جيل أكتوبر الجزائر: أحلام الديمقراطية المؤجلة

جيل أكتوبر الجزائر: أحلام الديمقراطية المؤجلة

08 أكتوبر 2017
الجيش الجزائري يسيطر على العاصمة عام 1988 (باتريك روبرت/Getty)
+ الخط -

عندما اندفع الطلبة إلى الشارع في أكتوبر/تشرين الأول 1988، رموا كرّاسات التاريخ في سلال المهملات، ورفعوا شعاراً "التاريخ إلى المزبلة" في عدد من المدن الجزائرية. وقد كان المشهد بمثابة مؤشر إلى إخفاق على مستوى الدولة الوطنية التي انتهت سريعاً إلى الفشل. كما كان تعبيراً عن رفض جيل كامل إغراقه في أتون التاريخ وإغماض عينيه داخل مناخ ثورة التحرير، في وقت بدأ بالتطلع إلى المستقبل لتحقيق أهداف الثورة وأدبياتها في بناء دولة قوية، لكن واقع الحال في المرحلة الراهنة لم يتغير، فالإخفاقات نفسها والطموحات نفسها أيضاً.

وبعد 29 عاماً على ثورة أكتوبر، كان الكثير من أبناء الجيل الحالي في سني طفولته، ولم يكن معنياً حينها بالتفاصيل يومية، فتلمّس الحلم الديمقراطي في بدايته، غير أن صدمة الانحراف التي لحقت بالمسار الديمقراطي لاحقاً، لم تبق له من طيف أكتوبر سوى ما علق من صور أو مشاهد.

بلقاسم عجاج هو أحد هؤلاء، كان في المدرسة حين انفجرت أحداث أكتوبر 1988، فروى بعض ما علق في ذاكرته بشأن هذه الأحداث، قائلاً إنه "في أكتوبر 1988 كنت في قسم السنة الخامسة، وكان عمري 11 سنة، وكنت في طريق عودتي من المدرسة فسمعت أن شباباً من الحي ذهبوا إلى العاصمة للمشاركة في الاحتجاجات ضد الأوضاع السائدة. لم يكن عمري يسمح لي بأن أفهم، لكني فهمت حينها أن الأوضاع في البلد ليست على ما يرام. بالتأكيد كنت ألاحظ المصاعب الاجتماعية التي كانت تعيشها العائلات الجزائرية لناحية ندرة بعض المواد التموينية، كان هناك احتجاج على الأوضاع المعيشية ورغبة في تغيير نحو حياة أفضل".

وأضاف أنه "في المساء شاهدت على التلفاز تلك المشاهد التي قوبلت برفض من السلطة واعتراض رجال الشرطة للمحتجين، من دون أن أستوعب المغزى السياسي لذلك الفعل أو الحركة الاحتجاجية والبعد الذي سيخلّفه لاحقاً". فكما كثير من الجزائريين الذين كان يكبر حلمهم في عيش كريم باسم الحرية والديمقراطية، كان بلقاسم ينتظر الحلم من دون أن يعبر معه الحلم إلى الواقع.



في أكتوبر عام 1988 لم يكن حمزة حداد قد بلغ السنتين بعد، ولا يذكر شيئاً من تلك الأحداث، قبل أن يعيش لاحقاً في خضمّ تداعياتها، كأبرز تحول سياسي ومجتمعي تشهده الجزائر منذ استقلالها. يقول حداد لـ"العربي الجديد"، إنه "في سنة 1988 لم أكن حينها قد بلغت الثانية من عمري. ولعلّ أهم حدث عرفته الجزائر بالنسبة لي، هو أحداث الخامس من أكتوبر 1988، فهناك من يسمّيها بالانتفاضة، وهناك من يعتبرها أحداثا عابرة، وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويعتبرها مؤامرة".

وبنفس القدر من الأسف على ضياع فرصة تحوّل ديمقراطي حقيقي في الجزائر، يعبّر حداد عن "انكسار الحلم الديمقراطي بفعل النية السياسية المغيبة"، مشيراً إلى أنه "كشاب كما الكثير من الشباب في سني، خصوصاً أولئك الذي ولدوا في مناخات أكتوبر 1988 يتساءلون ماذا استفادت الجزائر من تلك الأحداث، بعد مرور كل هذه السنوات، خصوصاً أنها كانت تبدو في الوهلة الأولى محطة مهمة نحو التغيير والإقلاع نحو الأفضل؟ للأسف الشديد المسؤولون في البلد دائماً يبحثون عن الحلول الاستعجالية والترقيعية، يضعون في بداية الأمر المخدر على الجرح، ولكن بمجرد أن يزول ذلك المخدر تنفجر الأزمة من جديد".

ويبدي حداد اعتقاده بأن "غياب الإرادة السياسية الصادقة للإقلاع بالمسار الديمقراطي في الجزائر، كان السبب الرئيس في انحراف مسار المنجز الديمقراطي في أكتوبر 1988". ويقول إن "ما عاشته الجزائر بعد أكتوبر 1988، وأقصد العشرية السوداء وما خلفته من تراجع رهيب للجزائر وفي جميع المجالات، كان بسبب انتهاء ذلك المخدر، فالجمر المتبقي من أتون الأزمات قد يشتعل في أي لحظة". ويضيف أنه "للأسف الشديد فإن الجزائر لم تشهد أي تحول، ولم تكن هناك نية سياسية لإنجاز التحول".

بدوره، يقول عبد الجليل دعماش، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "ما أعرفه عن الخامس من أكتوبر 1988، هو أنها كانت انتفاضة شعبية، بسبب سوء الأحوال الاجتماعية لكثير من الناس. وهي محطة مهمة من تاريخ الجزائر المستقلة أنهت حكم الحزب الواحد وجاءت بالتعددية السياسية والإعلامية". ويضيف "أنا ولدت في مناخات أكتوبر في عام 1990، وعشت طفولتي في كل ذلك المناخ المتناقض والمتسارع الذي خلّفته أحداث أكتوبر والتحولات السياسية التي فرضتها في الجزائر".

أتاحت الظروف لحداد العمل كإعلامي ولدعماش العمل كمدير موقع لحزب سياسي، وضعتهما الأقدار في قلب المعمعة السياسية وعلى اتصال دائم بالتطورات الراهنة في الجزائر. ما أحزن عبد الجليل الذي ناقش رسالة ماستر متمحورة حول أن "كل تلك التضحيات لم تحدث التحول اللازم في الجزائر". وبغض النظر عن المسار الدراماتيكي الذي انتهت إليه البلاد بعد أكتوبر 1988، فإن واقع الحال الراهن مرهون التفاؤل بالمستقبل. في هذا السياق قال دعماش إنه "بعد 29 سنة من هذه الانتفاضة، أجد أن الجزائر يمكن أن تكون ماضية في نفس الطريق فالزمن يعيد نفسه، والأوضاع لم تتغير كثيراً، وما زلنا على كل حال مع نفس الحزب الحاكم وبديمقراطية وهمية".