"البديل" اليميني المتطرّف في البوندستاغ: إمكانيات جديدة ومال وفير

"البديل" اليميني المتطرّف في البوندستاغ: إمكانيات جديدة ومال وفير

13 نوفمبر 2017
من الجلسة الافتتاحية للبوندستاغ (شين غالوب/Getty)
+ الخط -
شهدت ألمانيا بعد 24 سبتمبر/أيلول الماضي أصعب اختبار للديمقراطية بعد الحرب ونقطة تحوّل سياسية، مع دخول حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي "البوندستاغ". ولم تعد البلاد بمأمن عن تأثير هذا الحزب وحضوره الرسمي كما في عدد من الدول الأوروبية الأخرى، مع حصوله على 12.6 في المائة من أصوات الناخبين، ما جعله القوة الثالثة الأقوى في الجمهورية الاتحادية، بوصول 92 نائباً من حزبه إلى البرلمان الاتحادي الذي تضخّم عدد نوابه هذه الدورة ووصل إلى 709 نواب سيكون لهم حقوق وامتيازات تزيد من حضور "البديل" على مساحة البلاد. 

امتيازات ومال وفير

هذا النجاح للبديل اليميني الشعبوي، سيسمح له بالتمتّع بإمكانيات مادية ومعنوية تساهم في تعزيز حضوره على المستوى السياسي في ألمانيا، انطلاقاً من النظام الداخلي للبرلمان الذي ينصّ على أنّ لكل مجموعة برلمانية الحقّ في الحصول على مبلغ شهري أساسي، إضافة إلى الأموال التي يحصل عليها كل نائب في الكتلة، فضلاً عن استفادة حزب البديل من العمل في الوزرات.

ويبدو واضحاً أن كتلة "البديل" ستحصل أيضاً على الكثير من الامتيازات في البوندستاغ، ومنها الأموال نتيجة عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، إذ سيدخل إلى صندوق الحزب ملايين عدة أخرى من اليوروات. ولا يتوقّف الأمر عند المال الوفير الذي سيناله، إذ سيتمكّن أيضاً من ترؤس العديد من اللجان البرلمانية، والتي تعدّ للقرارات التي ستناقش وتقرّ في البوندستاغ.

وبحسب تقديرات لصحيفة "دي تسايت" الألمانية، فإن "البديل" سيحصل على نحو 400 مليون يورو من الدولة لعمله السياسي والبرلماني في ألمانيا خلال السنوات الأربع المقبلة، بينها 38.3 مليون يورو كمخصصات لنوابه الـ92 نظير تكاليف ومصاريف الموظفين والوجبات الغذائية، إضافة إلى 18 مليون يورو على عمل المجموعة في البرلمان، وقد يصل المجموع إلى 225 مليون يورو خلال الولاية البرلمانية.

علاوة على ذلك، وبحسب ما أظهرت التقارير في ألمانيا، من المتوقّع أن يقضم "البديل" من المبالغ التي تستفيد منها المؤسسات المقرّبة من الأحزاب الممثلة في البرلمان، ومنها على سبيل المثال مؤسسة "كونراد أديناور" المحسوبة على حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي بزعامة ميركل وروزا لكسمبورغ المدعومة من حزب اليسار، بحيث تتلقّى تلك المؤسسات دعماً من الدولة بقيمة تتجاوز 500 مليون يورو سنوياً، إضافة إلى المنح الدراسية والبحث العلمي. ويبدو أن هناك مؤسستين قريبتين من "البديل" قد تستفيدان من تلك الأموال المخصصة لمنح التعليم وتعزيز المشاريع السياسية والتدريب، إحداها "دسيدريوس أراسموس شتيفتونغ"، ناهيك عن بعض الوظائف خارج البرلمان ومنها أعضاء في مجالس إدارة بعض المؤسسات كبنك "التنمية الألماني" على سبيل المثال لا الحصر.

تخوّف من جنوح النقاشات السياسية البرلمانية إلى العنف

وصول "البديل"، والذي من الطبيعي أنه سيكون من الأحزاب المعارضة في البرلمان، يتطلّب من باقي الأحزاب التكيّف مع حضوره الجديد، نظراً إلى مقاربته العدائية والمتطرفة للكثير من الملفات، وهناك خوف من الجنوح نحو نقاشات سياسية عنفية معه مستقبلاً، وهو ما شدّدت عليه آراء لقيادات حزبية خبرت البرلمان الألماني الاتحادي وتتحدّث عن أهمية اعتماد بعض السلوكيات العقلانية، ومنها عدم الاستفزاز، وهي تأمل في اعتماد مقاربات موضوعية للملفات الخلافية بعيداً عن الانقسام، مع ضرورة التمييز بين النقد والانتقاد. في المقابل، من المفترض أن يكون ممثلو "البديل" قد تأقلموا نوعاً ما مع طبيعة الحياة البرلمانية بعد أن خبروها من خلال وجودهم أخيراً في العديد من برلمانات الولايات في البلاد.


وينبّه الخبراء في الشؤون الداخلية الألمانية من زيادة استعداء "البديل" لأنها ستكون نقطة تحوّل إيجابي له في البرلمان. وعلى الأحزاب الأخرى المحافظة على أن تتعاطى مع الأمور من منظار آخر، وهو أن 87 في المائة من الناخبين لم يراهنوا أو يمنحوا ثقتهم للبديل، وعليهم عدم الاستشعار بالخطر على وجودهم، انطلاقاً من واقع مفاده أن "البديل" لا يملك القدرة على المناورة السياسية لأن الملفات التي يحملها هي ملفات ظرفية، وأهمها ملف اللاجئين والتخويف من الإسلام، والتهويل على المواطن الألماني بضعف الاستقرار الأمني في البلاد.

وفي هذا السياق، أظهرت دراسة للخبيرين في العلوم السياسة برنارد فيسلس وفولفغانغ شرويدر، عن عمل حزب "البديل" في برلمانات الولايات، ونشرها موقع "آي أر دي"، أنّ مشاركة نواب الحزب في اللجان كانت ضعيفة وغير فاعلة، وبيّن شرويدر أن البرلمانات تخدم "البديل" كمنصة للعروض الاستفزازية ولإرسال مخاوفها الأساسية للناخبين والمناصرين، ولهذا استثمر الحزب حضوره في الظهور الإعلامي والدعاية والانتخابية. وعليه يقول شرويدر إن "البديل" لا يمكن أن يحتلّ مكانة بارزة في العمل البرلماني ناهيك عن عدم تعاون الكتل الأخرى مع طروحاته.

"البديل" سراب سياسي إذاً

أمام هذا الواقع، فإنه إذا ما أحسنت الأحزاب الأخرى رصّ صفوفها، من شأنها أن تمتلك مفاتيح يمكنها من خلالها استرداد ما خسرته من ناخبين، خاصة أنّ البلاد في وضع اقتصادي جيّد ونسبة النمو مرتفعة. كما أنّ معالجة ملف اللاجئين بات تحت السيطرة، علماً أنه لا يزال هناك الكثير من العمل لعمليات الاندماج. وهنا يتوقّف المراقبون عند الحنكة التي أظهرها "البديل" باستطاعته مخاطبة الناخبين مستخدماً عبارات تحاكي مزاج الجمهور نحو خياراته منها وتثير الخوف في نفوس المواطنين عبر تبجّح الحزب بأنه يقدّم للألماني خيار استرداد البلد.

وعندها، يمكن القول إن هذا سراب سياسي، لأنه لا يبدو أنه باستطاعة الحزب تحقيق مصالح الناخبين في الممارسة العملية لأنه يفتقد لأي برنامج إصلاحي حقيقي ترتكز قوامه على تغيير في البنية الاقتصادية أو المزيد من العدالة الاجتماعية، والمطلوب التعامل بحنكة غير مستترة معه ومع ناخبيه، كعدم استبعاد حزب البديل من أعمال التعاون لكي لا يسمح له بلعب دور الضحية، انطلاقاً من أنه وكلما ازداد التهميش والاستعداء كلّما تمكّن من تحقيق مكاسب أكبر وهذا ما يريده الأخير، خاصة أنّ الزعيمة المشتركة في رئاسة الحزب أليس فايدل قالت لصحيفة "بيلد" أخيراً إن "البديل" يعقد العزم على المشاركة في الحكومة عام 2021، وهو الأمر الذي ستحاول المستشارة أنجيلا ميركل تفاديه وعبرت عنه أخيراً في حديثها الأسبوعي بالقول إنه يجب الاستماع إلى هموم ومشاكل الناس أكثر في الولايات الشرقية التي تعتبر ثقلا لليمين الشعبوي.

وأقرّت ميركل بأن الهدف الآن يتمثّل بتحقيق ظروف معيشية متساوية بين غرب ألمانيا وشرقها الذي لم يصل بعد 27 عاماً على الوحدة إلى مستواه، قائلةً: "نعم لدينا بعض المشاكل الهيكلية وهناك ثروات مختلفة بين الناس في الولايات الاتحادية الجديدة والقديمة، أحد أسبابها أن مقرّ الشركات الكبيرة لا يزال يقع في الولايات الغربية القديمة، والولايات الجديدة تحتاج المزيد من الدعم والتعويض المالي"، داعيةً إلى إيجاد حلول مختلفة تماماً لخلق نوع من المساواة في الظروف المعيشية. وأشارت ميركل إلى أن "وجود البديل لا يقتصر على شرق البلاد، إذ لديه حضور متزايد في غرب ألمانيا أيضاً، وبالتالي علينا العمل على معالجة مشاكل المواطن بغضّ النظر عن مكان وقوعها، وسيكون من الضروري العمل لكل ألمانيا بالنهج نفسه".

تجدر الإشارة إلى أنّ العاصمة برلين شهدت الأسبوع الماضي تظاهرة حاشدة من ممثلي النقابات وغيرها من الجمعيات والأحزاب ضمّت 12 ألف شخص انطلقت من بوابة براندنبورغ إلى الحي الحكومي حيث يقع مقر البوندستاغ. وندّد المتظاهرون بوصول كتلة لليمين الشعبوي إلى مجلس النواب الاتحادي، حيث بات لهم مكان جديد للترويج لأفكارهم المعادية للمهاجرين والمسلمين في البلاد، ودعوا إلى مكافحة العنصرية والكراهية في بلد ينبض مجتمعه بالتنوّع.