مذبحة ماسبيرو.. الذكرى قائمة والحقائق لا تزال مخفية

مذبحة ماسبيرو.. الذكرى قائمة والحقائق لا تزال مخفية

09 أكتوبر 2017
يستذكر الشباب المصري مينا دانيال باستمرار (تويتر)
+ الخط -


"إنت مش نازل علشان تعمل ثورة وتعيش.. إنت نازل تعمل ثورة وتموت، علشان إخواتك وعيالك وأي حد، يعني علشان بقية الناس تتمتع بالحاجة الحلوة دي". ترد هذه العبارات في مقطع فيديو قصير انتشر على مواقع التوصل الاجتماعي، للناشط السياسي مينا دانيال، أحد ضحايا مذبحة ماسبيرو التي وقعت في مثل هذا اليوم من ست سنوات.

مينا دانيال، هو أحد أشهر ضحايا مذبحة ماسبيرو. كان ناشطا بحركة شباب من أجل العدالة والحرية، نجا من الموت مرتين، ومات في الثالثة بقذيفة اخترقت صدره ونفذت من ظهره، نُقل بعدها للمستشفى القبطي في محاولة لإنقاذه، إلا أنه كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة، عن عمر يناهز 23 عاما.

ارتبط اسم مينا دانيال بعدد كبير من الهتافات الحماسية في معظم الفعاليات التي أعقبت أحداث ماسبيرو، منها "مينا دانيال مات مقتول.. والمجلس هو المسؤول"، في إشارة إلى المجلس العسكري، و"اقتل خالد اقتل مينا.. كل رصاصة بتقوّينا"، والأول هو خالد سعيد، والثاني هو مينا دانيال، و"مينا دانيال يا ولد.. دمك بيحرر بلد".

ووقعت المذبحة مساء التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2011، بعد اعتداء قوات الشرطة والشرطة العسكرية على عدد ضخم من المتظاهرين الأقباط، أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو"، ما أسفر عن مقتل 27 شخصًا.

لكن بداية المذبحة بالفعل، بدأت من أقصى صعيد مصر، وتحديدًا من قرية المريناب بمحافظة أسوان، عندما أقدم عدد من أهالي القرية على هدم مبنى اتخذه الأقباط كنيسة لهم، بدعوى أنه غير مرخّص، وعلى خلفية هذا الحادث، دعا أقباط في القاهرة لتنظيم مظاهرات تحت شعار "يوم الغضب القبطي"، ودخلوا في اعتصام أمام مبنى ماسبيرو في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2011.

وفي مساء التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، انطلقت مسيرة من دوران شبرا إلى ماسبيرو، رافعة شعار "فداك يا صليب"، فاشتبكت معها قوات الأمن المصرية، قبل أن تنسحب، وتترك قوات الشرطة العسكرية بمدرعاتها ودباباتها في مواجهة المسيرة، التي استمرت ساعات طويلة وأسفرت عن مقتل 27 مواطنا.

بناءً على هذه المقدمات، يمكن تأطير أحداث ماسبيرو في سياق طائفي له علاقة مباشرة بالأقباط والكنيسة. إلا أن المدقق في الصورة من خلال المشهد العام والشامل؛ سيجد أن أحداث ماسبيرو هي حلقة من سلسلة الاحتجاجات الغاضبة التي اجتاحت الشارع المصري في أعقاب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، حيث توجه المئات من الشباب المصري المسلم والمسيحي، عقب قتْل المتظاهرين أمام ماسبيرو، إلى ميدان التحرير، هاتفين "يسقط حكم العسكر"، ومنددين بالتعامل الأمني العنيف للأمن. وتوجهت بعدها مجموعة من السلفيين للتظاهر في ميدان التحرير مرددين "إسلامية إسلامية"؛ فطوّقتهم قوات الأمن المصرية، واحتجزت منهم عشرات، ما دفع الحكومة المصرية آنذاك، لإعلان حظر التجول في وسط القاهرة من الثانية فجرًا وحتى السابعة صباحًا.

وفي اليوم التالي، اجتمع رئيس الوزراء المصري آنذاك، عصام شرف، بمجموعة من الوزراء، وقال إن "المستفيد الوحيد هم أعداء الثورة وأعداء الشعب المصري من مسلميه ومسيحييه، وإن ما يحدث ليس مواجهات بين مسلمين ومسيحيين، بل هو محاولات لإحداث فوضى وإشعال الفتنة بما لا يليق بأبناء الوطن الذين كانوا وسيظلون يداً واحدة ضد قوى التخريب والشطط والتطرف".

وظل تعامل شباب القوى السياسية في مصر، مع أحداث ماسبيرو باعتبارها حدثا سياسيًا لا طائفيًا.

وفي الذكرى الأولى للمذبحة؛ أعاد شاب قبطي هتاف "يسقط حكم العسكر" داخل الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، ليعلن رفضه لحضور الوفد العسكري للقداس.

واستمر النشطاء السياسيون وما يعرف بـ"ائتلاف شباب ماسبيرو" في إحياء الذكرى سنويًا، حتى عام 2013، حيث منع النظام المصري الحالي، التظاهر بجميع أنواعه، عندما فرض قانون منع التظاهر والتجمهر، والطوارئ وباقي القوانين المكبّلة للمناخ العام.

ولم ينسَ شباب القوى السياسية والحزبية في مصر، جريمة المجلس العسكري في ماسبيرو طوال الأحداث السياسية فيما بعد، وظلوا يذكرونها في كافة الأحداث السياسية والمذابح التي ارتكبتها قوات الشرطة والجيش، وصولا لمذبحة رابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس/آب 2014، حيث كان يدوّي هتاف "يالي قتلت الناس ف رابعة ريحة الدم منك طالعة.. ما أنت قتلت الناس زمان في التحرير جوا الميدان.. وفي ماسبيرو الدم سال مش ناسيين مينا دانيال".

وحتى اليوم، لا تزال الحقائق مخفية والاتهامات المباشرة للمسؤولين عن قتل المتظاهرين بلا توجيه.

يشار إلى أن تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، أوضح أن أبرز المعوقات التي رافقت عمله "نقص المعلومات، وتعتيم المصادر الرسمية على بعض جوانبه، وانحياز المصادر الإعلامية في تناولها للأحداث جراء حساسيتها من ناحية، والصورة النمطية السائدة تجاه هذه القضية من ناحية أخرى".

ودعا المجلس القومي لحقوق الإنسان حينها لتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة تنظر في هذه الأحداث في سياقها الثقافي والاجتماعي والسياسي، تخوّل بالاطلاع على ما تم حجبه من معلومات، حيث إن اللجنة التي شُكلت بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2011، جاءت برئاسة وزير العدل بما يخلّ باستقلالها، كما اقتصر اختصاصها في ما يتعلق بالأحداث على بحث أسبابها وتداعياتها دون التحقيق في الأحداث ذاتها.

وأوضح تقرير المجلس آنذاك أن "النيابة العامة أحالت التحقيق إلى النيابة العسكرية للاختصاص، وبغض النظر عن الرأي في مسألة الاختصاص، فإن هذه التحقيقات والتي تتضمن بالضرورة اتهامات لبعض المسؤولين بالقوات المسلحة عن جرائم قتل المواطنين دهسا، وعن الاعتداءات والإصابات التي لحقت بالمواطنين في موقع الأحداث، يجب أن تكون محل تحقيق من لجنة قضائية مستقلة، حتى تستبعد أي شبهة بعدم الحياد، ويتم مساءلة كل من ارتكب أو شارك أو حرض على ارتكاب الانتهاكات المشار إليها في هذا التقرير، والتي تشكل جرائم يعاقب عليها القانون".