اليمين المتطرف "قنبلة موقوتة" في صفوف الجيش الألماني

اليمين المتطرف "قنبلة موقوتة" في صفوف الجيش الألماني

17 نوفمبر 2017
وصول المتطرفين إلى السلاح "قنبلة موقوتة" (باتريك ستولارز/فرانس برس)
+ الخط -

يثير "التطرف في القوات المسلحة" قلق المسؤولين الألمان الذين يولون هذه القضية اهتماماً كبيراً، والتي كانت دافعاً للبحث فيها مطولاً خلال جلسة الاستماع العامة التي عقدتها هيئة الرقابة البرلمانية الشهر الماضي في برلين، وشارك فيها رؤساء الاستخبارات الاتحادية، وبعد أن أظهرت تقارير وزارة الدفاع الألمانية تزايد ظاهرة انتماء جنود في الجيش الألماني لليمين المتطرف.

هذا الأمر، دفع أيضاً بأعضاء من كتلة اليسار في البوندستاغ لمطالبة الحكومة بمعلومات بشأن موضوع الحوادث المتطرفة والحالات المشتبه فيها من اليمين المتطرف داخل الجيش، وبعد أن بينت الأرقام أن هناك تفاوتاً كبيراً في الأعداد المصرح عنها من قبل مكتب مكافحة التجسس، والتي عرضت خلال جلسة اللجنة البرلمانية، بالمقارنة مع ما جاء في ردّ وزارة الدفاع على طلب حزب الخضر بهذا الملف، في ظل التشكيك بأن يكون هناك محاولة للتعمية حول ارتفاع أعدادهم في صفوف الجيش.


وكان الرد بأنه لم يتم التثبّت إلاّ من ثلاث حالات من بين 176 حالة مشتبهاً بها، فيما لم يتم التأكّد من 153 أخرى، ومن أنه يجري التدقيق من قبل الاستخبارات الألمانية في حوالي 400 حالة ويتم العمل على معالجتها، وهذا ما عاد وأكّده المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية يانز فلوسدورف في مؤتمر صحافي، مقراً بوجود 391 حالة مشتبها في علاقتها بالتطرف اليميني وسيتم التحقق منها.

أمام هذا الواقع، طالبت كتلة اليسار بأن يُحرم الجنود المشتَبهون بالوصول إلى السلاح إلى حين توضيح الأمور، واعتبرت المتحدثة باسم الحزب أولا يبلبكه أنّ وصول هؤلاء إلى السلاح بمثابة "قنبلة موقوتة"، قبل أن تشير إلى ضرورة أن يتعامل الجيش بصرامة أكبر مع هذا الواقع واتخاذ إجراءات سريعة وتوفير بيانات دقيقة عند وجود شكوك بذلك، مشددةً على ضرورة فرض عقوبات قاسية بحق هؤلاء.

في المقابل، كان لقادة الأجهزة الأمنية، وبينهم رئيس دائرة الاستخبارات الاتحادية برونو كال ورئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور هانز جورج ماسن ورئيس المكتب الاتحادي لمكافحة التجسس كريستوف غرام، خلال مشاركتهم في اجتماع الهيئة البرلمانية، تطمينات بهذا الخصوص، وأكدوا أنّ الجيش "لم يصبح مرتعاً لليمين بعد أن ألغيت الخدمة الإلزامية عام 2012"، مشددين على حال اليقظة داخل صفوفه. واعترفوا فعلاً بوجود متطرفين يمينيين، وبيّن المسؤول الأمني غرام أنّ مهمّة دائرة مكافحة التجسس تسعى لضمان ألاّ يكون هناك موطئ قدم للتطرف في الجيش الألماني، وبإمكان السلطات اتخاذ إجراءات فردية عند وجود أدلة على ذلك. مع العلم أن تقارير صحافية تحدّثت عن وجود مجموعة ناشطة داخل الجيش تعرف بـ"البريبر" يشكّكون في عمل السلطات ودورها في حالات الطوارئ والإعداد للأزمات والكوارث المحتملة.

وبيّنت التقديرات أنّ الأعداد الجديدة تتجاوز الأرقام الموجودة سابقاً، وصنّفت بالمتوسط أكثر من 20 جندياً سنوياً كمتطرفين، وهو ما اعتبرته المتحدثة باسم حزب الخضر إيرينه ميهاليتش بـ"المثير للقلق"، ناهيك عن الحديث عن أنه ومنذ عام 2008 صنّف حوالي 200 جندي من الجيش الألماني كمتطرفين يمينيين.

وكانت التحقيقات التي أجريت في حالة الضابط فرانكو.أ المشتبه في تخطيطه لهجوم إرهابي في إبريل/نيسان الماضي، قد فتحت الباب على هذه الظاهرة، ما أدى إلى الإبلاغ عن حالات مماثلة في الجيش الألماني، علماً أنّ فرانكو كان يعيش حياة مزدوجة لأشهر عدة بعدما سجّل نفسه كلاجئ سوري وحصل على الحماية الفرعية تحت اسم مزيف وبهوية وهمية، وكان الهدف منها توجيه الشكوك للاجئين بعد الهجوم.

 واعتباراً من الأول من يوليو/تموز 2017، اتُخذت قرارات وشروط جديدة للانضمام إلى الجيش، الذي يضم 178433 جندياً في الخدمة الفعلية، وتم تنظيم قانون الجندية بشكل أكبر بالمقارنة عمّا كان معمولاً به في السابق، إذ بات المطلوب فحص سلامة كل مرشح مؤهل للخدمة، والتأكّد من عدم ارتباط مقدّم طلب التوظيف باليمين المتطرف، بعدما كان من الشائع أن تطلب فقط بهذا الشأن شهادة حسن سلوك من الشرطة. ويتم أيضاً الآن إجراء تحقيقات من قبل الجهاز التابع لمكتب حماية الدستور والمكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، إضافة إلى عمل جهاز الاستخبارات الداخلية في مراقبة الاحتياطيين من الجيش، علماً أنه تمّ سنّ قوانين جديدة سمحت بتبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة والجيش الألماني.

من جهة ثانية، تستمر التحقيقات من قبل مكتب المدعي العام في ولاية مكلنمبورغ فوربومرن، بحسب ما ذكرت "شبكة تحرير ألمانيا"، في خمس قضايا أخرى تتعلّق بأنشطة متطرفين يمينيين، كما أن هناك حالتين أخريين في ولايتي شمال الراين وستفاليا وبافاريا، وحتى نهاية المحاكمة لم يعد يسمح لهؤلاء بالمشاركة في مجموعات الرماية.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك مستوى عال من عدم اليقين التحليلي بهذا الموضوع، وأن المطلوب الحصول على معلومات منتظمة من البرلمان حول الطموحات المتطرفة داخل الجيش، ولا سيما حول الأشخاص والاستراتيجيات والشبكات، ليصبح بالإمكان تكوين صورة شاملة للوضع في ما يتعلّق بالمخاطر المتطرفة في الجيش الألماني.