البوكمال... قبلة الفرات تخشى ثمناً باهظاً لنهاية "داعش"

البوكمال... قبلة الفرات تخشى ثمناً باهظاً لنهاية "داعش"

26 أكتوبر 2017
تقع المدينة على الحدود السورية العراقية (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
قفزت مدينة البوكمال في أقصى شرق سورية إلى واجهة الأحداث الدامية التي تشهدها البلاد، مع اقتراب قوات النظام السوري ومليشيات موالية لها من المدينة بهدف انتزاع السيطرة عليها من تنظيم "داعش" الذي وضع يده عليها منتصف عام 2014، وتحوّلت منذ ذلك الوقت إلى معقل بارز له، وإلى معسكر لقواته العابرة للحدود التي تربط سورية والعراق.

وتتمتع مدينة البوكمال التي تتبع إدارياً لدير الزور، بموقع استراتيجي كونها معبرا يربط سورية بالعراق، وعانت خلال سنوات من إجراءات "داعش" المتشددة، التي أدت إلى هروب أغلب كوادرها، ومن القصف الجوي المتواصل الذي حصد أرواح المئات من سكانها. ومن المتوقع أن تدور رحى معارك ضارية في المدينة التي باتت أهم معاقل التنظيم في سورية، بعد خسارته الرقة والميادين، ويوشك على خسارة مدينة دير الزور. ويُخشى من تكرار سيناريو الرقة الذي حوّل المدينة إلى خراب، وتسبّب بمقتل وتهجير سكانها، في مدينة البوكمال التي فر أغلب أهلها إلى الريف بحثاً عن ملاذات آمنة، حيث تُركوا لمصيرهم في عراء بلادهم.

وتقع البوكمال إلى الشرق من مدينة دير الزور بنحو 110 كيلومترات، كما أنها لا تبعد عن الحدود السورية العراقية سوى 8 كيلومترات، وتقابلها على الطرف الآخر مدينة القائم العراقية، ويرتبط سكان المدينتين بصلات قربى، فقد انقسمت العائلات إلى سورية وعراقية إثر وضع حدود سورية والعراق من قبل الإنكليز في عشرينيات القرن الماضي. ولا تُعد مدينة البوكمال التي تُنسب لعشيرة عربية تحمل اسم "أبو كمال"، من المدن السورية الموغلة في القدم، إذ تشير مصادر إلى أنها أنشئت من قبل العثمانيين في عام 1864، وسرعان ما توسعت لتصبح من أهم مدن الشرق السوري. يمر نهر الفرات إلى الشمال من البوكمال، أي أنها تقع في منطقة "الشامية"، وهي تسمية للمنطقة التي تقع إلى الجنوب من النهر. كما يقع قسم من البوكمال في منطقة الجزيرة على الضفة الشمالية من نهر الفرات الذي يتابع سيره باتجاه العراق. وتتبع للمدينة نحو 30 قرية وبلدة، أبرزها هجين، والمصلخة، الصالحية، سوسة.

كان عدد سكان المدينة يبلغ عام 2011 نحو 50 ألفاً، إلا أن العدد تضاعف مرات عدة، خصوصاً عام 2012 عندما سيطر عليها الجيش السوري الحر، ونزح إليها سوريون من مختلف المحافظات بحثاً عن الأمان. وكانت البوكمال حاضرة بقوة في المشهد السوري، خصوصاً في الوضع السياسي، إذ كان يوسف زعيّن وهو من أبناء البوكمال، من أبرز رجالات حزب "البعث العربي الاشتراكي" في ستينيات القرن الماضي، وتولى رئاسة الوزراء بين عامي 1966 و1970 وهو العام الذي شهد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه، حيث أودعهم السجن ومنهم زعيّن الذي خرج من المعتقل في الثمانينيات لأسباب صحية، فخرج من سورية وتوفي العام الماضي في السويد عن عمر ناهز الثمانين عاماً. كما ينتمي إلى مدينة البوكمال العديد من الكتّاب والشعراء والصحافيين والأطباء المعروفين في سورية.


لم يتأخر أهالي مدينة البوكمال في إعلان الثورة على نظام بشار الأسد في عام 2011، وهو ما قابله النظام بقسوة مرتكباً مجازر بحق المحتجين، ما دفع الأهالي إلى الدفاع عن أنفسهم. فبدأت الثورة المسلحة ضد النظام، والتي تُوجت في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2012، حيث خرجت المدينة وريفها الواسع عن سيطرة النظام بشكل كامل. لم يطل بقاء الجيش السوري الحر في مدينة البوكمال، إذ بدأ تنظيم "داعش" منتصف عام 2014 بقضم محافظة دير الزور، فوصل إلى مدينة البوكمال في الأول من يوليو/تموز، وحينها دارت معارك لأيام عدة بين مسلحيه ومقاتلي المعارضة انتهت بسيطرة التنظيم على المدينة، وخروج فصائل المعارضة منها. وألغى التنظيم في ذلك العام الحدود الجغرافية بين سورية والعراق، ففقدت البوكمال أهميتها كمعبر حدودي، إلا أنها تحوّلت إلى معقل بارز للتنظيم، وهو ما جرّ إليها المآسي، إذ أصبحت هدفاً لطيران النظام وطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والطيران الروسي، وهو ما أدى إلى ارتكاب مجازر مروعة بحق أهالي المدينة، والنازحين اليها. تسبّب القصف المستمر والعشوائي بخروج عدد كبير من سكان البوكمال، إما نازحين داخل سورية في مناطق النظام، والمعارضة، أو لاجئين في دول عديدة أهمها تركيا، حيث يتمركز عدد من أهل البوكمال في مدينة أورفا. تحوّلت البوكمال إلى مركز ما يُسمّى بـ"ولاية الفرات" ضمن تقسيمات "داعش" الإدارية، وإلى معسكر للتنظيم تمر من خلاله أرتال التنظيم العسكرية من سورية إلى العراق أو العكس.

وقال الكاتب ثائر الزعزوع، وهو من أبناء البوكمال، إن مدينته "بين فكي كماشة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "الوضع في المدينة ربما يختلف عن باقي المناطق السورية كونها نقطة الوصل الرئيسية لتنظيم "داعش" بين سورية والعراق، لذلك فإنها ستكون نقطة تجميع نهائية للتنظيم. وأشار إلى أن "وضع السكان في المدينة مخيف بسبب هذه المعادلة أولاً، وبسبب توحش مسلحي التنظيم ثانياً"، موضحاً أن "هناك حركة نزوح كبيرة باتجاه الريف لأن مدينة البوكمال بعيدة جغرافياً عن المدن الأخرى، خصوصاً عن دير الزور فالمسافة طويلة جداً ومكلفة، والطيران يستهدف المركبات، حتى لو كانت تقل مدنيين فارين من ويلات الحرب، لذلك فإن الريف يعج الآن بالنازحين من مدينة البوكمال، لافتاً إلى أن "تنظيم داعش يعتبر الفارين من مناطقه مرتدين، وهذا أمر خطير لأنه يعرضهم للقتل من مسلحي التنظيم".