بغداد تدفع بقواتها إلى الشمال للعودة إلى حدود 2003

بغداد تدفع بقوات جديدة إلى الشمال: العودة لحدود 2003 وإيقاف دعم البشمركة

23 أكتوبر 2017
عناصر من "الحشد الشعبي" في كركوك منذ أيام(إليزابيت فيت/Getty)
+ الخط -
عدم إعلان بغداد حتى الآن، عن انتهاء عملية "فرض القانون" التي أطلقتها الأسبوع الماضي، لاستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان، على الرغم من السيطرة الكاملة عليها، بات يُثير خوف الإقليم من أن الهدف هو إعادة البشمركة إلى حدود عام 2003.

وحتى ذلك العام، كانت سلطة الإقليم تقتصر على الحدود الإدارية للمحافظات الثلاث، دهوك وأربيل والسليمانية فقط، ضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 688، الصادر عام 1991، والذي فرض منطقة آمنة للأكراد شمال العراق ونصّ على فرض منطقة حظر جوي وبري على القوات العراقية فوق المحافظات الثلاث، وهو ما عرف لاحقاً باسم الخط الأخضر أو خط 36 في إشارة إلى خط عرض 36 الذي حدده قرار مجلس الأمن آنذاك.

وعلى الرغم من استعادة بغداد نحو 11 ألف كيلومتر من المناطق المتنازع عليها بواقع 28 وحدة إدارية بما فيها 470 بئراً نفطية وغازية ضمن ستة حقول، فضلاً عن مصافي ومنشآت نفطية كبيرة، إلا أن العمليات العسكرية لا تزال جارية لإجبار البشمركة على التراجع أكثر نحو حدود الإقليم المتعارف عليها دستورياً. ووصلت القوات العراقية، فجر الأحد، إلى مناطق كانت خاضعة للسيطرة الكردية بعد عام 2003، استولت البشمركة عليها خلال فترة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، واستمرت بإدارتها طيلة السنوات الأربع عشرة الماضية، مثل بلدة طقطق وناحتي شوان وقوش تبة، بين كركوك وأربيل من جهة الشمال، فضلاً عن بلدة سنون بين نينوى ودهوك من جهة الغرب.

وأكّدت مصادر عراقية في وزارة الدفاع ببغداد أن القوات الإضافية التي وصلت فجر الأحد إلى مناطق عدة بشمال العراق هدفها تثبيت سلطة الدولة على تلك المناطق بشكل كامل وإعطاء زخم إضافي لاستكمال خطة ترسيم الحدود الإدارية لإقليم كردستان إلى عام 2003. وبحسب المصادر ذاتها، فإن خطة عملية "فرض القانون" التي أطلقتها الحكومة تهدف إلى نشر القوات العراقية بدءاً من خانقين أقصى شرق العراق على الحدود مع إيران، بما فيها حقل "نفط خانة" غرب المدينة، مروراً ببلدة طوز خورماتو في صلاح الدين ثم محافظة كركوك بالكامل، وصولاً إلى مخمور والكوير وسد الموصل وسنجار، وانتهاءً بمثلث فيش خابور التركي - العراقي -السوري. وهذه السيطرة تكرّس قوساً كاملاً على الخريطة العراقية الداخلية، بدءاً من الحدود الشرقية للعراق مع إيران وانتهاءً بالحدود الشمالية للعراق مع تركيا، وبمسافة 11 ألفاً و941 كيلومتراً، وهي نفسها الحدود التي كان الحال عليها قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. وهذا يعني أن تحركات القوات العراقية ستستمر لحين استعادة بلدات فايدة وقوش وشيخان وفيش خابور مع تركيا.

وشهد يوما الجمعة والسبت وصباح الأحد، اشتباكات متقطعة بين الجيش العراقي وفصائل من "الحشد الشعبي" مع قوات البشمركة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، في وقت تتحرك فيه قيادات عراقية مختلفة لاحتواء الموقف ودفع بغداد إلى وقف تحركاتها الحالية.

في المقابل، لا تزال الخلافات تعصف بقيادات إقليم كردستان، وسط موجة واسعة من اتهامات التخوين وتحميل أطراف دون غيرها مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في الإقليم. واعتبر عضو حزب "الاتحاد الكردستاني"، مجيد الشيخ قادر، لـ"العربي الجديد" أن "استفتاء كردستان أفقد الأكراد مكتسبات كانوا قد حصلوا عليها بدماء آلاف من البشمركة". وقال "اليوم نضطر للتراجع إلى حدود 2003 التي تعتبر حدود الحد الأدنى في حينها للحفاظ على بقائنا من موت كان يحيط بنا عام 1991". وأضاف أن "هناك تواطؤاً من العالم مع رئيس الحكومة العرقي، حيدر العبادي، ويبدو أنه استغل الخطأ القاتل لرئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، لينفذ ما كان يعجز عنه سابقاً". وأكد أن "القوات الاتحادية أخذت مناطق ما قبل داعش بسنوات مثل طقطق وسنون وقوش تبة".

ولم تجب بغداد على استفسارات القادة الأكراد والوسطاء حول مكان توقف قواتها بهذه العملية وفقاً للقيادي بـ"التحالف الكردستاني"، حمة أمين. وأكد الأخير أن أربيل وجهت استفسارات عدة حول بوصلة القوات العراقية التي تتحرك، لكن بغداد لم تجب، واكتفت بالإشارة غير المباشرة من قبل رئيس الوزراء، والذي قال في مؤتمر صحافي أخيراً، إن القوات العراقية تتحرك في أراضٍ عراقية. وأكد أمين أن القوات الكردية بدأت بإعادة بناء خطوط صد على مشارف الحدود الإدارية لمحافظات دهوك وأربيل والسليمانية. وأعلن أن الأكراد يأملون بـ"ألا يتم تجاوز تلك الخطوط من قبل بغداد فسيكون الأمر بمثابة إعلان بداية حرب حقيقية واحتلال"، وفقاً لقوله.

محنة النازحين الأكراد
ويبقى مصير الآلاف من السوريين الأكراد الذين نزحوا من بلدة عين العرب بسورية خلال المعارك السابقة عام 2014 واستقروا في بلدات عدة سيطرت عليها القوات العراقية، مجهولاً. وتحاول قوى سياسية في بغداد الإيحاء بأن هؤلاء المواطنين استقدموا لإحداث تغيير ديموغرافي، علماً بأنهم نازحون شأنهم شأن باقي النازحين العرب من السوريين والعراقيين الذين يوجدون في تلك المناطق.

في غضون ذلك، أكّد مسؤول بمنظمة "البارزاني للإغاثة"، يدعى أحمد شقلاوي، ارتفاع عدد الأكراد الفارين من المناطق التي سيطرت عليها بغداد إلى أكثر من 107 آلاف شخص تم افتتاح مخيمات لبعضهم وهناك دور عبادة تكفّلت بالآخرين بسبب عددهم الكبير، بحسب قوله. وبيّن في حديث لـ"العربي الجديد" أن "هناك دعوات داخل الإقليم لعودتهم إلى منازلهم وعدم تركها، لكن الخوف ينتاب تلك العائلات مع مشاهد عمليات سرقة وسطو ونهب في مناطقهم على يد جماعات مسلحة تابعة للحشد الشعبي".

وفي المقابل، قال القيادي بـ"التحالف الحاكم" في بغداد، جاسم محمد جعفر، إن "الخطة الحالية لإعادة انتشار القوات العراقية هي ثلاثة كيلومترات عن حدود أربيل ومن السليمانية وكيلومترين عند حدود مدينة جمجمال"، مشيراً إلى أنه من جهة محافظة دهوك، سيتم استرداد معبر فيش خابور والمنطقة كلها، بحسب تعبيره. وأضاف جعفر أن "هناك حالياً اختلاف في تفسير حدود خط 36". وتساءل "هل هي العودة لحدود عام 1991 أم الاكتفاء بالحدود التي كانت عليها عام 2003؟"، لكنه سرعان ما اعتبر أن "لا فرق كبيراً في ذلك"، على حد قوله.

وأوضح مقرر لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، ماجد الغراوي، لـ"العربي الجديد"، أن "القوات العراقية تحاول اليوم أن تفرض سيطرتها على كل المناطق وصولاً إلى ما يعرف بخط 36". وقال "اليوم ذهبت وتفقّدت القطعات العسكرية مع أعضاء لجنة الأمن والدفاع وزملاء آخرين بالبرلمان وبالفعل قواتنا وصلت إلى مناطق جديدة واستقرت عند الخط الأزرق قبل عام 2003، وهذا يجري بالتنسيق مع حزب الاتحاد وحركة التغيير والجماعة الإسلامية وأطراف كردية عدة"، بحسب تعبيره. وعلق على الاشتباكات التي حدثت في اليومين الماضيين، قائلاً إن "القوات العراقية تعاملت مع البشمركة وفقاً لقواعد الاشتباك واستطاعت دحرها".

وفي سياق متصل، كشف رئيس لجنة الأمن والدفاع العراقية، حاكم الزاملي، لـ"العربي الجديد"، عن بدء تحركات كبيرة على مستوى الحكومة ووزارة الخارجية تجاه دول أوروبية وأجنبية عدة لمنع تسليمها البشمركة أي أسلحة في الوقت الحالي، باعتبار أن ذلك يعدّ "تصرفاً ينتهك السيادة العراقية"، وفق تعبيره. وأوضح أنه "تم توجيه الجهد الدبلوماسي الحالي على وقف الدول الغربية أي مساعدات عسكرية للبشمركة، إذ إن قتالهم مع تنظيم داعش انتهى ولا يوجد ما يستدعي ذلك، كما أن قسماً من هذه الأسلحة وجهته البشمركة ضد الجيش الاتحادي والقوات العراقية الأخرى"، لافتاً إلى أن "هناك تجاوباً من قبل عدد من تلك الدول"، بحسب قوله.