السعودية تحت ضغوط مصير الحريري: أميركا تحذّر المليشيات والدول

السعودية تحت ضغوط مصير الحريري: أميركا تحذّر المليشيات والدول

12 نوفمبر 2017
صور الحريري رُفعت في بيروت تأييداً له(جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن أحد يتوقع قبل أسبوع من اليوم، حين أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، من الرياض استقالته، أن تتجه الأوضاع إلى المنحى التصاعدي الذي وصلت إليه. فالصدمة التي أحدثتها الاستقالة المفاجئة، على الساحة اللبنانية ثم الإقليمية والدولية، تحوّلت إلى ضغوط للكشف عن مصير الحريري، الذي وُصف وضعه بـ"المخطوف" في الرياض، لتتجه القضية إلى التدويل، مع دخول دول عديدة على خط الأزمة الناشئة، وتصبح السعودية تحت الضغوط بمُطالبَتها بالكشف عن مصير الحريري بعد اتهامها بـ"إجباره" على الاستقالة، وحتى وضعه تحت الإقامة الجبرية، في ظل معلومات تحدثت عن سعيها أيضاً لإحلال شقيق سعد، بهاء الحريري مكانه في العمل السياسي.

ومع تصاعد الأزمة والحديث السعودي عن "إجراءات جديدة"، تغيّرت نبرة المسؤولين اللبنانيين، خصوصاً الرئيس ميشال عون، الذي شكك بما يصدر من مواقف عن لسان الحريري في ظل "الغموض الذي يكتنف وضعه" منذ أسبوع، ليزيد هذا الكلام من التساؤلات حول "طوعية" استقالة رئيس الحكومة، التي لم يقبلها عون بعد، خصوصاً في ظل ما نُقل عن عون من أن الحريري "تعرض للخطف". وجاء تصريح للقائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري لينفي فرض الإقامة الجبرية على الحريري. كما نفت السفارة السعودية في لبنان ما تداولته بعض وسائل الإعلام عن القائم بالأعمال قوله إن "الحريري قد يُقررعدم العودة إلى لبنان".

وترافق ذلك مع جهود عربية ودولية، أجمعت على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في لبنان ومنع أي تهديد له. أبرز تطورات هذا الملف جاءت أمس من القصر الجمهوري اللبناني، إذ طلب الرئيس ميشال عون من السعودية توضيح الأسباب التي تحول دون عودة الحريري إلى بيروت. وقال "إن لبنان لا يقبل أن يكون رئيس حكومته في وضع يتناقض مع الاتفاقيات الدولية". كما أفاد بيان آخر صدر عن المكتب الإعلامي للرئاسة، بأن عون "أبلغ مراجع رسمية محلية وخارجية، أن الغموض المستمر منذ أسبوع والذي يكتنف وضع الحريري منذ إعلانه استقالته، يجعل كل ما يصدر عنه من مواقف أو خطوات أو ما ينسب إليه لا يعكس الحقيقة، بل هو نتيجة الوضع الغامض والملتبس الذي يعيشه الحريري في السعودية، وبالتالي لا يمكن الاعتداد به". ولكن أخطر موقف جاء في ما نقلته وكالة "رويترز" عن "مسؤول لبناني كبير" لم تسمه، كشف أن عون أبلغ سفراء أجانب بأن الحريري "تعرض للخطف ويجب أن تكون له حصانة". واستقبل عون أمس، المدير العام لجهاز الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم. وأكد إبراهيم في تصريح صحافي، أنه لن يزور السعودية، ولم يتلق أي دعوة لمثل هذه الزيارة.


وكان الرئيس اللبناني قد تلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تداولا خلاله في الأوضاع العامة والتطورات المتصلة باستقالة الحريري. وشدد ماكرون على التزام فرنسا دعم لبنان ووحدته وسيادته واستقلاله، والمساعدة في تثبيت الاستقرار السياسي والأمني فيه. وبينما لم يصدر من الرياض أي رد رسمي على طلب عون، فإن القائم بالأعمال السعودي في لبنان، وليد البخاري، جدد أمس نفيه أن يكون الحريري في الإقامة الجبرية، معتبراً أنه بإرادته في السعودية. لكن البخاري أضاف أن عودة الحريري "رهن به شخصياً وربما يقرر عدم العودة لأسباب أمنية ولخشية من تعرضه لاغتيال"، كما نقلت عنه وسائل إعلام لبنانية.

في غضون ذلك، شهدت بيروت إجراءات أمنية استثنائية أمس، مع تنظيم تحركين متناقضين، الأول دعت إليه جهات حزبية محسوبة على "حزب الله" وحلفائه، في ساحة الشهداء وسط بيروت، "تضامناً مع الحريري". أما الثاني فجاء تحت عنواني: رفض أي تدخل خارجي في الشؤون اللبنانية (المقصود إيران)، والمطالبة بالحفاظ على مصالح اللبنانيين في دول الخليج.

التصعيد المحلي الرسمي تجاه الرياض، قابلته إشارات دولية بالتحذير من جعل لبنان ساحة صراعات إقليمية، فيما بدا ضغطاً على السعودية لوقف المنحى التصاعدي لحملتها. وكانت أبرز هذه الإشارات، بيان أميركي دعا كل الدول والأطراف إلى "احترام سيادة لبنان واستقلاله وآلياته الدستورية". وأكد البيان، الصادر عن المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، أن واشنطن ترى في الحريري "شريكاً جديراً بالثقة" و"تؤكد أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية هي السلطات الأمنية الشرعية الوحيدة في لبنان". وأضاف: "في هذه المرحلة الدقيقة، ترفض الولايات المتحدة كذلك أي محاولات من قبل المليشيات داخل لبنان أو أي قوات أجنبية لتهديد استقرار لبنان وتقويض المؤسسات الحكومية اللبنانية أو استخدام لبنان كقاعدة لتهديد دول أخرى في المنطقة". ومن الواضح أن الكلام الأميركي عن "المليشيات" يُقصد به "حزب الله"، بينما اللافت هو الحديث عن "قوات أجنبية" وهي رسالة ربما يكون المقصود منها السعودية. وجاء هذا البيان بعدما كان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قد حذّر الجمعة من استخدام لبنان مسرحاً لخوض "نزاعات بالوكالة".

في موازاة ذلك، استمر تصعيد طهران تجاه الرياض، إذ اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، أن السعودية "تهدف إلى إثارة اضطرابات في لبنان". كما قال أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، القائد السابق للحرس الثوري، محسن رضائي، إن "السعودية والإمارات وإسرائيل حصلت على ضوء أخضر من أميركا لتخريب لبنان وإطلاق حرب، لكن اللبنانيين سيصمدون". أما مصر، التي أعلن رئيسها عبد الفتاح السيسي في وقت سابق معارضته للحرب في هذه الأزمة، فهي ستوفد وزير خارجيتها سامح شكري في جولة تشمل ست دول لبحث الأزمة. وأوضحت الخارجية المصرية في بيان، أن جولة شكري التي تبدأ اليوم الأحد، تشمل الأردن والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان والسعودية. وأضافت أن "شكري سينقل موقف مصر بضرورة تجنيب المنطقة المزيد من أسباب التوتر أو الاستقطاب وعدم الاستقرار".

في غضون ذلك، كشفت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، نقلاً عن مصدر فرنسي في بيروت، أن السعودية تسعى لأن يحل بهاء الحريري بدلاً من شقيقه سعد، مؤكدةً في الوقت نفسه أن عائلة الحريري رفضت هذا الأمر. وأكدت الصحيفة الفرنسية، في مقال للكاتب جورج مالبرونو، أن مستقبل الحريري هو محل مساومات بين حلفاء سعوديين وفرنسيين، لافتةً إلى أنّ "الرياض تريد تعويضه بأحد إخوانه".