اليمن تحت حصار التحالف: أنا من بلد الطوابير

اليمن تحت حصار التحالف: أنا من بلد الطوابير

14 نوفمبر 2017
ينتظر أهالي صنعاء ساعات لتعبئة أسطوانات الغاز(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
درجة الحرارة تقترب من الصفر في أحد الأيام الأشد برودة في صنعاء، قبل ساعتين على منتصف الليل، وقد مرت 12 ساعة منذ وقوف المواطن اليمني سعيد في طابور طويل أمام إحدى محطات الغاز المنزلي غرب صنعاء. فجأة دوى انفجار هائل، ظنّ الرجل ومن معه أن طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية قد استهدفت مكاناً قريباً من المحطة، لكن تبيّن أن القصف استهدف مجمع الدفاع (العرضي) على بُعد نحو 10 كيلومترات من المحطة، لكنه كان مرعباً بما فيه الكفاية لكل سكان صنعاء ليلة 11 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وكان سبباً كافياً لمغادرة بعضهم طابور المحطة حفاظاً على حياته. وفي ظل حالة الارتباك التي أصابت من يقفون في الطابور، أبلغهم عمال المحطة أن كمية الغاز قد نفذت، وأن عليهم العودة عند توفر كميات جديدة. كان ذلك الخبر لا يقل صدمة عن الانفجار السابق، فالحاجة لملء أسطوانة الغاز ملحّة، وتدبير ثمنها معضلة أكبر من المعتاد، إذ إن سعر الغاز في محطات البيع في صنعاء يبلغ خمسة أضعاف سعره في المصدر (مأرب). وكون الغاز يأتي من داخل اليمن فلا علاقة لأزمته واختفائه من الأسواق بإعلان السعودية إغلاق كافة المنافذ اليمنية البرية والجوية والبحرية، الأمر الذي تسبّب بثورة جنونية في أسعار الغذاء والوقود، مع اختفاء الأخير من الأسواق خلال ساعات قليلة.

هذه عيّنة من معاناة اليمنيين اليومية، خصوصاً أهالي صنعاء، التي زادها حدة إعلان التحالف العربي إغلاق كافة منافذ اليمن لأيام، قبل إعادة فتح بعضها. وتزامن إغلاق المنافذ مع ارتفاع وتيرة قصف التحالف لصنعاء، خلال الأيام الأخيرة، ومغادرة سفن الإغاثة لميناء الحديدة، وكل ذلك لم يجد له اليمنيون تفسيراً مقنعاً، كما لم يستطيعوا تفسير أزمة الغاز الذي يأتي من داخل اليمن وليس من خارجه. ليزيد انهيار العملة الوطنية من حدة المعاناة، مع ارتفاع أسعار كل مقوّمات الحياة، وتراجع كل مصادر الدخل المحدودة أصلاً.

إغلاق المنافذ اليمنية أوجد غضباً كبيراً في صفوف اليمنيين، إذ لم يستفد منه سوى تجار السوق السوداء الذي جنوا أرباحاً طائلة بعد أن قاموا بإخفاء السلع ومضاعفة أسعارها، في ظل اكتفاء الأمم المتحدة بالتعبير عن قلقها، من دون بذل جهود ملموسة لرفع هذه المعاناة عن المواطن اليمني.


طوابير طويلة

أعلن حسين على صفحته على "فيسبوك" عن حاجته إلى عشرين لتراً من البنزين للسفر من صنعاء إلى مدينته إب، وقد حصل في اليوم التالي على حاجته تلك مقابل 12 ألف ريال يمني، بينما سعرها المفترض يتراوح بين 3700 و4200 ريال يمني (ما يوازي 10 دولارات أميركية تقريباً) حسب الأسعار المتداولة أخيراً، وتبيعها محطات الوقود التي استمرت في تقديم الخدمة بسعر 5500 ريال (12 دولاراً تقريباً)، لكن الحصول عليها يستدعي الوقوف في طابور طويل قد يستمر ساعات أو أياماً، مع مخاوف من انتهاء الكمية المتوفرة قبل الوصول إلى مضخة الوقود.

وأعلنت وزارة النفط في صنعاء (خاضعة للمؤتمر الشعبي) أن هناك مخزوناً كافياً من الوقود في الأسواق، لكن حالة الأسواق تخالف ذلك، ولا مجال لاختبار الثقة بوزارة تخلت عن دورها في توفير الوقود اعتباراً من يوليو/تموز 2015، إذ أصبح استيراد الوقود حكراً على شركات القطاع الخاص، وأقصى ما استطاعته شركة النفط اليمنية الحكومية هو الاتفاق مع المستوردين الذين يستخدمون صهاريجها لتخزين ما لديهم من وقود بأن تتم إضافة 10 ريالات يمنية على كل ليتر وقود يتم بيعه في الأسواق وتورد لحساب الشركة، وهي لا تملك أي وسيلة إجبار لتنفيذ ذلك الاتفاق.


لم تقتصر الطوابير الطويلة على الوقود ومحطات الغاز المنزلي، فهناك طوابير أخرى أمام منظمات الإغاثة وبرنامج الغذاء العالمي للحصول على سلة غذائية يمكن أن تكون ضروري للبقاء على قيد الحياة للأسر الفقيرة. وشهدت عمليات توزيع مواد الإغاثة حالات إغماء متعددة لكبار السن والنساء قبل الحصول على السلة الغذائية الموعودة، والبعض تم إبلاغه أن اسمه غير موجود في كشوفات برنامج الإغاثة بعد وقوفه لساعات في طابور طويل تحت أشعة الشمس الحارقة، لأن عمليات بيع الحصص الغذائية والفساد المصاحب لتوزيع مواد الإغاثة قد بلغ درجة من التنظيم يصعب على ضحاياه القيام بأي تصرف للمطالبة بما يعتبر حقاً لهم.
كذلك فإن الحصول على مقعد في إحدى طائرتي "اليمنية للطيران"، وهما كل ما تبقى من أسطول شركة الطيران اليمنية، يحتاج لطابور من نوع آخر، إذ يحتاج اليمني للحجز قبل أسابيع إذا اضطر لمغادرة اليمن إلى الخارج، للعلاج غالباً. وقد شهدت البلاد حالات وفاة متعددة نتيجة إغلاق مطارات اليمن باستثناء مطاري عدن وسيئون.

وبعد إغلاق مطار صنعاء الدولي من قبل التحالف العربي في أغسطس/آب 2016، لم يسمح التحالف سوى لمطارين يمنيين أحدهما في عدن والآخر في حضرموت (سيئون) بتسيير رحلات الطيران المحدود للغاية، لتصل إلى رحلتين في اليوم الواحد، في بلد يصل سكانه إلى 27 مليون نسمة تقريباً، ويعاني من تردي الخدمات الصحية، خصوصاً في ظل الحرب التي أدت إلى توقف نصف المنشآت الصحية عن العمل.

ومنذ 6 نوفمبر الحالي، علق مئات اليمنيين في مطارات العالم، خصوصاً القاهرة وعمان، نتيجة رفض التحالف منح تراخيص الطيران إلى اليمن حتى للرحلات التي كانت مقرة مسبقاً، وقد اضطر قرابة 18 صحافياً أجنبياً قاموا بزيارة محافظة مأرب مطلع الشهر الحالي إلى المغادرة عبر الأراضي العمانية بعد أن علموا بإلغاء الرحلة التي كان يفترض أن يغادروا على متنها من مطار سيئون للعودة إلى بلدانهم، وذلك قبل ساعات من موعد المغادرة المفترض.

ساعات من الانتظار
مع أن معبر الوديعة البري الرابط بين اليمن والسعودية، لا يزال يعمل، إلا أن المغتربين اليمنيين في السعودية والذين يقارب عددهم الثلاثة ملايين، يضطرون للانتظار ساعات طويلة قد تمتد لأيام للحصول على تأشيرة دخول الأراضي السعودية بعد إجازتهم في اليمن. وقد توقف الآلاف منهم عن زيارة أسرهم في اليمن خلال العامين الأخيرين خشية ألا يتمكنوا من العودة إلى أعمالهم في السعودية نتيجة التطورات في اليمن.

وشهد المعبر خلال الأيام الماضية ساعات متقطعة من التوقف عن منح تأشيرات الدخول أو الخروج، نتيجة شموله بقرار التحالف الأخير إغلاق المنافذ اليمنية، الذي فسره البعض بكونه استهدافاً للشرعية وليس لسلطات الحوثيين، لأن الانقلابيين لا يتحكمون عملياً سوى بميناء الحديدة، بينما كل المنافذ المفتوحة الأخرى تقع تحت سلطات الحكومة الشرعية.
أما من جهة سلطنة عُمان، فقد أعلنت فتح أراضيها لمرور اليمنيين عبرها إلى البلدان الأخرى، لكن الكثير من المرضى لا يمكنهم الاستفادة من العرض العماني، إذ إن السفر بين صنعاء ومنفذ الشحن في الحدود الشرقية مع عُمان، تحتاج لـ36 ساعة متواصلة.

كذلك مرت 13 شهراً منذ انقطاع الرواتب عن موظفي الدولة اليمنية باستثناءات قليلة، وهذا ما جعل الحصول على مجرد رغيف خبز معاناة يومية لأرباب الأسر من الموظفين، وقد يقف أحدهم في طابور طويل ومنهك لأكثر من 24 ساعة ليحصل فقط على بضعة ليترات من الغاز المنزلي لأنه لا يملك من المال ما يكفي لتعبئة الأسطوانة كاملة. من هؤلاء رشيد، الذي اضطر للغياب عن مدرسته ليقف من الساعة التاسعة صباحاً، حتى ظهر اليوم التالي (28 ساعة) في طابور ليحصل على أقل من نصف عبوة الأسطوانة، بينما اضطر من وقف خلفه للمغادرة لأن المحطة أعلنت نفاد الكمية الموجودة لديها.

المساهمون