سكان مدن عراقية محررة يخشون عودة "داعش"

سكان مدن عراقية محررة يخشون عودة "داعش"

10 أكتوبر 2017
معتقلون يشتبه بانتمائهم لـ"داعش" بالموصل في يوليو الماضي(مارتن آيم/Getty)
+ الخط -
عاد الخوف ليسيطر مجدداً على سكان مناطق عراقية تحررت من تنظيم "داعش"، بسبب عودة بعض عناصره إلى مناطقهم، بعدما أطلقت القوات العراقية سراح معتقلين تابعين لـ"داعش"، على الرغم من امتلاكها أدلة كافية لتنفيذ أحكام إعدام بحقهم. واعتبر مواطنون أن خروج هؤلاء من السجون، ولّد لدى السكان الشك بوجود فساد وخروقات داخل المؤسسة الأمنية. وأكد عراقيون من سكان محافظات الموصل (شمال) والأنبار (غرب) أنهم لا يتطرقون في أحاديثهم بالأماكن العامة إلى "داعش"، خوفاً من أن يكونوا ضحية حديثهم هذا، في حال سيطر عناصر التنظيم مرة أخرى على مدنهم. وأكد سكان من الموصل لـ"العربي الجديد"، أن عناصر من "داعش" يسكنون بينهم ويتجولون في مناطقهم بكامل حريتهم. وقال المواطن عمر الطائي، وهو يسكن في حي النور بالجانب الأيسر من المدينة، إن "داعشياً كان يشرف على جَلدي مع مجموعة من الشباب، كعقوبة على تدخيننا السجائر، شاهدته منذ أيام يتجول في سيارته عدة مرات". الطائي، وهو رجل في الثلاثينيات من العمر، أكد لـ"العربي الجديد"، أن كثيرين غيره "شاهدوا عناصر كانوا يعملون مع داعش، وبعضهم في اللجان الأمنية والحسبة، ارتكبوا جرائم بحق المدنيين، يتمتعون بحريتهم حالياً، ويتجولون في الأسواق وقد حلقوا لحاهم وغيروا زيهم الأفغاني الذي كانوا يرتدونه، وأصبحوا يرتدون ملابس عصرية".

وكانت الموصل التي تقسم إلى جانبين، أيمن وأيسر، قد سيطر عليها "داعش" في يونيو/ حزيران 2014، فيما حررت القوات العراقية جانبها الأيسر في يناير/ كانون الثاني 2017، والأيمن في يوليو/ تموز 2017.

وظهور عناصر عملوا مع "داعش" بين سكان الموصل بعد تحرير مدينتهم، جاء بعد موافقة أمنية أعقبت اعتقالهم، بحسب المواطن جابر الشمري، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنه كشف للقوات الأمنية عن عناصر للتنظيم انضموا إلى المدنيين بعد تحرير المناطق من قبل القوات العراقية. وأضاف "نزحنا من مناطقنا بعد تأمين القوات الأمنية طريق الهروب لنا أثناء اندلاع معارك التحرير. شاهدت مقاتلين وعناصر مع داعش وهم يرتدون ملابس مدنية وقد انضموا إلينا، أرشدت القوات الأمنية إلى خمسة منهم، أنا أعرفهم تمام المعرفة، وجرى اعتقالهم". وتابع: "لست أنا فقط من أبلغ القوات الأمنية عن عناصر داعش. كثيرون غيري أيضاً فعلوا هذا، فنحن لا نؤيدهم وقد جلبوا لنا الموت ولمدينتنا الدمار، لذلك امتلأت المعتقلات بعناصر داعش". وواصل حديثه مستغرباً: "أحد الذين أبلغت عنهم وجرى اعتقاله، كان من حملة السلاح، رأيته يقاتل في أثناء المعركة ويتحرك مع رفاقه بين الأزقة، لكني فوجئت حين رأيته قبل شهرين تقريباً وهو يتجول برفقة عائلته في أحد الأسواق". وعبّر عن تعجّبه من انتشار شائعات بين السكان أخيراً، مفادها أن "هؤلاء (عناصر داعش المفرج عنهم) كانوا يعملون جواسيس لصالح القوات الأمنية".


لكن الشمري أكد أن "الناس هنا لم يعودوا يتحدثون عن داعش بسوء، فربما يعودون مرة أخرى"، مضيفاً أن "الجميع هنا لا يثقون باستتباب الأمن، لكن ليس لديهم أي خيار آخر". ولفت إلى أن "متضررين من سكان المدينة يحاولون أخذ الثأر لأبنائهم وذويهم بالتعرض لمن كانوا يعملون لصالح داعش، وهو ما يشير إلى أن صراعات من نوع آخر قد تنشب في الموصل"، وفق تعبيره. وكان مسلحون أقدموا على تصفية 3 أشقاء رمياً بالرصاص بعد مهاجمة منزلهم بحي السكر، شمالي الموصل، أخيراً، تحت حجة أنهم ينتمون لتنظيم "داعش"، فيما جرى إلقاء زجاجات حارقة على منزل آخر بالذريعة نفسها، بحسب ما ذكرت وكالة "الأناضول" للأنباء.

ومحافظة الأنبار، التي تحررت مطلع 2017 باستثناء بعض الأقضية في أطرافها، شهدت في الأيام القليلة الماضية خروقات أمنية من قبل عناصر "داعش" وهجمات مباغتة تمكنت خلالها من تكبيد القوات العراقية في المحافظة خسائر بشرية ومادية. وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعناصر "داعش" المشاركين في تلك العمليات، كان بينهم أشخاص أكد ناشطون من سكان المحافظة أنهم كانوا معتقلين لدى القوات الأمنية، ومثبت عليهم بالأدلة والاعترافات الانتماء إلى التنظيم، لكنهم أطلق سراحهم، ليعودوا إلى العمل مع التنظيم من جديد، بحسب تعليقات لناشطين من أهالي الأنبار.

وذكر رجل أمن في محافظة الأنبار، في حديث لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه ورتبته العسكرية، أن "عدداً كبيراً ممن ضلعوا في ارتكاب جرائم بحق الأنبار وأهلها أطلق سراحهم بعد اعتقالهم بحجج مختلفة، منها عدم ثبوت الأدلة وكفايتها، وأن الدعاوى كيدية، فيما بعض حالات الإفراج عن المعتقلين تم تبريرها بحجة أن هؤلاء جواسيس لصالح القوات الأمنية". وأعرب عن استغرابه لهذه الرواية، قائلاً "إنه أمر غير معقول، فكيف يمكن لمن يعمل لصالح القوات الأمنية أن يفجر بيوتاً ويقتل مدنيين". وأكد أن "هذه حقيقة العديد من عناصر داعش الذين أطلق سراحهم، وشاركوا مرة أخرى في هجمات ضد القوات الأمنية". وتابع المصدر نفسه أن "داعش يملك معلومات شاملة ودقيقة عما يجري في داخل المقرات الأمنية، هذا فضلاً عن معلومات حول السكان، وعلاقاتهم مع الحكومة والقوات الأمنية. وهناك مصادر استخباراتية تعمل لصالح التنظيم، ما يدل على أن داعش هو من يخترق أجهزتنا الأمنية وليس العكس"، بحسب قوله.

انطلاقاً من ذلك، يشعر سكان المناطق التي تشهد عودة عناصر "داعش" من الاعتقال، بحالة ذعر، خوفاً من تجدد استهدافهم. أحد المواطنين يدعى غازي الفلاحي، وهو موظف حكومي في وزارة التربية، عاد إلى الأنبار بعد نزوحه منها لثلاثة أعوام، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الخوف يسيطر علينا نحن سكان الأنبار من عودة داعش". وأضاف أن "ما يؤسف له يتمثل في أن الأجهزة الأمنية والحكومة المحلية والأحزاب وزعماء القبائل متصارعون في ما بينهم حول المكاسب والمناصب في المحافظة، غير آبهين بما يتربص بنا من تهديد من قبل داعش". وتابع أنه "لا تزال هناك جيوب لداعش في المحافظة، وهناك خلايا نائمة أيضاً. هذا أمر معروف هنا في الأنبار. عناصر داعش ممن قتلوا في الهجمات الأخيرة، بينهم من هم معروفون بكونهم كانوا معتقلين وأطلقت القوات الأمنية سراحهم وعادوا مرة أخرى لصفوف داعش". وتساءل "من المستفيد من إطلاق سراح قتلة وسفاحين؟ ولماذا يطلق سراحهم؟ نحن لا يمكن أن نصدق أن هؤلاء المجرمين الذين عُرفوا بين السكان بإجرامهم يخترقون داعش استخباراتياً ويعملون لصالح القوات الأمنية مثلما تنشر حولهم الشائعات"، بحسب تعبيره.