حذر إسرائيلي في التعاون مع فوز أزولاي برئاسة "يونسكو"

حذر إسرائيلي في التعاون مع فوز أزولاي برئاسة "يونسكو"

15 أكتوبر 2017
فرنسا/سياسة/أودري أزولاي/(طوماس سامسون/فرانس برس)
+ الخط -
التزمت حكومة الاحتلال الحذر في تعليقها على فوز المرشحة الفرنسية أودري أزولاي، اليهودية الديانة، برئاسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، خاصة بعد أن كان ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أصدر بيانا أيّد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالانسحاب من المنظمة الدولية.

وأعلن البيان أن نتنياهو أوعز للبدء بإجراءات انسحاب إسرائيل هي الأخرى، ولا سيما أن الولايات المتحدة عللت موقفها بأن المنظمة الدولية المذكورة "تناصب إسرائيل العداء، وتتعامل بتمييز واضح ضدها".

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن انتخاب أزولاي بثّ الأمل في الجانب الإسرائيلي بأن تعود المنظمة، تحت قيادتها، إلى "الاشتغال بقضايا التراث العالمي".

ومع أن الصحيفة أشارت إلى هوية أزولاي اليهودية، إلا أنها لفتت، أيضا، إلى أنها اختيرت لهذا المنصب من قبل فرنسا، بفعل نشاطها الثقافي، وحظيت بدعم الحكومة الفرنسية بعد أن كانت ترشحت للمنصب قبل الانتخابات وفوز الرئيس إيمانويل ماكرون، علما أنها من أعضاء الحزب الاشتراكي الفرنسي، وشغلت منصب المستشارة الثقافية للرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، ووزيرة الثقافة في حكومة إيمانويل فالس.

وبحسب "يديعوت أحرونوت"، التي أشارت أيضا إلى هوية والد أزولاي، اليهودي المغربي أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الحالي، محمد السادس، ووالده الملك الراحل الحسن الثاني، فإن أكبر تحد تواجهه المديرة المنتخبة لرئاسة "يونسكو" هو قرار الولايات المتحدة، ومن ثم قرار حكومة إسرائيل بالانسحاب، ومحاولة إقناع الدولتين بالعودة للمنظمة، علما أن إجراءات الانسحاب تستغرق سنة في حالة الولايات المتحدة، ونحو 14 شهرا في الحالة الإسرائيلية.


ونقلت الصحيفة أن "سفير إسرائيل لدى منظمة الدول المتطورة "OECD" ولدى "يونسكو"، كرمل شاما هكوهين، هنأ أزولاي"، مضيفا للصحيفة أن "قرار الولايات المتحدة سبب صدمة لدى الجميع، وساعد في فوز أزولاي باعتبارها ممثلة الغرب، ولكونها كانت صاحبة الحظ الأوفر في تخفيف أو إلغاء قرار الولايات المتحدة، التي بدونها لن يكون للمنظمة الدولية مستقبل".

في المقابل، زعمت صحيفة "هآرتس"، نقلا عن مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى ومصادر أميركية، أن إسرائيل فوجئت بالقرار الأميركي، وأن الولايات المتحدة لم تبلغ إسرائيل بقرارها الانسحاب إلا قبل إعلانه بساعات، وبعد أن كان نشر خبر عن ذلك في المجلة الأميركية "فورين بوليسي".

لكن هذا الزعم يناقض حقيقة أن مندوبة الولايات المتحدة للأمم المتحدة، نيكي هيلي، كانت أعلنت عن مثل هذه الخطوة خلال زيارتها لإسرائيل في يونيو/ حزيران الماضي، تحت زعم أن "يونسكو" اتخذت قرارات سياسية عبر الانحياز الواضح ضد إسرائيل.

تاريخ من القرارات المناهضة للاحتلال

تصريحات هيلي، والتعليل الأميركي لخطوة الانسحاب من "يونسكو" ليست جديدة في واقع الحال، لكنها تعكس التصعيد الخطير في علاقات إسرائيل والولايات المتحدة مع المنظمة ومحاولة دولة الاحتلال تصوير كل قرار مناهض للاحتلال وممارساته بأنه انحياز ضدها، وهو اتجاه ركزت عليه تل أبيب في العامين الماضيين على نحو خاص. 

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، اتهم الأمم المتحدة كلها بأنها "منحازة ضد إسرائيل"، وأن "بعض قراراتها في هذا السياق تنم عن عداء للسامية، ولا سيما قرارات مجلس حقوق الإنسان، وقرارات "يونسكو" الأخيرة، وآخرها القرارات التي اتخذت العام الماضي وهذا العام، واعتبرت أن حائط البراق هو موقع فلسطيني وليس لليهود حق تاريخي فيه، والقرار الأخير الذي أكدت فيه "يونسكو" أن إسرائيل هي قوة احتلال وأن القدس محتلة".

ومنذ قيام دولة الاحتلال، بقرار أممي هو قرار التقسيم، وعلاقاتها مع المنظمة الدولية يشوبها التوتر، وتوجيه الاتهامات للمنظمة الدولية بـ"العداء للسامية" كلما اتخذت المنظمة أو أي من مؤسساتها قرارا ضد ممارسات حكومة الاحتلال، منذ السنوات الأولى التي أعقبت النكبة وإلى غاية اليوم، وهو ما دفع في أوائل سنوات الخمسينيات، برئيس حكومة الاحتلال الأولى، دافيد بن غوريون، إلى الاستخفاف بقرارات الأمم المتحدة عندما وصفها بأنها "لا شيء".

وفي سياق العلاقة بين دولة الاحتلال وبين منظمة "يونسكو" تحديدا، فإنه تجدر الإشارة إلى أن أول قرار مناهض لإسرائيل اتخذ في عام 1956، بعد أن قامت حكومة إسرائيل بضم الشطر الغربي من المدينة، علما بأن قرار التقسيم أبقى القدس منطقة مدولة. 

ودعا القرار الذي اتخذته "يونسكو" إلى وجوب حماية الممتلكات الثقافية في القدس، وخاصة تلك الفلسطينية، وعدم مصادرتها أو وضع اليد عليها.

ومع مرور السنوات توالت القرارات المشابهة ردا على إجراءات حكومات الاحتلال، بالسعي لتغيير معالم فلسطين، ومعالم مدينة القدس تحديدا، وخاصة مع بدء حكومات الاحتلال بأعمال حفريات في مناطق مختلفة من القدس، فأصدرت يونسكو قرارا عام 1968 استنكر الحفريات الإسرائيلية (منها تجريف باب المغاربة في القدس المحتلة، وتوسيع ساحة ما تسميه دولة الاحتلال حائط المبكى في إشارة لحائط البراق، وجعل الموقع ساحة للصلوات اليهودية بعد هدم حي المغاربة كاملا)، وكرر موقف القرار السباق من عام 1956.

وفي عام 1974، بلغ التوتر بين إسرائيل و"يونسكو" أشده بعد أن أقرت المنظمة قرارا بالامتناع عن التعاون الثقافي والعلمي مع إسرائيل.

وفي عام 1978، اتخذت المنظمة قرارات ضد انتهاك حقوق التعليم للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ومن ضمنها في القدس المحتلة، وضد تغيير معالم المدنية، بعد أن كان الاحتلال شرع في بناء أحياء استيطانية في القدس، وهدم طرقها القديمة وشق طرق جديدة، ومصادرة أراض من الفلسطينيين في المدينة، مع ممارسات طاولت جهاز التعليم والمدارس الفلسطينية، ووضعت قيوداً على التعليم الجامعي للفلسطينيين في الضفة الغربية.

وعلى مدار سنوات الانتفاضة الأولى التي اندلعت شرارتها عام 1987، دانت "يونسكو" كل ممارسات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، بما فيها الاقتحامات المتكررة للجامعات الفلسطينية، وإطلاق العيارات النارية على الطلبة الجامعيين في التظاهرات المختلفة، وصولا إلى إغلاق مؤسسات التعليم العالي المختلفة، وخاصة جامعات بيرزيت وبيت لحم وكلية النجاح في نابلس.

شهد عام 2003 تحولا في موقف "يونسكو" من اتخاذ القرارات المُدينة إلى اتخاذ خطوات فعلية، تمثلت بإيفاد بعثة رسمية للاطلاع على الأوضاع في القدس المحتلة، ولا سيما خطورة الحفريات الإسرائيلية في محيط الحرم القدسي، وأنحاء مختلفة من البلدة القديمة في القدس المحتلة.

وفي عام 2014، اتخذت لجنة التراث العالمي أول قرار بشأن الاعتراف بمواقع فلسطينية كمواقع للتراث العالمي، عندما أقرت أن مدرجات قرية بتير، القريبة من بيت لحم، هي موقع للتراث العالمي، وهو ما حال دون استكمال الاحتلال لبناء الجدار الفاصل على مدرجات القرية، ومحاولات الادعاء بأن الموقع يهودي.

وشهد العقد الأخير، وتحديدا العامين الأخيرين، تصعيدا آخر في العلاقات مع إسرائيل، عندما توالت القرارات التي كرست الحق الفلسطيني، ورفضت محاولات الاحتلال نهب هذه المواقع أو تجييرها للرواية الصهيونية. وبرزت في هذا المضمار سلسلة قرارات اتخذت بين عامي 2005 و2007 أكدت أن القدس القديمة مدينة محتلة، وأنها معلم للتراث الإنساني مهدد بالخطر بفعل الممارسات والعقبات التي تضعها دولة الاحتلال، كما طالبت "يونسكو" حكومة الاحتلال برفع تقرير مفصل عن إجراءاتها في باب المغاربة المتاخم للمسجد الأقصى.

وتكرر الموقف ذاته عام 2016، عندما أقرت المنظمة قائمة بالمواقع العالمية المعرضة للخطر، وأدرجت على القائمة البلدة القديمة للقدس وأسوارها، وأثارت هذه القائمة غضبا إسرائيليا.

ويمكن القول إن الصدام بين إسرائيل و"يونسكو" بلغ الذروة في العام الماضي، واستمر مطلع العام الحالي، بفعل قراراتها التي أكدت أن القدس منطقة محتلة أولا، وأنه لا يوجد لليهود أي رابط بالحرم القدسي الشريف، وأن الحرم القدسي وحائط البراق هما موقعان إسلاميان لا علاقة لليهود بهم. 

وقد ردت إسرائيل في حالة القرار الأخير بقطع علاقاتها مع الدول التي صوتت لصالح القرار لبعض الوقت، مع اتهام المنظمة الدولية بأنها تخوض في قضايا خارج صلاحياتها، وأنها باتت مثلها مثل مجلس حقوق الإنسان منصة للانحياز ضد إسرائيل وللعداء للسامية. 

وعبر عن هذا الموقف بشكل خاص، رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، خلال استقباله الرئيس ترامب في متحف إسرائيل في القدس المحتلة، في مايو/أيار من العام الحالي، عندما وصف قرارات "يونسكو" بأنها سخيفة، وأن "هذه المنظمات باتت عبثية يتحكم بها أعداء إسرائيل".