بأن الإيرانيين في سورية ومليشياتهم، سيبقون من دون أن يكون بمقدور أحد العمل على إخراجهم منها.
هذا الموضوع شغل الأوساط السياسية في إسرائيل، التي سارعت، سواء عبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أم وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، إلى توجيه التهديدات المعهودة بأن إسرائيل لن تسمح بتكريس الوجود الإيراني في سورية، وأنها ستعمل لخدمة مصالحها الأمنية من دون أن يكون الاتفاق المذكور ملزماً لها.

وتعليقاً على هذا الموقف، اعتبر المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، والمحلل الأمني في "معاريف"، يوسي ميلمان، أن الموقف الروسي نابع من حقيقة فهم روسيا لتنسيقها مع إسرائيل باعتباره تنسيقاً تكتيكياً لمنع وقوع اشتباكات أو معارك جوية بين سلاحي جو البلدين، مقابل اعتبار العلاقة مع إيران تحالفاً استراتيجياً. بينما ذهب محرر الشؤون العربية في "هآرتس"، تسفي برئيل، إلى القول إن الواقع الناجم عن هذه التطورات، وعن شكل توزيع القوات الإيرانية والموالية لها في سورية، يضع إسرائيل أمام تحدٍ كبير في كل ما يتعلق بترجمة التصريحات الإعلامية لقادتها، إلى فعل عسكري حقيقي، باعتبارها ظلت "وحيدة في ميدان المعركة".

وانطلق برئيل في تحليله من الفرضية القائلة إن مبدأ خروج القوات الأجنبية من سورية لا يساوي الحبر الذي استُخدم لكتابة العبارة في الاتفاق الروسي الأميركي الأردني المذكور، خصوصاً أن الاتفاق لم يذكر من الذي سيُخرج هذه القوات ومتى سيتم ذلك، وهناك شك أصلاً بأن تخرج هذه القوات حتى بعد التوقيع على تسوية نهائية تنهي الحرب الدائرة في سورية.
وبحسب برئيل، فإن هذا هو الواقع الجديد الذي سيكون على إسرائيل مواجهته في سورية إذا كانت لا تريد شن حرب ضد الشراكة الروسية الإيرانية، التي تتمتع بحسب الكاتب برعاية أميركية. ومنعاً لأي التباس، لفت برئيل إلى عمق التحالف الروسي الإيراني كما تجلّى أخيراً في تصريحات وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في المؤتمر الذي عُقد في طهران تحت عنوان "روسيا وإيران 500 عام من التعاون"، إذ كتب وزير الخارجية الإيرانية يقول إن "هذا التعاون يضمن الأمن والاستقرار ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما أيضاً في آسيا الوسطى والقوقاز". في المقابل رد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في رسالة وجهها للمؤتمر قائلاً إنه يأمل "بأن يتحوّل التعاون الروسي الإيراني إلى تعاون استراتيجي".


وبعد أن استعرض برئيل جملة المصالح الإيرانية الروسية المشتركة، عاد ليقف عند شكل توزيع القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها على الأراضي السورية وعدد هذه القوات وتشكيلاتها المختلفة، قائلاً إن هذا يطرح تساؤلات جدية حول قدرة إسرائيل الفعلية على منع التواجد الإيراني في سورية.
ورأى الكاتب أن طبيعة توزع هذه القوات وانتشارها في سورية، يدل أكثر من أي شيء آخر على نقاط الضعف للنظام السوري وقواته الرسمية، ويحدد المناطق الجغرافية التي يحتاج فيها النظام لدعم هذه القوات حتى في معارك محلية، كما في حالة معركة حلب. لكن برئيل استدرك، وخلافاً للرواية الرسمية لحكومة الاحتلال ورئيسها نتنياهو، قائلاً إن "هذا التوزيع لا يشير إلى نوايا إيرانية للسيطرة على مناطق سورية بغرض إقامة جيوب إيرانية فيها، ومع أن معارضين سوريين يتحدثون عن قيام إيرانيين بشراء عقارات وأراضٍ، إلا أن هذا يتم في المدن الكبرى من سورية وبحجم ليس بمقدوره أن يُحدث تغييراً ديمغرافياً استراتيجياً يغيّر طابع سورية".

وخرج الكاتب ضد الدعاية الإسرائيلية الرسمية بشأن نوايا إيران شن هجوم ضد إسرائيل أو تهديد أمنها، معتبراً أنه على الرغم من أن القلق الإسرائيلي له ما يبرره، إلا أنه ينبغي دراسة وفحص ما إذا كانت هناك مصلحة لدى إيران أو سورية أو حتى روسيا بفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في سورية. فإيران وروسيا معنيتان بإكمال العملية السياسية الرامية لتثبيت نظام بشار الأسد وإنهاء الحرب السورية، ومن الواضح لكليهما أنه في حال قررت إسرائيل شن هجوم وفقاً لتهديدات وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، فقد تتسع هذه الهجمات لتطاول أيضاً قصر الرئاسة في دمشق ولأهداف استراتيجية أخرى ولبنان ومواقع وأهداف لـ"حزب الله" وعدم الاكتفاء بأهداف إيرانية. ويعني هذا بحسب برئيل، تبلور وتكريس ميزان ردع بين إسرائيل وسورية وإيران، إذ إن التهديد الإسرائيلي لإيران قد يكون حقيقياً أكثر في الجولان، من جدية أو واقعية تهديد إيراني لإسرائيل.

ورأى الكاتب أن نقطة التحوّل في كل ميزان القوى القائم قد تقع في حال قررت إيران نصب صواريخ متوسطة المدى وبعيدة المدى على الأراضي السورية، لكن هذا الاحتمال ليس وارداً الآن ولا هو مطروح بالأساس، بفعل معارضة روسيا لأي خطوة استراتيجية من قبل إيران من شأنها المس بالمصالح الروسية. ناهيك عن أن إسرائيل نفسها تعتبر الصواريخ بعيدة المدى المنصوبة في إيران خطراً استراتيجياً عليها، أكثر من الصواريخ التي قد يتم نصبها في سورية. زيادة على ذلك، فإنه لا وزن للبُعد الجغرافي في حال اندلعت حرب صاروخية بين إسرائيل وإيران، ما دام كل طرف قادراً على قصف الآخر.

مع ذلك، رأى برئيل أن مشكلة إسرائيل الحقيقية تكمن في التحالف الذي نشأ بين موسكو وواشنطن في الحلبة السورية، بشكل لا يترك سبباً لدى إسرائيل بتوقع تأييد أميركي في حال قررت شن هجوم على سورية. وأوضح برئيل مقصده بالقول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يواصل تجاهل التحركات العسكرية والسياسية التي لا تتعلق بالقتال ضد تنظيم "داعش"، لدرجة يمكن فيها للولايات المتحدة أن تعلن إزاء هزائم التنظيم أنها حققت أهدافها القتالية في سورية والعراق بشكل تام وسحب قواتها.

المساهمون