ثلاثة أسباب رئيسيّة وراء حالة "البارانويا" السعودية

المملكة من الحماية الأميركية إلى الحروب المباشرة... 3 أسباب وراء "البارانويا" السعودية

20 أكتوبر 2017
السعودية انتقلت إلى سياسة أكثر تدخلية وقوة (Getty)
+ الخط -
في مقالته المنشورة تحت عنوان "لماذا أصبحت السعودية فجأة مذعورة"؟ يحاول البروفيسور جيمس غيلفن، وهو أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة كاليفورنيا، تتبّع الأسباب التي أفضت إلى هذا التحوّل الجذري الذي نراه الآن في السياسة الخارجية السعودية؛ من الاعتماد سابقًا على الثروة والعلاقة مع الولايات المتّحدة الأميركية لشراء الحلفاء ودفع الأعداء المحتملين، إلى اعتماد سياسة أكثر تدخّليّة وقوّة، تجسّدت بداية بالتدخّل عسكريًّا في البحرين، فاليمن، فضلًا عن تمويل الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي لمصر، عبد الفتاح السيسي، ودعم بعض الحركات المسلّحة في ليبيا وسورية، وصولًا إلى قطع العلاقات مع قطر وفرض حصار عليها أخيرًا.

وفي مقالته المنشورة بموقع "ذا كونفرزيشن"، اليوم الجمعة، يرى الكاتب أنّ المعطيات الراهنة تدلّل على أن المسؤولين السعوديين باتوا يفترضون أن الإبقاء على عقيدتهم الأمنية التقليدية لم يعد مجديًا، وبدا أنّهم باتوا يتصوّرون أن الضمان الوحيد لأمنهم هو ردّهم باستخدام قوّتهم الخاصّة. ويعتقد غيلفن، في استعراضه للتطوّرات التاريخيّة التي أفضت إلى تلك الانعطافة، أن ثمّة ثلاثة أسباب رئيسيّة تقف وراء ذلك: الثورات العربية، وسياسات باراك أوباما، وانهيار أسعار النفط.

1- الثورات العربية: التهديد المنظور

نظرت السعودية إلى الثورات العربية، التي بدأت بالثورة التونسية أواخر 2010، باعتبارها كارثة محتملة. السعوديون دعموا الوضع القائم في المنطقة، والقيادة السعودية - الغربية هناك. الثورات لم تهدد فقط الحلفاء الاستبداديين للسعودية، مثل البحرين ومصر، بل أيضًا النظام الإقليمي وأساسات الشرعية الحاكمة في السعودية كذلك. تلك الثورات أيضًا هدّدت بتوسيع نطاق الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان في المنطقة، وهو الأمر الذي يخشاه النظام السعودي، وفق استخلاص الكاتب.

ويضيف غيفلن إلى ذلك أن السعوديين كانوا يخشون من أن تمهّد الثورات الطريق لتوسيع النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما قاد إلى تدخّل السعودية في اليمن، حيث اعتقدوا أن إيران تتدخل، بينما الحقيقة، كما يتصوّرها الكاتب، أنّ المظالم الداخليّة، وليس تدخّل إيران، هي التي عجّلت الحرب الأهلية الدائرة في اليمن حاليًّا. السعودية اختلقت الاتهامات ذاتها سابقًا حيال البحرين، على الرغم من أن اللجنة الملكية التي عيّنها ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، فشلت في العثور على أي دليل حول التخريب الإيراني هناك.



والأمر الذي لم يكن يقلّ خطورة عن إيران، بالنسبة للسعودية، هو أن الثورات، كما يقول الكاتب، هددت بتمكين "الإخوان المسلمين"، والحركات التي على شاكلتها، في جميع أنحاء المنطقة. العائلة الملكية في السعودية تعتقد أن تلك الجماعة توفّر نموذجًا للتوفيق بين الدين والسياسة يتنافس مغ رؤيتها الخاصّة للعلاقة "الصحيحة" بين كليهما. فبينما ربطت جماعة الإخوان الدين بالسياسة، سعت العائلة المالكة السعودية إلى خلق مسافة ما بين الدين والسياسة لتمنع نشوء حركة إسلامية محتملة قد تزعزع استقرارها. وكما يلخّص الكاتب الذي درس تاريخ الشرق الأوسط لـ30 سنة، فتلك كانت استراتيجيّة العائلة المالكة السعوديّة للاستمرارية والبقاء منذ عام 1932.


وبالتوازي مع ذلك أيضًا، لا تزال العائلة السعوديّة متمسّكة بأوامر الملك المؤسس، عبد العزيز بن سعود، الذي طلب من علماء الدين السعوديين التأكيد على عقيدة أن المسلمين يجب أن يطيعوا قادتهم طاعة عمياء طالما أن أولئك القادة هم أيضًا مسلمون.

ومن زاوية أخرى كذلك، كان السعوديون غاضبين إزاء ما زعموا أنه "دعم أميركي للثورات العربية"، في حين كانت الحكومة الأميركية، في الواقع، متناقضة حول الثورات، لأن الأنظمة الاستبدادية الصديقة عزّزت المصالح الأميركية في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، وكان الغضب السعودي مردّه عدم تقديم الولايات المتّحدة دعمًا غير مشروط لتلك الحكومات الاستبدادية التي لطالما دعمتها.

2 ـ السعودية ضدّ أوباما

النقطة السابقة تقود إلى السبب الثاني لحالة "البارانويا" السعودية والحزم في المنطقة: سياسة إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط. إزاء ذلك، يرى الكاتب أن أوباما سعى إلى أن يخالف تركيز سلفه، جورج بوش الابن، تجاه الشرق الأوسط، فقد أدرك أن الولايات المتّحدة يجب أن تحوّل الاهتمام نحو شرق آسيا، حيث سيتم تحديد المستقبل العالمي، وليس في منطقة معرّضة للصراعات والركود الاقتصادي مثل الشرق الأوسط.


ولهذا فقط كان أوباما يتطلّع إلى خفض التزامات أميركا في المنطقة، وحلّ النزاعات هناك، أو على الأقل تلطيفها، حتى يتسنّى للولايات المتّحدة تحويل اهتمامها إلتى مكان آخر. ذلك واحد من الأسباب التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني، ومحاولة إعادة المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية. والأهم من ذلك، كما يقول الكاتب، هو أنّه جعل حلفاء الولايات المتّحدة يتحمّلون المزيد من المسؤولية في الدفاع عن أنفسهم.

استراتيجيّة أوباما الرئيسيّة، في المقابل، جعلت حلفاء أميركا التقليديين في المنطقة يخشون استبعادهم، وقد وجد السعوديين حديثه عن أنّ عليهم أن يتعلّموا كيف "يتقاسمون الجوار" مع إيران مرعبًا على نحو خاص.

اعتماد السعودية على النفط

السبب الأخير في حالة "البارانويا السعوديّة" يرجع، في تقدير الباحث، إلى انهيار أسعار النفط. فمن يونيو/حزيران 2014 إلى إبريل/نيسان 2016، انخفضت أسعار النقط 70% لأسباب مختلفة، بما فيها تخمة السوق، ومصادر الوقود البديلة، والحفاظ عليه.

ورغم توقّعات معظم الاقتصاديين بأن يعود سعر برميل النفط إلى الانتعاش، فإن ذلك لم يمنع الدول المصدّرة له من اتّباع نصيحة صندوق النقد الدولي باتّخاذ خطوات لتنويع اقتصادها.

السعودية كانت، على وجه الخصوص، إحدى الدول المستقبلة بكثرة لمناشدات صندوق النقد. وفي ربيع 2016، كشف محمد بن سلمان، الذي كان وليًّا لوليّ العهد حينها، عن خطّته الاقتصادية "رؤية 2030". تلك الرؤية، كما يصفها الكاتب، هي بالكاد مبتكرة، إذ إنها تتضمن قائمة من التوصيات المكرورة حول السوق الحرّة، والتي هي مطبّقة دوليًّا منذ سبعينيات القرن الماضي.

لكن احتمالات أن تكون السعودية قادرة على تحويل اقتصادها ليصبح منافسًا على المستوى العالمي خلال 13 عامًا ليست عالية، على حدّ قول الكاتب، فتحقيق ذلك قد يعني، من بين أمور أخرى، رمي الأداة الأكثر فاعلية لدى الحكومة السعودية لكسب/شراء قبول المواطنين؛ فحينما هدّدت الثورات العربية بالتمدد نحو السعودية، على سبيل المثال، عمدت الحكومة السعودية إلى توزيع منح بقيمة 130 مليار دولار لمواطنيها من أجل الحفاظ على ولائهم. كما أن رمي تلك الأداة قد يعني أيضًا ضمان التدفق الحر للمعلومات في بلد تعدّ فيه الشفافية، على كافة مستويات الحكم والتجارة، نادرة للغاية؛ ففي 2017، صُنفت السعودية في المرتبة 168 من بين 180 بلدًا شملتها الدراسة الاستقصائية حول حريّة الصحافة. وأخيرًا، قد يعني فقدان تلك الأداة تغيير التوجهات والسلوكيات تجاه العمل في بلد لا تشكّل فيه النساء سوى 22% من القوى العاملة، مقارنة بما تقارب نسبته الـ40% عالميًّا، وفي بلد يتولّى فيه الأجانب، حرفيًّا، كلّ الأحمال الثقيلة.

ويلخّص غيلفن هذا النقاش بالقول إن محمد بن سلمان، الذي تراجع عن بعض مقترحات رؤيته الاقتصادية، لا يبدو أنّه مقدم على أن يحقّق فيها نجاحًا أكبر من الحرب السعودية الفاشلة في اليمن، والتي يتحمّلها هو أيضًا.

المساهمون