هل فشلنا في بيع الوهم أيضاً؟

هل فشلنا في بيع الوهم أيضاً؟

16 أكتوبر 2017
يبكون أولادهم الذين فُقدوا في البحر (صفيان حمداوي/فرانس برس)
+ الخط -

أرقام مخيفة يتداولها التونسيون، في الأيام الأخيرة، عن شباب يلقون بأنفسهم في البحر. تصوّروا أن من بين 2700 وصلوا إلى سواحل إيطاليا سراً عبر البحر هذا العام، وصل 1400 شاب في شهر سبتمبر/أيلول الماضي وحده، ما يعني أن هناك وضعاً ينبغي فهمه، وأن شيئاً ما يعتمل في صدور الشباب يدفع بهم بهذه القوة إلى ركوب الخطر والرهان بحياتهم. وليس هذا فقط، فالعائلات التونسية باتت تشجع أبناءها على "الحرقة" إلى إيطاليا، ويؤكد المتحدث باسم الدرك التونسي أن هذه العائلات أصبحت تقوم بعملية ادخار طويلة لتوفير ثمن ذلك.

ولم يعد الأمر سراً، فالشباب المهاجر يعلن عن نفسه ويصوّر مراحل هجرته وينشرها على مواقع التواصل، مودّعاً تونس وساخراً من مسؤوليها. ولا تقتصر الهجرة على الذكور، فهناك إناث أيضاً وحوامل ومعوقون، ما يقود بالضرورة إلى الانتباه والإحساس بالخطر. كل هذا وأحزابنا المائتان منشغلة بصراعاتها اليومية، ولم نسمع عن مسؤول في حزب أو وزارة ذهب إلى حيث يدب اليأس ويعشش في زوايا الأحياء الفقيرة، وجلس مع العاطلين عن العمل في المقاهي. ولم تستنفر الحكومة ولا رئيس البلاد لدق ناقوس الخطر والدعوة إلى قطع كل شيء والوقوف عند هذه الفاجعة وأسبابها. ذلك المساء على التلفزيون، قال ذلك الشيخ الغاضب من غرق قريبه في البحر: "كنا في السابق نرفع شعار بلادي قبل أكبادي، أي أبنائي، أما وقد ماتوا فأكبادي قبل بلادي". ومرّ كلامه كأن شيئاً لم يحدث.

ولا يختلف التونسيون كثيراً في فهم الظاهرة؛ فكل الأمر أن اليأس دبّ في عروق هؤلاء ولم يعد أمامهم من حل غير الوهم الأوروبي الذي يقود إلى السجون وبيع المخدرات، وربما الانضمام إلى مجموعات متطرفة. وكل هذا يعكس فشل نخبة سياسية في زرع الأمل في قلوب التونسيين وإقناعهم بأن السنوات الصعبة ستختفي وسيكون الغد أفضل؛ نخبة أكلتها تفاصيل المعارك الصغيرة والمناكفات اليومية ونسيت الأهم: تجديد الأمل لدى الناس البسطاء.
وإذا كنا قد فشلنا في ترويج الأمل، فهل فشلنا حتى في بيع الوهم، وعجزنا عن إطالة عمر الصبر والانتظار؟ لأن الوهم قد يقي بعض شبابنا من الموت غرقاً أو حرقاً. في انتظار من يفهم أن جوهر العمل السياسي هو أن تكون قريباً من الناس وتدرك آلامهم وتفهم مآسيهم وأحلامهم وتجدد آمالهم.