مجلس التنسيق السعودي-العراقي: مواجهة أميركية-إيرانية بالوكالة

مجلس التنسيق السعودي-العراقي: مواجهة أميركية-إيرانية بالوكالة

25 أكتوبر 2017
تدعم الرياض تولي العبادي ولاية ثانية على رأس الحكومة(الأناضول)
+ الخط -
ربما يفتح المجلس التنسيقي العراقي ــ السعودي، مرحلة مفصلية وجديدة في العلاقات بين بغداد والرياض، ويثير تساؤلات حول أسباب الانفتاح المفاجئ من قبل السعودية على العراق والمغزى الأميركي من رعاية مشروع تطبيع العلاقات بين البلدين. ويبدو أن كلاً من الأطراف المعنية بهذا "المشروع"، يرغب به بقوة لمصلحة تختلف عن أهداف الأطراف الأخرى. فإذا كانت واشنطن، عرابة المشروع، تريد عودة سعودية إلى العراق لضخ أموال ربما تقطع الطريق أمام التمدد الإيراني، ولإزعاج طهران في بلاد الرافدين، تمهيداً لظروف يصبح فيها بالإمكان مواجهتها هناك في زمن طبول "الحرب الأميركية ضد إيران"، فإن المملكة تأمل بدورها التعويض عما حاولت فعله في العراق من خلال سفيرها السابق هناك، ثامر السبهان، الذي سعى جاهداً بلا نتيجة لتوحيد القوى المتضررة من النفوذ الإيراني الشامل. أما الحكومة العراقية ورئيسها حيدر العبادي بالتحديد، فيرغب على الأرجح بحصول بغداد على استثمارات مالية سعودية ــ عربية كبيرة، تحسن ظروف اقتصاده المرهق، ليكون العبادي صاحب الفضل في تحسن اقتصادي يحمله إلى ولاية ثانية ربما بأقل قدر ممكن من النفوذ الإيراني عليه وعلى حزبه وائتلافه. 

وسيكون المشروع الذي يدشنه مجلس التنسيق السعودي ــ العراقي منافساً لإيران في مجالات وملفات كثيرة داخل العراق، بدءاً بالملف الاقتصادي والتجاري، وإعادة إعمار المدن العراقية المدمرة، مروراً بصفقات الاستثمار الكبيرة في قطاع النفط والغاز، وانتهاء بمشروع جمع القوى العراقية السنّية وإنهاء حالة الشتات الحالية وتوحيد موقفها ضمن مشروع واحد. وهو ما يفسر استئناف اجتماعات القوى السنّية العراقية مجدداً في تركيا بحضور ممثلين عن السعودية وتركيا والأردن ودول أخرى، بحسب قيادي سنّي بارز. ونقل هذا القيادي عن مسؤول سعودي قوله خلال الاجتماع الأخير الذي عُقد في الحادي عشر من الشهر الحالي في أنقرة، إن الملف العراقي استراتيجي يجمع بين تلك الدول التي تتناحر في ملفات أخرى.

مجلس التنسيق العراقي ــ السعودي، الذي تم التوقيع عليه السبت الماضي، في لقاء قمة جمع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز مع رئيس الوزراء حيدر العبادي في الرياض برعاية وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، من المقرر أن يباشر أعماله منتصف الشهر المقبل، من خلال لجنة وزارية ومستشارين من البلدين، وفقاً لتسريبات حكومية عراقية. وسيكون للمجلس مقران، واحد في بغداد والآخر في الرياض، لمواصلة العمل على تنفيذ المقررات أو الأهداف التي أُنشئ من أجلها، وهي في الغالب خطط تعاون اقتصادية وتجارية وثقافية وتعاون أمني واستخباري بين البلدين.

ويُعدّ المجلس أعلى اتفاق من نوعه بين البلدين منذ عام 1981، عندما وقّعت بغداد والرياض جملة اتفاقات سياسية واقتصادية دعمت في مجملها نظام الرئيس الراحل صدام حسين مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وهدفت لتوفير خط تصدير بديل للنفط العراقي عبر ميناء ينبع السعودي بعد إيقاف النظام السوري تدفق النفط العراقي عبر الأنبوب المار بالأراضي السورية مع بداية الحرب العراقية الإيرانية، فضلاً عن 30 اتفاقية زراعية وصناعية وتجارية مختلفة بين البلدين.

أهداف المجلس
عملياً فإن المجلس، بحسب ما تسرب منه، سيشرف على تنفيذ مذكرات تفاهم واتفاقيات تم التوصل إليها بين بغداد والرياض، تصب في النهاية بغالبيتها في صالح العراق، من بينها توفير فرص استثمار للشركات السعودية في مجال الزراعة والصناعة والتجارة في حوض الفرات الأوسط، جنوب العراق، ومناطق غرب العراق، وتُقدّر فرص الاستثمار الزراعي منها بنحو 4 ملايين هكتار زراعي. إضافة إلى فتح معبري عرعر وجميمة الحدوديين بين البلدين أمام حركة القوافل التجارية والمسافرين من البلدين، وتوفير مِنح دراسية للطلبة العراقيين من متابعي الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) وتوحيد الموقف السياسي النفطي في الإنتاج داخل أوبك بما يخدم مصالح البلدين، ومنح فرص استثمار لشركة "أرامكو" السعودية في بقع استكشافية جديدة في الحقول الجنوبية، وتطوير مصانع البتروكيميائيات العراقية، وإعادة تأهيل أنبوب النفط العراقي المار عبر المملكة باتجاه البحر الأحمر، وتأهيل الطريق الدولي السريع الرابط بين البلدين.

على المستوى السياسي، سيشرف المجلس على العمل لتوحيد المواقف وتقريب وجهات النظر في القضايا العربية والإقليمية، وتبادل المعلومات الاستخبارية، والتنسيق في جهود محاربة الإرهاب وضبط الحدود. بينما خُصصت داخل المجلس لجنة للمساعدة في إعادة إعمار المدن المحررة في العراق ومساهمة الرياض بذلك من خلال مؤتمر المانحين في الكويت المقرر عقده في الربع الأول من العام المقبل. ويتوزع مجلس التنسيق على لجان عدة مصغّرة، تضم وزراء ووكلاء وزراء ومستشارين ومدراء عامين من الطرفين.

وتطرح ضخامة الملفات التي يضطلع بها المجلس، والمنافع الكبيرة التي سيحصل عليها العراق على عكس السعودية، تساؤلات حول الغاية من ورائه، وأيضاً قدرة الرياض على إضعاف الدور الإيراني في العراق أو على الأقل منافسته، خصوصاً مع الرعاية الأميركية لمشروع إعادة العلاقات العراقية السعودية.

وكشف وزير عراقي، ومسؤول بارز في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن دور كبير للولايات المتحدة في توقيع اتفاق تأسيس المجلس، وقبل ذلك في تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، وصولاً إلى تطبيع العلاقات بالشكل الحالي، خصوصاً دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، في هذا المشروع.

وقال الوزير لـ"العربي الجديد"، في اتصال هاتفي من بغداد، إنه "لا يمكن القول إن السعودية قررت فجأة أنها يجب أن تنفتح على العراق وتقدّم كل تلك الهبات والمساعدات، فالموضوع مشروع كبير تقوده واشنطن ويهدف في النهاية إلى سحب العراق بشكل تدريجي من تحت النفوذ الإيراني"، معتبراً أن "هذا الأمر لن يحصل في عام أو اثنين بل يحتاج إلى سنوات طويلة، لكن في النهاية هو مشروع أميركي متكامل".

وأوضح أن "تحفّظ بغداد على شخصية السبهان كمسؤول الملف العراقي في السعودية، لم يعد حالياً مشكلة لا من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي ولا وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، وجرى ترطيب الأجواء بفضل الأميركيين". ولفت إلى أن "السعودية هي الواجهة العربية للمشروع، لكن مصر والأردن ودولاً أخرى معها، أما بالنسبة للحكومة العراقية فقد أخذ العبادي الضوء الأخضر من مرجعية السيد علي السيستاني وقيادات مهمة في التحالف الوطني، ليس من بينها نوري المالكي أو عمار الحكيم".


إمكانية التعايش

من المبكر جداً الحديث عن إرخاء القبضة الإيرانية على القرار العراقي السياسي والأمني وحتى الاقتصادي، التي أخذت في السنوات الثلاث الماضية شكل انتداب متكامل الأركان، خصوصاً مع دخول الآلاف من مقاتلي الحرس الثوري والباسيج وخلق 73 مليشيا مسلحة تدين غالبيتها بالولاء لطهران لا لرئيس الوزراء، حسب ما جاء على لسان عدد من قادتها في أوقات سابقة، وهي تمسك بمفاصل مهمة في الدولة. فضلاً عن ولاء غالبية أحزاب السلطة في البلاد لإيران، من بينها حزب "الدعوة" الذي ينتمي إليه العبادي.

الدخول السعودي المتأخر إلى الساحة العراقية، اختار أكثر بوابات العراق هشاشة، وهو الاقتصاد وإعادة إعمار المدن المحررة، بحسب عضو في البرلمان العراقي، قال لـ"العربي الجديد"، إن الرياض قد تنجح في التعايش وتكون شريكاً ثالثاً بين الإيرانيين والأميركيين خلال عامين من الآن إذا ما تم تنفيذ مقررات المشروع بشكل كامل. وأوضح أن الشق السياسي للمشروع هو توحيد القوى العراقية السنّية في تحالف واحد وتوجيه بوصلتها ووقف حالة تشتت مواقفها السياسية من خلال دعمها مادياً، وإعمار المناطق السنّية وترميم صورة القيادات السنّية التي فقدت كثيراً من شعبيتها في الوسط السنّي العراقي، ومحاولة التقرب من التيارات "الشيعية العروبية" وكذلك المدنية. وكشف أن السعودية ستضغط على الأطراف السنّية خلال الفترة المقبلة للتحالف مع العبادي لتمكينه من الحصول على ولاية ثانية بعد نحو ستة أشهر من الآن في الانتخابات العامة، إذ سيدخل العبادي في قائمة منفردة بعيداً عن حزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي، وهو ما قد يفسر سر تفاعل العبادي الكبير مع المجلس ومقرراته والانفتاح السعودي بشكل عام.

واعتبر أن "القول إن المشروع سيزيح إيران أو يضعفها غير صحيح تماماً، لكن دخول السعودية إلى العراق كلاعب بهذا الحجم الكبير من الملفات ومع استمرار العبادي في السلطة لفترة رئاسية ثانية، يؤهلها بعد سنوات لتكون شريكاً مزعجاً لإيران في العراق"، مضيفاً أن "طهران تبقى صاحبة اليد الطولى ما دامت تمتلك النفوذ السياسي والعسكري في العراق". وأعرب في الوقت نفسه عن مخاوفه من أن يتحوّل العراق إلى ساحة صراع جديدة مباشرة بين الرياض وطهران، خصوصاً أن السعودية لها القدرة على إعادة فتح قنوات كثيرة مع الجماعات المسلحة السنّية التي قاتلت في السابق القوات الأميركية، في مقابل وجود فصائل "الحشد الشعبي" التي تدين بالولاء لإيران وتعارض أي تواجد سعودي في الساحة العراقية.

آراء عراقية
تختلف القراءات العراقية للدخول السعودي إلى الساحة العراقية، فالقيادي في "التحالف الوطني"، عضو حزب "الدعوة"، عدنان الأسدي، اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العبادي ذهب إلى السعودية في زيارة القائد المنتصر على تنظيم داعش وعلى مشروع تفتيت العراق، وأبلغ المسؤولين هناك أن العراق باقٍ بسنّته وشيعته وأكراده ومسيحييه، ولا مجال إلا للقبول بهذه الفكرة". ورأى أن "المشروع الحالي والانفتاح السعودي على العراق هو مشروع المنطقة الجديد بالتأكيد، والجو العام مهيأ لذلك"، مشيراً إلى أن "موقف السعودية من العراق تغيّر كثيراً بسبب الضغط الدولي على الرياض لتغيير سياستها العامة مع بغداد وفي ملفات أخرى كثيرة".

من جهته، أوضح مقرر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، محمد العبد ربه، لـ"العربي الجديد"، أن "النقلة النوعية السعودية في العراق قد تحدّ من النفوذ الإيراني في العراق، وأعتقد أن السعودية في الواجهة في هذا المشروع، لكن هناك دولاً وراءها مثل مصر والأردن". ولفت إلى أن "التعاون سيكون تصاعدياً، يبدأ من إعمار المدن المحررة والاستثمار، ومن ملف مكافحة الإرهاب والاقتصاد، وصولاً إلى ملفات سياسية عديدة"، مؤكداً أن "الدخول السعودي يمكن أن يكون منافساً".
أما عضو حزب "الدعوة"، علي الدراجي، فقال لـ"العربي الجديد"، إن إيران لن تعارض بالتأكيد ما دام التدخّل اقتصادياً ولمساعدة العراق، معتبراً أن "الحديث عن تأثير السعودية على القرار السياسي في العراق غير وارد ومستبعد جداً".

وحول هذا الموضوع، قال الباحث في الشأن العراقي، إياد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس سينقذ العبادي والعملية السياسية، أو على الأقل سيساهم في الإنقاذ اقتصادياً، وهو الأمر المطلوب حالياً، ولكن في المطلق لن يكون المجلس قادراً على انتشال العراق من مخالب إيران كما يروج لذلك الإعلام السعودي". وأوضح أن "إيران تملك في العراق كل شيء ولديها كل الأوراق، كما أن زيارة العبادي إلى السعودية لم تكن بعيدة عن مباركة إيران، ويكفي متابعة ردة فعل الإعلام الايراني لنعرف أن طهران تؤيد العبادي في خطوته، حتى وإن بدا أنه رجل أميركا في العراق، فإيران تعرف كيف تلعب على التناقضات".

ورأى أن "الدخول السعودي إلى العراق سينعشه اقتصادياً، بعدما أنهك حجم الفساد البلاد اقتصادياً، وهو أمر سيعود إيجاباً على العملية السياسية المتهالكة في العراق، وهو ما تريده إيران التي ستجني الغرس السعودي في العراق، أما الرياض فستنال شرف المحاولة لا أكثر"، واصفاً مشروع السعودية بأنه يشبه إلى حد كبير السيناريو الذي نفذته في لبنان قبل سنوات وفشلت في النهاية على الرغم من إنفاقها مبالغ ضخمة.

أما الخبير السياسي العراقي رافد جبور، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السعودية اتخذت خياراً استراتيجياً بالانفتاح على حكومة العبادي، وقد يقول البعض إنه مفاجئ لكن ذلك يأتي متسقاً مع موقف سعودي يريد تأسيس علاقة إيجابية مع عراق ما بعد 2003". وأشار إلى أن السعودية استقبلت رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي في بداية ولايته الأولى عام 2006 وتعاملت معه بإيجابية، ثم تدهورت العلاقات للأسباب المعروفة لدى الجميع والتي كان من أبرزها النهج المتشدد الذي اتّبعه المالكي مع القوى العراقية الأخرى ومع الملف السوري، مضيفاً: "أما اليوم فيأتي موقف السعودية بعد ثلاث سنوات من حكم العبادي وبعد مجيء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تُقدّم الآن مبادرتها من أجل رعاية ودعم التقارب السعودي مع حكومة العبادي".

واعتبر جبور أن "السعودية تتعامل اليوم بواقعية مع الوضع في العراق، وتراهن على أن العبادي يمثّل توجّهاً معتدلاً قياساً بالمالكي، ولا ننسى أن السعودية استقبلت أيضاً زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي تحوّلت مواقفه نحو الاعتدال والاقتراب من الصف العربي في السنوات الأخيرة"، لافتاً إلى أن "سياسة السعودية هي تعزيز العلاقات والحضور في العراق بدلاً من تركه ساحة لتأثير إيران صاحبة العلاقات القوية مع قوى عراقية عديدة". وتوقّع "ألا يكون الطريق السعودي في العراق سهلاً أبداً، كما أن طريقها في تشارُك التأثير مع إيران في بلد مثل لبنان لم يكن سهلاً، ولكن القيادة الموجودة في السعودية اليوم ستواصل هذا المسار لفترة ستطول، وعملية تقييم نتائجه ستكون قريبة من نهاية عهد ترامب".

المساهمون