مجسات تنصت إسرائيلية لمراقبة المقدسيين: قوة بوليسية للترهيب

مجسات تنصت إسرائيلية لمراقبة المقدسيين: قوة بوليسية للترهيب مصيرها الفشل

21 أكتوبر 2017
مئات الكاميرات نشرت في القدس المحتلة (أحمد غارابلي/فرانس برس)
+ الخط -
أثار قرار شرطة الاحتلال الإسرائيلي نصب مجسات وأجهزة تنصت في القدس المحتلة، خاصة في بلدتها القديمة، ردود فعل متباينة لدى المقدسيين، والذين رأوا في غالبيتهم أن هذا القرار لن يحدث تغييراً جوهرياً في واقعٍ تغلب عليه القوة البوليسية، والتي يحاول الاحتلال من خلالها ترهيب المقدسيين، في مقابل توفير أمنٍ مزعوم لم تحققه مئات كاميرات المراقبة المنتشرة منذ سنوات في أزقة وحارات البلدة القديمة، وعلى بواباتها التاريخية.

وأثبتت انتفاضة القدس قبل عامين، وهبة الأقصى الأخيرة في شهر يوليو/ تموز الماضي، أن إجراءات الاحتلال جميعها واستعانته بأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا التجسس والمراقبة لن تفلح في إطفاء جذوة الغضب لدى المقدسيين ضد الاحتلال وممارساته.

وفي هذا السياق، رأى المحلل الإعلامي والسياسي، راسم عبيدات، أن قرار شرطة الاحتلال بهذا الصدد، له هدف أمني استخباري بالدرجة الأولى، وهو مرتبط بحالة الهلع والخوف والهوس التي يعيشها الكيان المحتل، من جراء استمرار الهبات الشعبية المتلاحقة في مدينة القدس منذ هبة الشهيد الفتى أبو خضير في الثاني من يوليو/ تموز 2014 حتى الآن.

يأتي ذلك، في وقت أعلنت فيه سلطات الاحتلال، أول من أمس (الخميس)، اعتزامها تركيب منظومة رصد وتجسس وتنصت في الأماكن العامة في مدينة القدس، بادعاء تعزيز مركز الخدمات التابع للشرطة (100) وزيادة ردة الفعل، و"تشخيص أحداث غير عادية بشكل فوري، خاصة العمليات المعادية، والتي تتميز بإطلاق نار، أو صرخات، أو تجمعات غير عادية".




وقال عبيدات، في حديث خاص لـ"العربي الجديد": "أعتقد جازماً أن هبة باب الإسباط في يونيو/ تموز الماضي، وما نتج عنها من تداعيات، هي ما جعل الاحتلال وأجهزته الأمنية يفكران في نصب تلك المنظومة التجسسية، حيث الحشود البشرية الكبيرة المنتفضة بسجاجيد صلواتها، وعدم قدرة شرطة وجيش ومخابرات الاحتلال السيطرة عليها، ما جعلهم يعتقدون أن التكنولوجيا المتطورة قد تشكل لهم حلاً سحرياً، وهي ما دفعهم للقيام بمثل هذه الممارسات التي تنم عن عقلية إقصائية وعنجهية، عقلية (الجيتو)".


وأضاف المحلّل الإعلامي والسياسي أن هذا "قهر للآخر وعدم اعتراف به وتطهير العرقي، فهم لن ينتهكوا خصوصيات المواطنين المقدسيين فقط بنصبهم تلك المنظومة التنصتية والتجسسية بل يرسلون رسالة للمقدسيين العرب بأننا سنسكن حتى في غرف نومكم، وكل واحد منكم (إرهابي) حتى يثبت عكس ذلك".

ولفت إلى أن "هذه العقلية الأمنية المتغطرسة أثبتت فشلها وعقمها في توفير الأمن والأمان للاحتلال ومستوطنيه، فلا جدران فصل عنصري ولا كاميرات ذكية وفرت الأمن والأمان للاحتلال ومستوطنيه، والحل بسيط، وهو اعتراف كيان الاحتلال بحقوق شعبنا وإنهاء احتلاله لأرضنا ورحيله عنها".



المواطن المقدسي سيصبح منكشفاً تماماً تحت عين الاحتلال (أحمد غارابلي/فرانس برس)


في حين، رأى خبير القدس والاستيطان، جمال عمرو، أن للاحتلال أهدافاً عدة من وراء إجراءاته الأمنية الجديدة، عدا محاولته طمأنة نفسه ومستوطنيه بسيطرته المطلقة على مجريات الأمور في القدس.

وقال عمرو، لـ"العربي الجديد"، معلقاً على قرار شرطة الاحتلال بهذا الصدد، إن "الهدف هو إشاعة أجواء من عدم الثقة بين المواطنين وتعزيز الشعور لديهم بأنهم تحت المراقبة المشددة ليلاً ونهاراً، وأنهم أمام أجهزة أمن لديها معدات متطورة تحصي على المواطنين أنفاسهم بالصورة والصوت وعلى مدار الساعة، وهكذا يشعر كل واحد أنه مراقب، وأنه لا سبيل للراحة سوى الرحيل عن المدينة كلها، وبعد أن يعلن الاحتلال أنه، وبفضل تجهيزات كهذه، استطاع أن يحقق الأمن لمستوطنيه، وأنه أحبط في شهر واحد مثلاً عشرين هجوماً، وأن هذه التجهيزات هي الأولى من نوعها في العالم، عندها يبرز الهدف الحقيقي، وهو تسويق هذه الأجهزة على الأنظمة القمعية في العالم، ومن ضمنها بعض الأنظمة العربية الفاسدة".

أما وزير القدس ومحافظها عدنان الحسيني فقد وصف قرار الاحتلال بهذا الشأن بأنه قرار "غبي" وينم عن عقلية متغطرسة يتحكم فيها الأمن وقوة الاحتلال القمعية.

وقال الحسيني، لـ"العربي الجديد": "مجسات التنصت الجديدة لن توفر الأمن للاحتلال. تماماً كما لم تفعل ذلك من قبل شبكة الكاميرات المتطورة جداً المنتشرة في جميع أنحاء البلدة القديمة ومحيطها. فمقاومة الاحتلال استمرت بالرغم من إجراءاته القمعية من قتل واعتقال وإبعاد. الحل الوحيد هو بإنهاء الاحتلال وزواله عن أراضينا، وهو الكفيل بتحقيق الأمن للجميع".

المواطن المقدسي الذي سيصبح منكشفاً تماماً تحت عين الاحتلال لم يبد كثيراً من الاهتمام لقرار شرطة الاحتلال نشر مجسات تنصت إلى جانب كاميرات المراقبة. وعن هذا تساءل أحد تجار البلدة القديمة من القدس، ويدعى أيمن الشويكي، في حديث لـ"العربي الجديد": "سبق أن تعامل الشبان مع الكاميرات بما تستحق، هل ستضيف أجهزة التنصت جديداً لأمنهم يحمي جنود الاحتلال والمستوطنين؟. هذا لا يحدث في العالم إلا في الدول القمعية والاحتلال دولة قمع ونحن نتوقع منه كل شيء".

في حين، اشتكت إحدى المواطنات المقدسيات من سكان حارة الجبشة في البلدة القديمة، انتصار طه، في حديث لـ"العربي الجديد"، من نصب الاحتلال قبل أشهر عدة كاميرات مراقبة على مدخل منزل في المكان تراقب المنطقة برمتها. واستدركت بالقول: "لكن هذه الكاميرات ورغم أنها ضيّقت الخناق على سكان الحارة لم تمنع مقاومة المقدسيين للاحتلال. وكما تعامل الشبان مع هذه الكاميرات في السابق، فسيتعاملون مع أجهزة التنصت الجديدة".

يشار إلى أن نشر أجهزة تنصت ومجسات متطورة في القدس ومحيطها، كان قد سبقه إعلان سلطات الاحتلال قبل نحو ثلاثة أشهر عن مخطط واسع لتغطية كل مداخل ومخارج وشوارع مدينة القدس المحتلة، بشبكة من الكاميرات، ستصوّر كل من يدخل ويخرج من القدس، وتتعقب أرقام السيارات وتنقل صورة مباشرة عن الأوضاع في المدينة، ما سيساعد على التعقب والوصول إلى منفذي الهجمات الفدائية.

وفي هذا السياق، أُقيم مقر متابعة في مستوطنة "جيلو" جنوب القدس، علماً أنه يعمل في القدس اليوم مركز تعقب لشرطة الاحتلال، إلا أن الكاميرات التي يجري تعقبها تغطي فقط منطقة البلدة القديمة ومحيطها في القدس الشرقية.

وفي المرحلة الأولى، سيتم ربط المقر بنحو 130 كاميرا تابعة لوزارة الاستيطان. وفي المرحلة الثانية سيتم ربط نحو 250 كاميرا تابعة للبلدية، و75 كاميرا تابعة لدائرة المواصلات في القدس، و20 كاميرا تابعة لشركة خطوط "إسرائيل". كذلك سيتم نشر 240 كاميرا على خطوط القطار الخفيف، و20 كاميرا في بلدة سلوان و10 في حي الشيخ جراح حيث تنتشر هناك مجموعة من البؤر الاستيطانية.

وفي إطار هذا المشروع سيتم تركيب كاميرات (LPR) المسماة "عين الباز"، وهي كاميرات دقيقة لمسح أرقام السيارات، وتوثيق كل سيارة تدخل وتخرج من المدينة المقدسة.