معركة الميادين: جبهة جديدة في ظل "أسوأ قتال" بسورية

معركة الميادين: جبهة جديدة في ظل "أسوأ قتال" بسورية

06 أكتوبر 2017
قلق إزاء وضع مناطق من الرقة وإدلب (محمد سيبس/الأناضول)
+ الخط -
قفزت مدينة الميادين، أبرز معاقل تنظيم "داعش" في شرقي سورية، إلى واجهة مشهد الصراع في البلاد، مع بدء قوات النظام السوري هجوماً مفاجئاً على المدينة، حيث من المتوقع أن تدور رحى المعارك الأخيرة ضد التنظيم، في ظل توقّعات أن يلجأ التنظيم إلى محاولة استنزاف القوات المهاجمة وتكبيدها خسائر في معركة تُعتبر "وجودية" بالنسبة إليه، وهو الذي بدأ رحلة تراجع في سورية، ولكنه لا يزال يحاول خلط أوراق الصراع معتمداً على الهجمات المباغتة ضد أكثر من قوة تهاجمه في وقت واحد.

وترفع هذه المعركة حدة المواجهات في البلاد، وتزيد المخاطر على المدنيين، في ظل إعلان اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أمس الخميس، أن أسوأ قتال في سورية، منذ اندلاع معركة شرق حلب العام الماضي، يستعر في مناطق عدة، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا المدنيين. وأضافت اللجنة في بيان، أن هناك أنباء عن أضرار لحقت بنحو عشرة مستشفيات في الأيام العشرة الأخيرة، ما حرم مئات الآلاف من الحصول على الرعاية الطبية. وعبّرت اللجنة عن قلقها إزاء الوضع في مناطق من الرقة إلى إدلب والغوطة الشرقية. وأوضحت أنه "مع تضخّم عدد المدنيين الفارين من العمليات العسكرية، تستقبل بعض المخيمات في المناطق المحيطة في محافظة الرقة ودير الزور أكثر من ألف امرأة ورجل يومياً". وقالت رئيسة بعثة اللجنة في سورية ماريان جاسر: "على مدى الأسبوعين الماضيين شهدنا زيادة مقلقة في العمليات العسكرية المرتبطة بمستويات مرتفعة من الضحايا المدنيين... ينقل زملائي قصصاً مروعة، مثل عائلة تضم 13 فرداً فرت من مدينة دير الزور لتفقد عشرة من أفرادها في ضربات جوية وانفجار عبوات ناسفة على الطريق".

في غضون ذلك، كانت مدينة الميادين محور هجوم جديد للنظام، إذ ذكرت مصادر إعلامية موالية للنظام أن قوات الأخير مع مليشيات تساندها بدأت تقترب من المدينة، أمس الخميس، فيما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن قوات النظام باتت على بُعد 10 كيلومترات من المدينة. من جهتها، ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أن قوات الأخير باتت على بُعد نحو 5 كيلومترات من أطراف مدينة الميادين، مشيرة إلى أن هذه القوات "نفذت خلال الساعات القليلة الماضية عمليات مكثفة على أوكار وتجمّعات داعش على طريق دير الزور الميادين، وفي محيطه أسفرت عن تكبيد التنظيم خسائر كبيرة بالأفراد والعتاد". وأضافت أن قوات النظام "دمرت مستودعاً للأسلحة، ومقر اتصالات وقيادة وعدة عربات تحمل رشاشات ثقيلة خلال ضربات مركزة بالمدفعية على مواقع التنظيم في مدينة الميادين". كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أمس، أن الغواصات الروسية في محيط البحر المتوسط، أطلقت 10 صواريخ "كاليبر" المجنحة باتجاه أهداف تابعة لتنظيم "داعش"، الذي تكبّد خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد جراء هذه الضربة على مدينة الميادين.

وتحوّلت مدينة الميادين إلى أهم معاقل "داعش" في سورية بعد أن انتقل إليها قياديون بارزون في التنظيم مع اشتداد الضغط العسكري على مدينة الرقة التي كانت بمثابة عاصمة للتنظيم في سورية، مع بدء معركة استعادتها في السادس من يونيو/ حزيران الماضي. كما نقل التنظيم إلى الميادين عائلات قيادييه ومقاتليه، خصوصاً الأجانب منهم، من مدينة الرقة وريفها، مستغلاً حالة الفوضى التي أعقبت إشاعة انهيار سد الفرات في مدينة الطبقة قبل بضعة أشهر.

ومن الواضح أن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين يستعجلون بدء معركة الريف الشرقي في مدينة دير الزور لقطع الطريق أمام قوات "سورية الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي والتي تتقدّم في الجانب الشمالي الغربي من نهر الفرات مهددة خطط النظام بفرض سيطرة كاملة على محافظة دير الزور، ثاني أكبر المحافظات من حيث المساحة التي تبلغ أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع وتقع في قلبها مدينة الميادين ذات التاريخ الموغل في القِدم. ويمتد ريف دير الزور الشرقي على مسافة تُقدّر بأكثر من 100 كيلومتر، يبدأ من تخوم مدينة دير الزور الشرقية مروراً بمدينة الميادين، وانتهاء بمدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية مقابل مدينة القائم، معقل التنظيم الأهم في غربي العراق. ويضم ريف دير الزور الشرقي مدناً وبلدات ومئات القرى المنتشرة على ضفتي نهر الفرات، من أبرزها: الموحسن، بقرص، الميادين، الشحيل، الشعيطات، البصيرة، العشارة، الصالحية، هجين، ذيبان، السيال، البوكمال.

وكان تنظيم "داعش" قد سيطر على هذا الريف في منتصف عام 2014 في ذروة اندفاعة أدت إلى سيطرته على نحو نصف مساحة سورية، وطرد فصائل تتبع للمعارضة السورية من محافظة دير الزور كلها، فوضع يده على ثروة نفطية هائلة بدأ يفقدها مع تقدّم قوات النظام وقوات "سورية الديمقراطية" من محاور عدة بدأ يهدد وجود التنظيم في شرقي سورية.


ومن المتوقع أن تحتدم المعارك في ريف دير الزور الشرقي، إذ لم يعد أمام التنظيم إلا الدفاع حتى اللحظة الأخيرة عن معاقله الأخيرة في سورية، بعدما خسر أغلب المناطق التي كان يسيطر عليها وآخرها ريف حماة الشرقي، كما أنه على وشك خسارة الرقة. وحاول التنظيم صرف اهتمام قوات النظام عن دير الزور، وتغيير معادلات الصراع، من خلال تنفيذ هجمات في البادية السورية، أفضت خلال الأيام القليلة الماضية إلى سيطرة التنظيم على مناطق عدة في ريف حمص الشرقي. ولكن قوات النظام واصلت التوغّل في ريف دير الزور الشرقي من محورين، الأول من مطار المدينة العسكري، والثاني من حقل التيم النفطي القريب من المطار، في محاولة للوصول إلى مدينة الميادين ومحاصرتها وتشتيت قوى التنظيم في جبهات متعددة، ودفعه إلى الانسحاب من مدينة دير الزور التي يخوض حرب دفاع عنها ضد قوات النظام. وفي حال استطاعت قوات النظام السيطرة على مدينة الميادين أو محاصرتها، تكون بذلك شطرت محافظة دير الزور من الوسط وقسمت قوى "داعش" العسكرية إلى قسمين، الأول في مدينة دير الزور ومحيطها، والثاني في مدينة البوكمال وريفها.

ورأى المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن النظام وحلفاءه "مهّدوا لمعركة الريف الشرقي لدير الزور من خلال حرب إبادة يشنّها الطيران الروسي أدت إلى مقتل مئات المدنيين خلال الأيام القليلة الماضية"، مشيراً إلى أن النظام "وصل إلى قناعة بأنه لا يستطيع التقدّم في منطقة شمال نهر الفرات التي تطلق عليها تسمية الجزيرة بسبب الرفض الأميركي، فركّز عملياته جنوب النهر، وهي المنطقة التي يطلق عليها السكان المحليون تسمية الشامية، من خلال التقدّم إلى مدينة الميادين ومحاصرتها". وأشار الأسمر، وهو من أبناء دير الزور، إلى أن الطرف الشمالي من نهر الفرات "أغزر من حيث عدد القرى، والعمق السكاني، ومن حيث وجود حقول النفط الكبرى كحقلي العمر والتنك"، متوقعاً أن "يشهد معارك طاحنة بين التنظيم والقوات المهاجمة سواء كانت قوات النظام أو قوات سورية الديمقراطية، لأن التنظيم يملك القدرة على المناورة في منطقة الجزيرة بعكس منطقة الشامية".

وتوقّع الأسمر أن يلجأ التنظيم إلى حرب استنزاف قوات النظام وتكبيدها خسائر من خلال الكمائن عبر مجموعات صغيرة متنقلة، مضيفاً: "أعتى جيوش العالم لا يمكنها الصمود أمام القصف الجوي وسياسة الأرض المحروقة التي يتّبعها الروس في دير الزور وريفها". كما توقّع أن ينسّق الروس والأميركيون جهودهم العسكرية في دير الزور "بحيث يتم ضرب التنظيم من الجوانب لإجباره على التراجع نحو مدينة البوكمال"، مشيراً إلى أن الجيش العراقي سوف يتدخّل هو الآخر من خلال التقدّم إلى مواقع التنظيم في غربي العراق لتضييق الخناق عليه في سورية والعراق في وقت واحد.

وأعرب الأسمر عن اعتقاده بأن النظام والمليشيات الموالية له تريد تفريغ المنطقة من السكان "لهذا ترتكب المجازر لدفع أهالي دير الزور لترك منازلهم"، وفق قوله. ويشهد ريف دير الزور منذ أيام سباقاً بين الطيران الروسي وطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في ارتكاب المجازر، إذ ينقل ناشطون محليون يومياً أنباء عن مقتل العشرات من المدنيين، ناشرين صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر اختلاط دماء القتلى بمياه نهر الفرات. فيما أشار المجلس المحلي في محافظة دير الزور، التابع للمعارضة، إلى أن عشرات آلاف المدنيين نزحوا خلال الأيام القليلة الماضية من المناطق التي تشهد معارك في ريف المحافظة.