أفغانستان: حوار الفرصة الأخيرة مع باكستان

أفغانستان وحوار الفرصة الأخيرة مع باكستان: المطالبة بخطوات ملموسة لتسهيل المصالحة

08 أكتوبر 2017
أشرف غني طالب بتعاون باكستان لإنجاح المصالحة(وكيل كهسر/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت أفغانستان منذ أيام زيارات مهمة للقادة الدوليين والمحليين، كان أهمها زيارة وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، وقائد القوات المسلحة الباكستانية الجنرال قمر جاويد باجوه. وتكمن أهمية هذه الزيارات في توقيتها، إذ تأتي بعد الإعلان عن الاستراتيجية الأميركية الجديدة حيال أفغانستان. وفيما كانت زيارة الوزير الأميركي والأمين العام للأمم المتحدة تركّز على الاستراتيجية الأميركية وكيفية تطبيقها، كانت زيارة قائد القوات المسلحة الباكستانية إلى كابول تركّز على العلاقات بين الدولتين والتعاون بينهما في شتى المجالات، خاصة المصالحة الأفغانية التي تتهم كابول جارتها إسلام أباد بأنها غير جادة بشأنها.

وما يشير إلى أهمية زيارة المسؤول الباكستاني ليست البيانات الرسمية للطرفين، إنما نقاط التباحث وما دار من النقاشات أثناء اجتماع الجنرال الباكستاني بالرئيس الأفغاني أشرف غني. ولعل من أهم ما دار الحديث بشأنه مطلب أفغانستان إطلاق سراح قيادات حركة "طالبان" المعتقلين لدى باكستان، وعلى رأسهم القيادي الملا عبد الغني بردادر أخوند، والذي كان يتوقع أن يكون خلفاً لمؤسس الحركة الملا عمر، لولا اعتقاله من قبل باكستان. الرجل معروف بأن له نفوذاً كبيراً في صفوف "طالبان"، ربما أكثر بكثير من زعيم الحركة الحالي الملا هيبت الله أخوند زاده. كما أنه يرجح الحوار الأفغاني لحل المعضلة من دون أن يكون لأي قوى محلية أو دولية دور فيه. وترى الحكومة الأفغانية أن الرجل وقياديين آخرين في سجون باكستان سيؤدون دوراً مهماً في المصالحة الأفغانية نظراً لمواقفهم ولشعبيتهم في أوساط الحركة.

في المقابل، يعتقد بعضهم أن زيارة الوزير الباكستاني كانت روتينية. ويتذرع هؤلاء بأن باكستان تدعم "طالبان" والجماعات المسلحة في الصيف، أي في الفترة التي يمكن شن حرب فيها، وعند دخول موسم الشتاء تبدأ لعبة الحوار التي تستغرق عادةً أشهراً عدة ثم تنتهي بانتهاء الشتاء وعودة فترة الحرب. وهذا ما يلفت إليه المحلل السياسي، أمين الله شارق، بقوله "لن نثق بباكستان وبهذه اللعبة التي تبدأ مع بداية موسم الشتاء ثم تنتهي مع انطلاق موسم الحرب عند طالبان، إنه شراء الوقت لا أكثر، لذا لا بد من التعامل مع السعي الباكستاني بحذر، لأننا نخشى من أن إسلام أباد تسعى لتقليص الضغط الدولي الموجود عليها حالياً من خلال هذه المساعي التي لا جدوى من ورائها"، على حد تعبيره.


ويتقاطع مع هذا الرأي موقف رئيس الاستخبارات الأفغانية سابقاً، أمر الله صالح. ويقول إن "الاعتماد على باكستان مرةً أخرى ضياع للوقت وضياع لكل الجهود التي بذلت خلال الأشهر الماضية لأجل إقناع المجتمع الدولي بأن باكستان لديها الحل وهي من يقف وراء كل ما تواجهه أفغانستان"، وفق تعبيره. ويضيف أن "استراتيجية باكستان لن تتغير إزاء أفغانستان"، معتبراً أنها "لن تتحمل أفغانستان المستقرة".

في المقابل، هناك من يرى أن زيارة قائد القوات المسلحة الباكستانية أتت نتيجة الضغوط الأميركية، خاصةً بعد الإعلان عن استراتيجية واشنطن الجديدة، والتي قد تستهدف في نتيجتها الجماعات المسلحة، وقياداتها، وعلى رأسها "طالبان"، داخل الأراضي الباكستانية. لذا آن الأوان لأن تغير باكستان استراتيجيتها. وبهذا الصدد، يقول المحلل السياسي نبي مصداق، إن "جهود باكستان الحالية متفاوتة مع سابقاتها". ويتابع أنه "الآن أمام باكستان خياران، إما المواجهة مع أفغانستان وأميركا وبذلك تنقل الحرب إلى أراضيها، من خلال استهداف قيادات وعناصر طالبان هناك، وإما التعاون مع أفغانستان لأجل المصالحة وحل الأزمة التي لا محالة تلقي بظلالها على المنطقة وبالأخص على باكستان".

ولا تخشى باكستان من نقل الحرب إلى أراضيها فحسب، بل من تعاظم الجهود الرامية لانفصال جزء منها، وهو إقليم بلوشستان. وتعتقد سلطات باكستان أن هذه الجهود مدعومة من قبل كل من إيران والإمارات والهند. وتخشى باكستان أن تكون الأراضي الأفغانية مركز تلك الجهود المدعومة دولياً ومحلياً بهدف انفصال بلوشستان. ومعروف أن بين الدولتين حدوداً مداها أكثر من 2000 كيلومتر. من هنا ترغب باكستان حالياً في حل ملفاتها مع أفغانستان قبل أن تستفحل قضية بلوشستان أكثر، وقبل أن تستفيد منها دول المنطقة والقوى العالمية.

وفي ما يتعلق باللقاء بين الرئيس الأفغاني وقائد الجيش الباكستاني، تشير تسريبات صحافية إلى أن الجانب الأفغاني طلب من الجانب الباكستاني إطلاق سراح سبعة من قياديي "طالبان" المعتقلين في سجونهم، علّهم يؤدون دوراً مهماً في إنجاح المصالحة الأفغانية، وعلى رأسهم الملا عبد الغني برادر. كذلك طالب بإغلاق مكاتب "طالبان" في كل من مدينة كويتا وبشاور الباكستانيتين، ومنع جرحاهم من تلقي العلاج في المستشفيات الباكستانية، بالإضافة إلى الوقف الفوري لدعم "طالبان" من قبل باكستان. وطلب الرئيس الأفغاني من قائد القوات المسلحة الباكستانية القيام بعمل مسلح ضد قيادات "طالبان" وعناصرها في باكستان إذا ما رفضت الأخيرة الحوار مع الحكومة الأفغانية. وبالنظر إلى فشل التجارب السابقة، شدد الرئيس الأفغاني على أن تكون لكل هذه الجهود آلية معينة وفترة زمنية لا تتجاوز بضعة أسابيع للوصول إلى نتائج مرجوة، مؤكداً أن كابول لن تثق بالوعود، بل تريد العمل، وفق التسريبات التي تناولت مضمون اللقاء.

أما الجانب الباكستاني، فقدّم مطالب لا تختلف كثيراً عن مطالب أفغانستان، على رأسها القضاء على مراكز "طالبان باكستان" في شرق أفغانستان وتحديداً في أقاليم ننجرهار وكنر ونورستان. وتعلن إسلام أباد أن قيادات وعناصر "طالبان باكستان" موجودون في تلك الأقاليم ومعظم الهجمات داخل الأراضي الباكستانية يخطط لها هناك. كذلك من أهم مطالب باكستان القضاء على نفوذ الانفصاليين البلوشستان في أفغانستان، وعدم السماح لهم بالنشاط على الأراضي الأفغانية. ويشار إلى أن باكستان لا ترضى بتوسّع نفوذ الهند في أفغانستان، خشيةً منها أن يكون ذلك ضد باكستان التي تعتبر أن الهند تنشط ضدها وتستخدم الأراضي الأفغانية لأجل ذلك.

ويبدو أن أفغانستان مستعدة لسماع ومناقشة مطالب باكستان كلها من دون استثناء. لذلك، شدد الرئيس الأفغاني خلال مؤتمر صحافي مع وزير الدفاع الأميركي جيمس مايتس، على أن للحوار الأفغاني بُعْدَين: حوار مع "طالبان" وهو الملف الداخلي، وحوار مع باكستان حتى يصل الطرفان إلى حل نهائي إزاء ملفات تسببت في تدخل بعضهم في شؤون بعض. وفي هذا الإطار، يؤيد مستشار الرئيس الأفغاني للشؤون السياسية، أكرم خبلواك، التفاوض مع كل من "طالبان" وباكستان من دون قيد أو شرط، لكنه يدعو إلى أن يكون ذلك "فرصة أخيرة".

وينظر الأفغان إلى الجهود الباكستانية نظرة شك وترقّب، لكن تحديد الفترة الزمنية للمساعي الجارية من قبل الرئيس الأفغاني قد يضع باكستان في حرج، إذا كانت تريد شراء الوقت كما يعتقد بعضهم. كما أن فشل هذه الجهود سيزيد من الضغوط على إسلام أباد أكثر، ولعل هذا ما أدركته باكستان. لذلك، كانت أول خطوة قام بها قائد القوات المسلحة الباكستانية بعد العودة من كابول، عقد اجتماع مع قادة الفيالق في الجيش لمناقشة ما دار من حديث بين الطرفين خلال زيارته إلى كابول.