روسيا تحشد لمؤتمر حميميم... والعين على هيئة المفاوضات وجنيف

روسيا تحشد لمؤتمر حميميم السوري... والعين على هيئة المفاوضات ومسار جنيف

21 أكتوبر 2017
توقعات بمشاركة 1200 شخص بمؤتمر حميميم (بول غيبتو/فرانس برس)
+ الخط -

تعكس التحركات الروسية المتسارعة في سورية، ما يمكن وصفه ببدء ساعة الصفر لتطبيق رؤية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للإطاحة بالهيئة العليا للمفاوضات ومن خلفها مسار جنيف السياسي عبر التحضير لما يسمى "مؤتمر شعوب سورية"، بذريعة إجراء مصالحة بين الحكومة والمعارضة في سورية عبر محاولة إقناع بعض القوى المحلية المشاركة في المؤتمر المقرر عقده في قاعدة حميميم.

 وعلى الرغم من إعلان الكرملين أن الحديث عن تفاصيل "مؤتمر شعوب سورية"، الذي تحدث عنه بوتين أول من أمس، سابق لأوانه، فإن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، يواصل اجتماعاته في مدينة القامشلي، لضم الأكراد والمسيحيين إلى المؤتمر، لإعطائه صبغة موسعة. تطورات انتقدتها الهيئة  العليا للمفاوضات، مؤكدة أنه لا علاقة لها بالمؤتمر، الذي تريد موسكو جمع أكثر من ألف مشارك فيه، بهدف تجاوز المعارضة الحالية، مستفيدة من تقدم النظام على الأرض وإحباط الناس وتوقهم لأي حل، إضافة إلى عدم الاكتراث الأميركي والدولي وربما الإقليمي أيضاً.

وكان بوتين قد قال، أول من أمس، إن هناك تقدماً إيجابياً في عملية التسوية السورية بفضل التعاون بين عدد من الدول، بما في ذلك تركيا وإيران والولايات المتحدة وكذلك السعودية وقطر. واعتبر أن الخطوة التالية بعد إنشاء مناطق "خفض التصعيد" قد تتمثل بتشكيل ما يسمى بـ"مؤتمر شعوب سورية" لإجراء مصالحة بين الحكومة والمعارضة، مشيراً إلى أنه "من المخطط لهذا الهيكل الجديد أن يضم ممثلين عن الحكومة وفصائل المعارضة، وكذلك جميع الطوائف العرقية والدينية". وأضاف "إذا تسنى القيام بذلك بدعم من الدول الضامنة، وحتى القوى الإقليمية الكبرى، مثل السعودية ومصر، فإنها ستكون خطوة تالية إضافية ومهمة جداً على طريق التسوية السياسية، ثم وضع دستور جديد".

من جهته، أعلن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن الحديث عن تفاصيل عقد "مؤتمر شعوب سورية" الذي تحدث عنه بوتين، سابق لأوانه. وأوضح "قال الرئيس إنه يجري بحث هذه المبادرة بنشاط، وهي عامة، وروسيا من بين المروجين لها، لكن لا مجال للحديث عن مكان وكيفية وموعد ذلك حتى الآن". لكن مندوبين روسيين واصلوا على الأرض جهودهم لإقناع بعض القوى المحلية في سورية بالمشاركة في المؤتمر المتوقع عقده في 10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وتشمل تلك القوى ممثلين عن المدن التي دخلت بمصالحات مع نظام بشار الأسد، والمجالس المحلية للمدن والبلدات التي وافقت على اتفاق "خفض التصعيد"، و"الإدارة الذاتية" شمالي سورية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إضافة إلى فاعليات مسيحية في الجزيرة السورية.

وفي هذا الإطار، يواصل مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ونائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، لقاءاته في مدينة القامشلي، التي وصلها قبل ثلاثة أيام. ووفق "شبكة روداو الإعلامية" فقد ناقش بوغدانوف مع قيادات "الإدارة الذاتية" مطالب الأكراد و"شعوب شمال سورية" المستقبلية. ونقلت عن مصدر قوله إن "مبعوث الرئيس الروسي ناقش مطالب الأكراد من الحكومة السورية للوصول إلى اتفاق، بناءً على مخرجات مؤتمر حميميم"، في إشارة إلى الاجتماعات التي جرت أخيراً بين ممثلين عن الأكراد ومسؤولين روسيين في قاعدة حميميم حول مطالب الأكراد، ورؤيتهم لمستقبل البلاد. وأضاف المصدر أن "الطرف الكردي طالب المسؤول الروسي بحماية وتطبيق النظام الفيدرالي"، متوقعاً أن يعقد مؤتمر حميميم الموسع في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، بمشاركة نحو 1200 شخص. وأوضح أن "نحو 100 شخص سيمثلون جميع أقاليم فيدرالية شمال سورية في مؤتمر حميميم". وأشار إلى أن وفداً كردياً بحث، في 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، مع ممثلين عن النظام السوري "مستقبل ودور وحدات حماية الشعب الكردية بعد الاتفاقية، ووضع الأكراد في سورية، والنظام السياسي الجديد، ومصير القوات الأميركية في سورية، والتي تملك أكثر من 10 قواعد حالياً".



وقالت مصادر محلية إن مسيحيين من الجزيرة سيشاركون في مؤتمر حميميم المقبل. وكشف الناشط، سليمان اليوسف، لوكالة "آكي" الإيطالية، عن لقاء في القامشلي، جمع جنرالات روس قدموا من قاعدة حميميم وشخصيات دينية وسياسية ومدنية واجتماعية ورجال أعمال من المكون المسيحي، بهدف ضمان مشاركتهم في لقاءات موسعة تجري في القاعدة الروسية خلال الفترة المقبلة. وأكّد الوفد الروسي خلال الاجتماعات، أن ازدواجية السلطة بين النظام والأكراد في الحسكة لن تدوم، وأن الجزيرة ستحكم من قبل جميع أبنائها من دون هيمنة طرف على آخر. وأضاف الوفد أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بجناحيه العسكري والسياسي، سيشارك في مؤتمر حميميم، وأن الحزب سيلتزم بما يقرره المشاركون في المؤتمر. وتمنى الروس أن يكون الوفد المسيحي إلى حميميم موسعاً، ويضم ممثلين عن مختلف الأحزاب السريانية الآشورية وعن الكنائس والطوائف والمنظمات والتجمعات المدنية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية المسيحية، وأن يحمل مطالب سياسية وقومية وثقافية تخص الآشوريين وبقية المسيحيين، إلى جانب مطالبهم الوطنية العامة.

وتعليقاً على هذه المعطيات، أكد عضو وفد هيئة المفاوضات العليا التابعة للمعارضة السورية والناطق باسمها، يحيى العريضي، أن روسيا تحاول منذ البداية نسف مصداقية المعارضة، خصوصاً التي تتمسك بأهداف الثورة، مركزة على وجود "معارضات سورية"، فضلاً عن أنها لم تتوقف عن محاولة التملص من مسار جنيف أو إفشاله. وقال العريضي، لـ"العربي الجديد"، إن روسيا عمدت إلى إيجاد مسار أستانة كبديل عن جنيف، لكنها اليوم غير مغرمة بأستانة أيضاً بعد أن أدت وظيفتها في الوصول إلى نوع من "المناطق الآمنة"، والتي سمتها في البداية "وقف الأعمال العدائية" ثم "وقف إطلاق نار" وصولاً إلى "مناطق خفض التصعيد"، لكنها لم تحترمها ولم تلزم النظام باحترامها. وأشار إلى أن موسكو تحاول اليوم جمع ألف شخصية أو أكثر في حميميم، بهدف تجاوز الهيئة العليا للمفاوضات، التي تعمل بكل السبل لنسفها برغم ادعائها الظاهري بتأييدها و"حتى حين تدعو إلى توسيعها فهي تريد نسفها من الداخل".

ورأى العريضي أن مؤتمر حميميم مسألة خطيرة جداً، خصوصاً أن الناس في حالة وجع وتعب وباتوا ينشدون الهدوء، فتأتي روسيا لتداعب أحلامهم بالسكينة وأحلام إعادة الإعمار، مستغلة عدم الاكتراث الأميركي بما يجري، لكنه أكد أن ذلك لن يحدث لأن هناك جرائم حرب ارتكبها النظام ولا يمكن أن تسقط بالكذب ولا بالتقادم. وشكك بكل الوعود الروسية التي تقطع للسوريين، مشيراً، خصوصاً، إلى ما قاله المسؤولون الروس خلال مؤتمر أستانة الأخير بشأن ملف المعتقلين، وأن مندوباً روسياً سيزور دمشق لفتح هذا الملف مع سلطات النظام السوري، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. ووصف مؤتمر حميميم بأنه شكل من أشكال المصالحات التي يجريها النظام في بعض المناطق السورية، لكن على نطاق أوسع هذه المرة، معتبراً أن من يستجب لهذه الجهود الروسية هو في صف النظام أصلاً لأنها تستهدف في المحصلة إعادة إنتاج النظام. ولفت إلى أن المجتمع الدولي لا يستطيع تمرير ذلك، لأنه يعني أن أية طغمة حاكمة تستطيع ارتكاب ما يحلو لها من جرائم ثم تنجو بفعلتها إذا كانت بحماية إحدى الدول الكبرى. من جهته، قال المتحدث باسم هيئة التفاوض، رياض نعسان آغا، إنه لا علاقة للهيئة بهذا الأمر و"لم يعرض علينا أصلاً". وقال نعسان آغا، في حديث مع "العربي الجديد"، "نحن في الهيئة مع مسار جنيف فقط"، وأنا شخصياً "لا أعرف شيئاً عن هذا المؤتمر، وعن المشاركين فيه وعن طروحاته"، مستبعداً نجاح أي حلول تفرض بالقوة. وأعرب عن تفهمه لما تقوم به روسيا من محاولات لتجاوز المعارضة الحالية مستفيدة من تقدم النظام على الأرض وإحباط الناس وتوقهم لأي حل، إضافة إلى عدم الاكتراث الأميركي والدولي، وربما الإقليمي أيضاً.